طاب نهاركم جميعاً، ونشكركم على حضوركم معنا هذا الصباح قبل خمسة أيام فقط من انتخابات العراق الهامة للغاية.
أود أن أستهل حديثي بترديد الكلمات الحكيمة التي قالها سماحة السيد آية الله على السيستاني (الأسبوع الماضي) مشجعاً الجميع على "المشاركة الواعية والمسؤولة في الانتخابات القادمة، فإنها وإن كانت لا تخلو من بعض النواقص، ولكنها تبقى هي الطريق الأسلم للعبور بالبلد إلى مستقبل يرجي أن يكون أفضل مما مضى، وبها يتفادى خطر الوقوع في مهاوي الفوضى والانسداد السياسي".
وأنا أتفق مع تلك الكلمات تماماً.
والآن، في هذه المرحلة التي تسبق الانتخابات، تواصلت الأمم المتحدة مع كثير من العراقيين من مختلف الفئات وانخرطت في العمل معهم.
وقد تبادلنا وجهات النظر بشأن أهمية التصويت، ومخاوفهم، وآمالهم، وأحلامهم. نعم، بالطبع، تم الإعراب عن القلق ازاء إمكانية التزوير، ودور الجهات الفاعلة غير الحكومية، و(على سبيل المثال) مسألة التدخل الأجنبي. ولن يفاجئكم إذا قلت لكم إن الكثيرين أبدوا أيضًا شعورًا واضحًا بخيبة الأمل.
في الوقت ذاته، أكّد العديد من العراقيين أيضًا على ضرورة إجراء هذه الانتخابات من أجل الانتقال من حالة الجمود السياسي الذي طال أمده، إلى التصدي، أخيراً، للتحديات الملحة التي تواجه العراق بما في ذلك؛ الحاجة الماسة للإصلاحات الاقتصادية، ولكن ثمة أمر آخر (أهم من ذلك)؛ وهو الحاجة إلى تحقيق العدالة والمساءلة.
بطبيعة الحال، لم يتحدثوا عن مجرد اجراء انتخابات فحسب، وإنما أشاروا إلى إجراء انتخابات تتسم بالمصداقية والشفافية، منوهين إلى أنهم يفهمون أن هذا لا يعني بالضرورة أن محصلة الانتخابات ستكون هي بالضبط ما يتمنونه.
الآن، لماذا أخبركم بهذا؟ لأنني أريدكم أن تعلموا أن الأمم المتحدة ليست غافلة عن دواعي القلق التي تم الاعراب عنها. نحن لسنا سذجاً إزاء المشاكل التي يواجهها العراق. على العكس تماماً؛ ففي إحاطاتي، التي قدمتها، على سبيل المثال، إلى مجلس الأمن في نيويورك، كان موقفي ثابتا للغاية بشأن التحديات والمشاكل العديدة الماثلة، وحول ضرورة الشعور بالحاجة الملحة لإنجاز الأمور.
لذلك، لا يسعني إلا أن أكرر ما سمعتموني أقوله من قبل: إن الأمم المتحدة، كما كانت دائما، ستكون شريكة لجميع العراقيين.
سيداتي وسادتي
لأسباب وجيهة، تركز مساعدتنا الانتخابية للعراق على ما هو ضروري لانتخابات العاشر من تشرين الاول: أي مصداقيتها. من الضروري أن تختلف هذه الانتخابات عن انتخابات 2018.
الآن، قبل خمسة أسابيع، ذكرت أن الاستعدادات الفنية تسير وفق الخطة الموضوعة لها. ونعم، في ذلك الوقت، كانت لا تزال هناك بعض الأمور المثيرة للقلق التي يتعين معالجتها بغية الحفاظ على دقة نتائج الانتخابات.
وبالأمس، أجرت المفوضية العليا للانتخابات عملية محاكاة رابعة، ويسعدني أن أقول إنه بناءً على نتائج الأمس، يمكنني أن أؤكد أن انتخابات العاشر من تشرين الأول لديها الامكانية لتكون مختلفة عن انتخابات عام 2018.
ستتحدث إليكم بعد قليل زميلتي، السيدة انغيبيورغ، نائبة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة التي تشرف على الشؤون السياسية والانتخابية، لتطلعكم بشكل أوسع على الجوانب المختلفة لعملية المحاكاة التي جرت بالأمس وكذلك مساعدتنا الانتخابية.
سيداتي وسادتي
كما نعلم جميعًا، يمكن للانتخابات ونتائجها في شتى دول العالم أن تثير مشاعر قوية جداً؛ والعراق لا يختلف في هذا الأمر عن غيره.
وفي معظم الحالات، ستثير مثل هذه المشاعر القوية نقاشًا أو حوارًا مكثفًا، ولكنه إيجابي حول أهمية التصويت أو الاتجاه الذي يجب أن يسلكه البلد، على سبيل المثال.
ولا حرج في هذا النوع من النقاشات أو الأحاديث؛ فهي تعد حجر الأساس لأي ديمقراطية، كما أنها تبرز المشاركة السياسية.
ومع ذلك، في بعض الحالات، تكون هذه المشاعر القوية مصحوبة بأعمال الترهيب، بل قد يصل الأمر لما هو أسوأ من ذلك. وغني عن القول إنه يجب أن يشعر الناس، في جميع الأوقات، بالحرية في ممارسة حقوقهم الديمقراطية والانتخابية.
كذلك يجب أن يكون واضحًا أن الانتخابات لا تؤدي بالضرورة إلى النتيجة المفضلة لدى المرء؛ ويتعين على أي مواطن في أي بلد أن يقرّ بأن العملية كانت سليمة، حتى لو لم تكن نتيجتها هي ما كان يتمناه أو يأمل فيه.
الآن، اسمحوا لي أن أؤكد على أن إحدى أوضح علامات تعزيز الديمقراطية هي قدرة الأحزاب والناخبين على الاعتراف بالنتائج بناء على شرعية العملية، بغض النظر عن تفضيلاتهم الشخصية عندما يتعلق الأمر بالنتائج.
في الختام، أيها السيدات والسادة، أود أن أؤكد بأنه لن تؤدي أي انتخابات إلى معجزات فورية. هذا ببساطة لا يحدث. ليس هنا ولا في أي مكان آخر في العالم.
أتمنى لو كانت هناك حلول تأتي بين ليلة وضحاها؛ كان من شأن ذلك أن يجعل حياتنا كلها أسهل بكثير.
لكن الحقيقة المرّة هي أن الديمقراطية عبارة عن عمل مستمر. يمكن أن تكون فوضوية ويمكن أن تكون مملة؛ ولكن إذا شعر الناس بأنهم مشمولون، وإذا شعروا أن بوسعهم المساعدة (ببطء، ولكن بثبات) في تشكيل مستقبلهم، فإن التنازلات والاستثمارات حينها تستحق العناء.
كما أن الانتخابات وحدها لن تحقق الرخاء والاستقرار للعراق؛ فالانتخابات وسيلة لتحقيق غاية، بعبارة أخرى: ربما يكون ما سيأتي بعد ذلك أكثر أهمية؛ ألا وهو تشكيل حكومة تكون قادرة (بسرعة وفعالية)، على القيام بتنفيذ إصلاحات جادة. يجب تحقيق نتائج ملموسة لجميع العراقيين، وأن يتم ذلك بتطبيق مبادئ الشفافية والحكم الرشيد والنزاهة.
ولكن لبلوغ تلك الغاية، فإن الخطوة الأولى هي: إجراء انتخابات ذات مصداقية. وكما ذكرت عدة مرات: انتخابات تشرين الأول هي خطوة أولى أساسية على طريق (على الأرجح) طويل للغاية، طريق نأمل أن يؤدي إلى عراق أكثر ازدهارًا وأمناً وعدالة.
وآمل بصدق أن يدرك جميع العراقيين الأهمية الكبيرة والقيمة العليا للإدلاء بصوتهم.
هذا بلدكم، مستقبلكم، وصوتكم.
أعطي الكلمة الآن لزميلتي السيدة انغيبيورغ.