الحفل الختامي لاجتماعات المائدة المستديرة المواضيعية حول ممارسات المقاضاة وإعادة التأهيل والإدماج الكلمة الرئيسية للممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق السيدة جينين هينيس-بلاسخارت
٠٩ أبريل ٢٠٢٢
مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية
بغداد- 9 نيسان 2022
أصحاب المعالي، سيداتي وسادتي
أتقدم لكم بالشكر لإتاحة الفرصة لي لأكون بينكم اليوم.
نُظمت خلال الشهرين الماضيين سلسلة من اجتماعات المائدة المستديرة بين الحكومة العراقية والأمم المتحدة لنتمكن من أن نتصدى على نحو مشترك للعديد من القضايا المهمة والحساسة المتعلقة بعودة وإعادة تأهيل وإدماج الأشخاص المهجرين في شمال شرقي سوريا، ومقاضاتهم إذا اقتضت الضرورة ذلك.
ولا سبيل لإنكار أن هذا وضع يحفل بالتحديات على نحو فريد. وفي حين تستحق بعض التطورات كل الإشادة، تثير تطورات أخرى القلق، وتذكرنا أن الوقت هو عامل جوهري، وأن هناك حاجة عاجلة إلى عمل حاسم وجماعي.
سيداتي وسادتي، من الصعب المبالغة في وصف تعقيد المهمة التي يضطلع بها العراق: ففي مخيم الهول، الذي لا يفصله عن الحدود العراقية سوى مسيرة ساعات، يعيش ما يقرب من (30,000) عراقي تتباين صلاتهم بتنظيم داعش -بضمنهم ضحايا للتنظيم وآخرين لا صلة لهم به البتة – طي النسيان. فقد تدهورت أوضاعهم الإنسانية والأمنية -غير المستقرة أساساً- خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، ولا تمثل الاشتباكات الدامية الأخيرة سوى أحدث الأمثلة على موجة العنف المستمرة في المخيم منذ أواخر عام 2020.
ولا يمكن أن أبالغ في وصف صغر سن سكان مخيم الهول: فثلاثة من بين كل خمسة من سكانه هم تحت سن السابعة عشر، وواحد من كل خمسة أفراد يقل عمرهم عن خمسة أعوام، ولم يعرف هؤلاء الأطفال الأبرياء سوى تلك البيئة القاسية، وقد حُرم العديد منهم من أبسط حقوقهم الأساسية، بما في ذلك حقهم في التعليم.
وقد سمعتموني أكرر خلال السنوات الماضية الثلاث أنه من السهل جداً أن يتحول إرث قتال الأمس مع داعش إلى حرب في المستقبل، وأننا لا ينبغي أن ننتظر الأطفال الصغار ليكبروا في مخيم كمخيم الهول، حيث يجد هؤلاء الأطفال أنفسهم أمام مخاطر التجنيد القسري ومعايشة التطرف العنيف، وفي الواقع، الوضع الحالي غير مستدام. كما أن إبقاء الناس في الظروف المُقيِّدة والسيئة لتلك المخيمات إلى ما لا نهاية، يخلق في نهاية المطاف حجماً أكبر من المخاطر الأمنية وتلك المتعلقة بالحماية مما لو أعيدوا على نحو مسيطر عليه. بعبارة أخرى: إن بقاء الوضع على ما هو عليه - بلا شك- هو أخطر الخيارات.
لذا نرحب على نحو خاص بقرار العراق استئناف العودة الطوعية في مطلع عام 2021. وفي الواقع كان العراق قدوة على الساحة العالمية من حيث اتخاذ خطوات استباقية للوفاء بالتزاماته بإعادة رعاياه إلى وطنهم. فقد أُعيد ما يقرب من (450) أسرة، أي حوالي (1,800) شخص منذ شهر أيار 2021. وبينما لا يزال في المخيم الآلاف من العراقيين، تدرك السلطات العراقية حقاً أنه لا يمكنها التوقف عند هذه المرحلة.
وتقدر الأمم المتحدة بصفة خاصة عزم العراق ليس فقط في الاستمرار بل أيضا بالإسراع في عملية العودة. ونعم، نحن على استعداد للاستمرار بتقديم المساعدة الإنسانية والحماية وفي مجال إعادة الإدماج بعد العودة ونأمل حقا أن تكون الدول الأعضاء والمانحون معنا في هذا الأمر.
وبالتاكيد من الجدير بالذكر هنا حقيقة أن هذا النجاح المبدئي هو نتيجة التنسيق والتعاون القوي بين الحكومة بأكملها. فقد كان لرئيس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي ومستشار الأمن القومي السيد قاسم الأعرجي الدور المحوري في ضمان قيام مجموعة واسعة من الوزارات والمؤسسات ببذل جهود متضافرة للوصول إلى الهدف المشترك.
وبالتأكيد فإن وزارة الهجرة والمهجرين تستحق التقدير لدورها في إدارة مركز جدعة1؛ وتدير الوزارة المركز مع وكالات الأمم المتحدة وشركائها المحليين والدوليين لدعم الرعاية الصحية، بما في ذلك الصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي وحماية الأطفال والمساعدة القانونية والتعليم والأمن الغذائي وخدمات سبل المعيشة. وبعبارة أخرى، إنها ليست الحكومة بأكملها فحسب بل أيضا جهود الأمم المتحدة بما في ذلك المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين واليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للسكان والعديد من شركائنا.
سيداتي وسادتي،
من خلال التواصل المباشر مع العائدين، لاحظت وكالاتنا عن كثب ارتياحهم لمغادرة الظروف الرهيبة في مخيم الهول في العودة إلى العراق، ومع ذلك لا يزال يساور هؤلاء العائدون القلق البالغ بشأن سلامة أقاربهم الذين لا يزالون في مخيم الهول. إن استمرار الجهود الرامية لمنع انفصال العائلات هي مسألة هامة وجديرة بالتقدير على الرغم من الظروف العملية التي تشكل تحدياً هائلاً في شمال شرق سوريا.
ويشعرون العائدون إلى مركز جدعة 1 بالقلق أيضا على مستقبلهم ويتوقون للانتقال إلى مناطقم الأصلية أو أي مكان آخر في العراق. وقد غادرت نحو 130 أسرة أي 500 فرداً مركز جدعة 1 إلى مناطقهم الأصلية أو إلى موقع ثالث. والاهم من ذلك، انه تم بناء مركز للزائرين لتمكين السكان في مركز جدعة 1 من مقابلة أقاربهم بشكل منتظم. وبينما هذا هو موضع ترحيب كبير، وبالمضي قدماً، سيكون من المهم أن تكون هناك معايير محددة وتقليص فترة الانتظار قدر الإمكان.
ومن المسلم به، أن هناك تحديات كبيرة لا زالت باقية حتى بعد مغادرة الأسر مركز جدعة 1، ففي بعض الحالات، رفض أفراد المجتمعات في المناطق الأصلية قبول العائدين وفي حالات أخرى أرغمت الأسر على الانتقال إلى أماكن أخرى بسبب المساكن أالمتضررة أو المدمرة و انعدام الخدمات أو تعذر الحصول على فرص لكسب القوت.
ولذلك، ستثبت اهمية التعاون الوثيق بين الحكومة والأمم المتحدة في ضمان تقييم إحتياجات إعادة الإدماج، وبضمنها قبول المجتمع المحلي، قبل مغادرة مركز جدعة 1.
ان النهج التدريجي، الذي جرى إتباعه حتى الآن، قد مكن الحكومة العراقية والأمم المتحدة من تحديد التحديات والحلول وتطوير العملية مع مرور الوقت. ولكن بينما نمضي قدماً، وتصبح أوضاع العائدين أكثر تعقيداً فمن دون أدنى شك ستنشأ تحديات جديدة وشائكة.
وهذا، ايها السيدات والسادة، هو السبب في الأهمية البالغة لمواصلة حوارنا وتوسيعه مع الحكومة بشأن دفع عجلة نهج قائم على الحقوق والذي يكفل بطبيعة الحال مساءلة الأفراد الذين إرتكبوا جرائم بل ويضمن ايضاً تقديم الدعم الشامل في مجال إعادة الإدماج.
وبناءً على هذه المناقشات والموائد المستديرة التي جرت مؤخراً، سيسترشد الدعم الموسع الذي تقدمه الأمم المتحدة للحكومة العراقية بالإطار العالمي لتوفير "كامل دعم الأمم المتحدة" لعودة رعايا البلدان الأخرى من العراق/سوريا.
وبالنسبة للأشخاص الذين ليس لديهم معرفة كافية بهذا الإطار العالمي: فهو يرسم نهجاً تعاونياً مع الحكومات وآليات التمويل المشترك التي يمكن للأمم المتحدة بموجبها أن تدعم الدول الأعضاء بشأن حماية العائدين من سوريا وإعادتهم إلى أوطانهم ومحاكمتهم وإعادة تأهيلهم وإدماجهم ممن قد يكون لهم إرتباطات أو علاقات عائلية مزعومة أو فعلية بجماعات مصنفة بأنها إرهابية.
ومن خلال استخدام هذا الإطار العالمي، يمكن للأمم المتحدة والحكومة العراقية، وبناءً على سنوات من الشراكة في التصدي للعديد من تحديات ما بعد تنظيم داعش، أن يعملا معاً على تحديد الثغرات والإحتياجات وتحديد أولويات مجالات الدعم المتعدد الأطراف والإستفادة من ولايات محددة داخل نطاق أسرة الأمم المتحدة.
والأهم من ذلك، فبعد أن اضطلعت بدور قيادي يحتذى به في العديد من الجوانب حتى الآن، فأن الحكومة العراقية يمكنها أن تسهم إسهاماً كبيراً في الفهم العالمي لقضايا الملاحقة القضائية وإعادة التأهيل والإدماج المعاصرة.
سيداتي وسادتي، ختاماً:
ان التحديات العابرة للحدود تستلزم حلولاً عابرة للحدود، وتتطلع الأمم المتحدة الى مواصلة شراكتها مع الحكومة العراقية لصياغة هذه الحلول وتنفيذها من أجل المصلحة العالمية الأعم.
لنواجه الأمر: فمخيم الهول عبارة عن قنبلة موقوتة. إذا انفجرت، فإنها لن تؤثر على المنطقة فحسب بل سيمتد تأثيرها الى أبعد من ذلك. إذ ينبغي أن يكون نزع فتيلها أولويتنا الجماعية.
شكراً لكم.
صاحب الخطاب
جينين هينيس-بلاسخارت
بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق
الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق