مقالة رأي: نائب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، منسق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في العراق السيد غلام محمد إسحق زى
https://alsabaah.iq/71499-.html
يغادر العراق سنين شهدت عدم الاستقرار والنزاعات، وله كل الحق أن يفخر بذلك. ومع أن مدة تكليفي في هذا البلد لم تبدأ سوى منذ مدة وجيزة، إلّا إني شهدت تقدماً مهماً قد تحقق بالفعل، وذلك بفضل القدرة على التكيف التي يتمتع بها الشعب والذي خطا خطوات كبيرة نحو تمهيد الطريق لنشوء أمةٍ أكثر سلاماً واستقراراً بعد أن مرت بسنواتٍ من المصاعب التي لا توصف.
في عام 2014، حشد المجتمع الدولي قدراته، بطلب من العراق، لتقديم المساعدات التي اشتدت الحاجة إليها في تلك المرحلة الحرجة التي مر بها البلد، حيث كافح للصمود أمام أزمة أمنية وإنسانية مدمرة. وبعد مرور خمس سنوات على هزيمة تنظيم داعش في المناطق التي سيطر عليها، والتي تلتها جهود متواصلة وحازمة للتعافي وإعادة الإعمار والمصالحة، انخفض في الآونة الأخيرة العدد المذهل للأشخاص الذين احتاجوا إلى مساعدة إنسانية، والذي بلغ حينها (11) مليون شخص، إلى (2.5) مليون شخص. وقدمت الجهات المانحة الدولية ما يقدر بنحو (8) مليارات دولار أمريكي على شكل مساعدات إنسانية، بينما استُثمِرَت مليارات أخرى في التنمية وإعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار من خلال إصلاح شبكات الكهرباء ومنظومات المياه العامة وإعادة إنشاء الطرق وإعادة بناء المدارس والمؤسسات الصحية والإسكان.
ومن الطبيعي أن يؤدي الانخفاض في عدد السكان المحتاجين، فضلاً عن تعزيز قدرة الحكومة على خلق المزيد من الإيرادات ورعاية مواطنيها، إلى تهيئة ظروف مواتية للانتقال السلس من الحلول الإنسانية إلى الحلول الإنمائية للنازحين داخلياً في العراق. ويتضح ذلك بشكل خاص من خلال اعتماد " الخطة الوطنية لإعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية" والطلب بإدراج ركيزة تتعلق بإنهاء النزوح الداخلي ضمن إطار الأمم المتحدة للتعاون في مجال التنمية المستدامة (UNSDCF).
ومع تقليصنا لجهود الأنشطة الإنسانية في البلد، فإن مجتمع الدعم الإنساني، والذي كان شريكاً وثيقاً للعراق لسنوات عدة، يكرر تأكيد التزامه بمواصلة دعم الشعب والسلطات في العراق نحو مرحلة الحلول الإنمائية. وكما وقفنا مع الشعب العراقي في وقت حاجته، سنواصل العمل معه الآن وفي المستقبل.
جنبا الى جنب مع الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان، نعمل على وضع استراتيجية انتقالية للعمل الإنساني لتلبية الاحتياجات الإنسانية المتبقية في عام 2023، بالتزامن مع اتخاذ خطوات ملموسة لإيجاد حل دائم للنازحين واللاجئين بموجب إطار الأمم المتحدة للتعاون، والذي تم التوقيع عليه من قبل الحكومة العراقية وفريق الأمم المتحدة القطري. وعلى سبيل المثال، ان شراكتنا مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية التي أفضت الى شمول النازحين والعائدين بشبكة الرعاية الاجتماعية الوطنية هي دليل قوي من جانب الحكومة العراقية على الاضطلاع بمسؤوليتها تجاه مواطنيها وإيجاد حلول طويلة الأمد لهم. وسنواصل التعاون مع الوزارات القطاعية المعنية الأخرى لضمان حصول النازحين والعائدين على الخدمات الاجتماعية ذاتها التي يحصل عليها سائر المواطنين العراقيين.
وبينما نمضي صوب هذه المسارات الطويلة الأمد، تكمن أمامنا الكثير من التحديات، بما في ذلك التحديات الأمنية وتلك المتعلقة بالحوكمة وانعدام أماكن الإيواء والسكن وفرص كسب العيش التي تعيق العودة الطوعية والآمنة للكثير من النازحين إلى مناطقهم الأصلية. إن تهيئة الظروف المناسبة للشعب العراقي ليتولى زمام رسم مستقبله وبناء عراق مستقر ومزدهر وشامل للجميع هي عملية تتطلب مشاركة الجميع – الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والأمم المتحدة وجميع شركائها، بما في ذلك الجهات المانحة.
ففي العام الماضي، ساعدنا أكثر من 4.2 مليون عراقي، بضمنهم السكان النازحين من خلال زيادة فرص الحصول على الخدمات في القطاعات ذات الأولوية فضلاً عن تنفيذ 629 مشروع من مشاريع البنى التحتية التي نتج عنها ترميم آلاف البنايات الخاصة والعامة، بضمنها المدارس والمراكز الصحية. وتم تطهير أكثر من 5 مليون متر مربع من الأراضي من الألغام والذخائر المتفجرة في مدن الموصل والفلوجة والرمادي. وهذه بعض الأمثلة عن تأثير عمل الامم المتحدة.
وعلى غرار ما حدث في الماضي، سنواصل دعم الحكومة وهي تتصدى لمسائل أخرى مهمة بضمنها تهيئة البيئة السياسية والأمنية المواتية واللازمة لتحقيق السلام والاستقرار المستدامين ومحاربة الفساد ومعالجة أزمة التغير المناخي وشحة المياه فضلاً عن إيجاد حلول مستدامة للنازحين تتسم بالمرونة وطول الأمد.
ولتوضيح الأمر بشكل لا لبس فيه: فان الشراكة بين الأمم المتحدة والعراق لا تزال قوية ومزدهرة وذلك من خلال المشاريع القائمة والتي تركز على جهود المناصرة وبناء القدرات والمساعدة الفنية. وحيثما يقتضي الأمر، يواصل الشركاء في المجال الإنساني تقديم أنشطة للأشخاص والمجتمعات المحلية الضعيفة، بما في ذلك النساء والأطفال والشباب والمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة. كما نواصل العمل لدعم إعادة إدماج النازحين العائدين من خلال برامج قائمة على المناطق للحماية والتماسك الاجتماعي والحلول التي تعالج أي نقاط ضعف غير محلولة ولا تسمح بتخلف أحد عن الركب، فضلاً عن تحديد حلول دائمة تحفظ كرامة النازحين المتبقين.
ان شعب العراق وحده يملك أن يحدد مستقبله، وتقف الأمم المتحدة على أهبة الاستعداد لدعمه في كل خطوة نحو تحقيقه الازدهار الذي يستحقه بالفعل.