الحاجة إلى مزيد من الدعم للصحة النفسية المجتمعية في العراق: إعطاء الأولوية للانتقال من خدمات الصحة النفسية القائمة على المستشفيات النفسية إلى الخدمات القائمة على المجتمع
يعاني واحد من كل عشرة أشخاص تقريباً، أي حوالي 792 مليون شخص على مستوى العالم، من اضطراب نفسي أو اضطراب متعلق بتعاطي المواد المخدرة
يعاني واحد من كل عشرة أشخاص تقريباً، أي حوالي 792 مليون شخص على مستوى العالم، من اضطراب نفسي أو اضطراب متعلق بتعاطي المواد المخدرة، وهذا يشكل 10٪ من العبء العالمي المترتب على هذا المرض. وفي العراق، يتزايد الطلب على الخدمات النفسية وسط تفشي جائحة كوفيد-19 والتي ما تزال من المجالات ذات الأولوية القصوى التي تتطلب دعماً مستمراً.
يعد مستشفى الرشاد التدريبي للأمراض النفسية والعقلية أكبر منشأة للصحة النفسية في العراق. وهو عبارة عن منشأة سكنية للإقامة طويلة المدى مكونة من 24 جناحاً. ورغم أن إجمالي طاقته الاستيعابية تبلغ 1200 سرير، إلا أن عدد المرضى فيه حالياً يبلغ أكثر من 1440 شخصاً. وبحسب الدكتور علي رشيد الركابي، مدير المستشفى، فإن المريض لا يخرج من المستشفى أبداً بعد تسجيل دخوله إليه. وباستثناء وحدة الطب الشرعي، يدخل المريض المستشفى مدى الحياة.
يعيش كريم، البالغ من العمر 62 عاماً، في المستشفى منذ 38 عاماً. وعلى الرغم من أن شفائه وحالته السريرية لا يبرران بقائه في مصحة للأمراض النفسية، إلا أنه لا يزال في المستشفى. يساهم دخول المرضى للمستشفى لفترة طويلة الأمد والافتقار إلى وجود خدمات صحة نفسية مجتمعية في انعدام فرص إعادة الدمج الاجتماعي للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية ممن يتم إدخالهم إلى المستشفى، مثل كريم.
هذا الأمر لا يقتصر على كريم وحده، فهناك العديد من الأشخاص الآخرين مثله الذين تحسنت حالتهم النفسية وما زالوا يعيشون في هذا المستشفى إما لعدم وجود مكان للعودة إليه أو لأن عائلاتهم لا تستطيع استيعابهم بسبب محدودية المساحة في منازلهم أو خوفاً من المجهول.
خضير عباس محمد علي، 59 عاماً، يدخل إلى مستشفى الرشاد ويخرج منه منذ عام 1981. وقد مضى الآن 17 عاماً على عودته إلى المستشفى آخر مرة. لكنه لم ير أيا من أقاربه منذ عدة أشهر. وحاله كحال كريم، فهو متشوق للخروج من المستشفى وعيش حياة يومية اعتيادية.
يقول خضير: "ولدت في بغداد، وسأكون في غاية السعادة لو استطعت الخروج من هنا والعيش فيها مرة أخرى، أنا مشتاق لرؤية أقاربي. يوجد لدي ثلاثة أخوة وأخوات ولكني لم أرهم منذ أن زاروني آخر مرة قبل عدة أشهر. كان لي ابن أخ يزورني كثيراً، ولكنه توقف فجأة عن زيارتي. اشتقت لعائلتي كثيراً. وأتمنى لو تساعدوني في التواصل معهم".
ويضيف: "أساعد زملائي في هذه المنشأة، فأقص شعرهم وأحدثهم مطولاً عن مواضيع الصحة النفسية، وعندما تكون هناك حالة طبية طارئة، أبذل قصارى جهدي لإبلاغ سلطات المستشفى. يمكنني فعل الكثير عندما أخرج من هنا".
ووفقاً للدكتور علي رشيد الركابي، فإن عدداً كبيراً من المرضى الموجودين في المستشفى حالياً ليس لديهم أسباب سريرية لبقائهم فيها. فقد تعافوا تماماً من الناحية السريرية ويمكن لهم المغادرة. ومع ذلك، وبسبب الافتقار إلى الصحة النفسية المجتمعية، إلى جانب الافتقار إلى المرافق السكنية، لا يستطيع هؤلاء وأفراد أسرهم الاندماج من جديد في المجتمع. يوصي مدير المستشفى بتنفيذ استراتيجية توفير الرعاية خارج المؤسسات لتقليل حجم ودور مستشفيات الأمراض النفسية والاعتماد على شبكات الصحة النفسية المجتمعية.
تتفق منظمة الصحة العالمية مع هذا الأمر. ويقول الدكتور أدهم إسماعيل، ممثل المنظمة في العراق: "بالنظر إلى حالة الكثيرين ممن يعانون من اضطرابات نفسية، ستدعو منظمة الصحة العالمية وزارة الصحة إلى دمج مفهوم الرعاية غير المؤسسية في الاستراتيجية الوطنية للصحة النفسية. سنتواصل مع الجهات الصحية المسؤولة والجهات المانحة في العراق للتوصية بتقديم الدعم".
كما توصي منظمة الصحة العالمية وزارة الصحة بالتعاون مع المنظمة في تنفيذ مبادرة حقوق الجودة لمنظمة الصحة العالمية[2] التي تهدف إلى تحسين الوصول إلى خدمات الصحة النفسية والاجتماعية الجيدة وتعزيز حقوق الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الصحة النفسية والاضطرابات النفسية والاجتماعية والذهنية والإدراكية.
وعلى مدى السنوات الماضية، عملت منظمة الصحة العالمية عن كثب مع وزارة الصحة لتعزيز الصحة النفسية على الصعيد الوطني وعلى مستوى المحافظات من خلال بناء القدرات وتوفير مستلزمات الصحة النفسية مثل الأدوية. وتدعو منظمة الصحة العالمية إلى تطوير وتعزيز خدمات الصحة النفسية القائمة على المجتمع والتي تراعي حقوق الإنسان.
ورغم القيود التي فرضها العراق بسبب جائحة كوفيد-19 على التنقل وحوادث العنف القائم على النوع الاجتماعي وإساءة معاملة الأطفال والعنف المنزلي، فإن هناك زيادة طفيفة في عدد المقيمين في مستشفى الرشاد بسبب الجائحة القائمة. وسجل المستشفى حتى الآن، 32 حالة إصابة بمرض كوفيد- 19 بين الأشخاص المصابين بأمراض نفسية في المنشأة الصحية.
وتناشد منظمة الصحة العالمية الجهات المانحة لدعم تدخلات الصحة النفسية في العراق، لا سيما خلال هذه الفترة حيث يعاني الكثير من عواقب جائحة كوفيد-19 وحيث أثرت الحرب والضغوط الاقتصادية سلباً على الصحة النفسية. كما تدعو منظمة الصحة العالمية إلى توفير مزيد من الدعم لتعزيز الإدارة المجتمعية للصحة النفسية وإنشاء مرافق سكنية، مع ادراكها أن برامج الصحة النفسية تعاني من نقص التمويل ليس في العراق فقط بل على الصعيد العالمي أيضاً.