واصلت منظمة الصحة العالمية (WHO) عملها الدءوب من أجل توفير الرعاية الصحية المنقذة للحياة في الخطوط الأمامية أثناء تحرير الموصل عامي 2016-2017 . وقد أسهم إنشاء ونشر عدة نقاط طواريء طبية متنقلة لعلاج الصدمات وحالات الرضوح إضافة الى أربع مستشفيات ميدانية قرب الخطوط الأمامية للمعركة وبشكل كبير في إنقاذ مئات أرواح.
لكن الصراع في محافظة نينوى والذي دام 4 سنوات تقريبا خلف ضحايا يعانون من إعاقات لمدى الحياة . ويقدر وجود ما يزيد عن 300 حالة من حالات البتر ليصل عدد الضحايا المعاقين من جراء هذا الصراع في المحافظة الى حوالي 5000 شخص.
وقد ركزت منظمة الصحة العالمية والجهات المانحة والسلطات الصحية المحلية على تحسين إمكانية وصول ذوي الاحتياجات الخاصة إلى التكنولوجيات المساعدة مثل الكراسي المتحركة والمشايات وعصي المشي إضافة إلى أدوات السمع المساعدة وغيرها من الأدوات المساعدة في خطوة متقدمة للمساهمة في تنفيذ خطة التعافي للمرحلة القادمة وتحقيق الانتعاش في المحافظات التي تضررت من جراء النزاع.
ورحبت منظمة الصحة العالمية في نيسان/أبريل عام 2018 بمساهمة سخية من "حكومة إيطاليا" لدعم خدمات إعادة التأهيل للأشخاص الذين يعانون من الإعاقة نتيجة للصراع في الموصل.
تركزت المساهمة على دعم إنشاء مركز للأطراف الصناعية وإعادة التأهيل في محافظة نينوى بهدف توفير ما يزيد على 450 شخصاص من ذوي الاحتياجات الخاصة بينهم 50 من الاطفال دون الخامسة و 300 طفل فوق الخامسة من العمر بخدمات الرعاية وإعادة التأهيل الطبية المتخصصة لهذه الفئة الضعيفة من سكان المحافظة.
أحمد شاب يبلغ 21 عاماً وجاء مع والده إلى مركز إعادة التأهيل في شرق الموصل لاستلام كرسي متحرك من الشحنة التي تبرعت بها منظمة الصحة العالمية.
أخبرنا احمد قصته وكيف اصيب محاولا إخفاء مرارة وألم فقدان ساقه وراء ابتسامة خجولة وقال: "في صباح يوم تحرير الموصل في 11 كانون الاول/ديسمبر 2016 خرجت لشراء بعض المواد الغذائية عندما انفجرت عبوة ناسفة ملصقة بدبابة مما سبب لي إصابات خطيرة قطعت على اثرها ساقي اليسرى والإصبع الوسطى من اليد اليمنى مع شظايا حادة في عيني اليسرى "
وأضاف أحمد "نقلت عند إصابتي بسيارة إسعاف تابعة لمنظمة الصحة العالمية إلى مستشفى طوارئ أربيل حيث اجريت عمليات البتر وتم تحويلي بعدها إلى مركز إعادة التأهيل والاطراف الصناعية للحصول على جهاز مساعد على المشي لكني لم استلمه بعد"
وكان في الموصل قبل حدوث الأزمة في عام 2014 مركز للاطراف الصناعية ومركزين لإعادة التأهيل الطبي للمعاقين إلا أن الصراع في المحافظة ألحق بها اضراراً جسيمة مما أدى إلى إغلاق مركز الاطراف الصناعية وإغلاق أحد مركزي إعادة التأهيل وتدمير جزء من الآخر.
وقال الدكتور عماد حسن من مركز التأهيل في الموصل "بدون كرسي متحرك يضطر االمعاقون إلى الاعتماد على أسرهم أو أصدقائهم في التنقل أو يلجئون إلى الزحف،". وأضاف "واجبنا الإنساني يتطلب منا توفير المعونة الممكنة لهذه الشريحة الضعيفة من السكان حتى يتم إنشاء مصنع جديد لإنتاج الأطراف السفلية على الأقل".
ويعتبر ماجد لطيف أخصائي العلاج طبيعي في "مركز إعادة التأهيل في الموصل" أن الأجزاء السفلية تعد بمثابة المنقذة للحياة بالنسبة للأشخاص الذين يعانون بتر أطرافهم السفلية. كما أوضح ان ما لايقل عن 10 طلبات للأطراف السفلية ترسل أسبوعياً إلى مركز السليمانية للأطراف الصناعية وإعادة التأهيل الطبي. كما أضاف قائلاً: "نحتاج إلى تدخل عاجل لإنشاء مركز جديد لإعادة التأهيل في نينوى لتلبية العدد الهائل من الطلبات والذي يصل إلى أكثر من 19,000 طلب لقطع مساعدة مسجلة تحت الطلب حتى الآن.هذا بالاظافة الى حاجة موظفينا للتدريب في مجال التأهيل الطبي والعلاج الطبيعي."
أما جميلة أحمد الأم لعشرة أطفال فقد جاءت إلى المركز التأهيلي في الموصل بمساعدة زوجها للحصول على كرسي متحرك. تقول جميلة "أصبت بطلقة من قناص في 17 اذار/ مارس 2017". وتضيف "انتظرت مدة أربعة أشهر لإجراء العملية الجراحية لإزالة الرصاصة. وها انا هنا الآن بعد إجراءها في حاجة لكرسي متحرك لمساعدتي على التنقل وقضاء حاجتي الشخصية بنفسي. "
إإن عدد القصص ومقدار الحزن والأسى بين المتضررين من سكان مدينة الموصل كبير للغاية لكن الأجهزة المساعدة تعيد لهم الأملل. يقول سيف مهند نعمة أحد سكان شرق الموصل الذين تم إجلاؤهم مع عائلته إلى مخيم حسن شام للنازحين أثناء عملية التحرير "أنا والد لأربعة أطفال صغار. كنت في عملي عندما قامت الجماعات المسلحة بمهاجمتي بالرصاص فأصبت برصاصة في الظهر. استخدم عصا السير منذ سنة تقريبا وكنت يائساً من فرصة الحصول على كرسي متحرك. الآن حصلت على واحد وأنا سعيد بذلك لأنه سيسهل حياتي بالتأكيد."
وتلقت المحافظات المتضررة مؤخراً عدداً من المبادرات لتجهيز وتوزيع الكراسي المتحركة من مختلف الجهات المانحة المحلية والدولية وعلى الصعيدين الفردي والرسمي.
تم بفضل هذه المبادرات توزيع حوالي 40,000 كرسي متحرك في مناطق مختلفة من محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وكركوك. لكن الحاجة لا تزال كبيرة وتتطلب وجود مؤسسة حكومية لتصنيع الأطراف وإعادة التأهيل تدار بقدرات وكوادر وطنية.
ومن الجدير بالذكر ان عمليات منظمة الصحة العالمية للاستجابة لحالات الطوارئ وتقديم الدعم للاشخاص ذوي الإعاقة كان نتيجة للمساهمات السخية من الجهات المانحة مثل الوكالة الامريكية للتنمية الدولية (OFDA) والمكتب الإنساني للمفوضية الاوربية (ECHO) وحكومتي إيطاليا وألمانيا.