الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق السيدة جينين هينيس-بلاسخارت مؤتمر العراق للمناخ
البصرة – 12 آذار 2023
أصحاب السعادة،
الضيوف الكرام، صباح الخير.
يسعدني كثيراً وجودي هنا. وإذا سمحتم لي، أود أن أبدأ كلمتي بالإشادة بالسيد جاسم الأسدي. حيث أن التزامه مدى الحياة بالحفاظ على البيئة ليس محل تقدير فحسب، بل أيضاً أمر ضروري.
إننا بحاجة لأشخاص مثل السيد جاسم، فهم يفتحون أعيننا ويوقظوننا. إنهم عوامل أساسية للتغيير والتكيف والتقدم.
السيدات والسادة، لقد قررت ألا أزعجكم بالأرقام أو التصنيفات أو النسب المئوية. إذ أن هناك خبراء آخرين أقدر على القيام بذلك، وبالتأكيد سوف تستمعون إليهم أثناء المؤتمر. وبدلاً من ذلك، أود أن أوصل إليكم الإحساس بالضرورة الملحة.
والحقيقة هي أن التحديات البيئية تشكل خطراً محدقاً. وغالباً ما يتم تجاهلها – بما أننا منشغلون بإدارة حياتنا اليومية. ولكن تغير المناخ هو في نهاية المطاف أحد أكبر التحديات العالمية التي نواجهها بشكل جماعي. وبالتالي، لا يمكننا تحمل أن يتشتت انتباهنا. إننا بحاجة إلى التركيز ونحتاج إلى نظل يقظين.
ومنذ عام تقريباً زرت الأهوار واستقبلني السيد جاسم. وشاركني مخاوفه وأوضح ما هو على المحك.
ومثل الكثيرين منكم، أتيحت لي الفرصة لمشاهدة منظر طبيعي هائل وجميل. منظر طبيعي لا يعادل تنوعه البيولوجي سوى أهميته الثقافية.
ولكن للأسف، كما أوضح آخرون، فإن ندرة المياه في هذه المنطقة ليست مجرد تهديد يلوح في الأفق. إنه أمر حقيقي. إنه هنا، الآن.
وهذا، بالمناسبة، هو الحال كذلك بالنسبة لمناطق أخرى من البلاد. وصحيح أن جنوب العراق لا يزال المنطقة الأكثر تضرراً - لكن الجفاف ألحق أضراراً بالغة بالأنشطة الزراعية في الشمال، سلة الغذاء في العراق.
السيدات والسادة، إن ملوحة المياه والتربة والتصحر واختفاء الأراضي الزراعية ليست بأقل من مخاوف بيئية وجودية. وكما قلت، هنا في العراق، أزمة المياه أمر حقيقي.
وعندما أثرت القضية في إحاطة عامة منذ عام، شكك شخص "غير مؤمن بتغير المناخ" قائلاً أن ما ينتظر مني هو أن أركز على السلام والأمن. كما لو لم يكن هناك صلة بينهما.
لذا، اسمحوا لي أن أؤكد هنا: إن تغير المناخ وندرة المياه من العوامل التي تضاعف التهديد. وإذا تركت دون معالجة، فإنها ستزيد من خطر الفقر وانعدام الأمن الغذائي وفقدان التنوع البيولوجي والنزوح والهجرة القسرية وانعدام الاستقرار والصراع. ولكي نكون واضحين: إن ذلك يحدث بالفعل. إن العراق معرض للخطر الشديد.
ليس علينا أن نذهب بعيداً. فقد ناقشت ذلك مع المحافظ عدة مرات، انظروا حولكم في البصرة. العائلات التي كانت تزرع أراضيها بسعادة لأجيال تنتقل الآن بشكل متزايد إلى المدينة. ليس لأنهم يفضلون ذلك، ولكن ببساطة لأنهم مجبرون على ذلك. إنهم يفقدون سبل عيشهم وتنفد الخيارات المتاحة أمامهم لتوفير الدخل. وتواجه المدينة بدورها تدفقاً من الناس وهي غير مجهزة لذلك، مما يؤدي إلى أحياء فقيرة ذات ظروف معيشية سيئة.
وبالطبع، من المهم أيضاً الإشارة إلى أن الكثير، وليس جميع، التحديات البيئية العراقية يمكن أن تعزى إلى تغير المناخ.
وعلى سبيل المثال، نجد أن مياه الشرب والبنية التحتية للري وصيانتها متأخرة إلى حد كبير. ومما يؤسف له أن موارد العراق المائية لم تتم إدارتها بفعالية لفترة طويلة جداً.
ومن الأمور ذات الصلة أيضاً أن دول الجوار تخفض بصورة فعلية تدفقات المياه في العراق. ويعد النمو السكاني، بالطبع، عاملاً آخر.
ولكن مرة أخرى، إن أزمة المياه في العراق حقيقية. ولا يزال التصحر شاغلاً رئيسياً. وتعتبر موجة العواصف الترابية والرملية الشديدة العام الماضي مجرد مثال آخر على ذلك.
لقد ضربت البلاد عواصف حجبت السماء وركض الناس بسببها بحثاً عن مأوى بل أدت إلى المرض والموت. وفي غياب العمل المتضافر والإرادة السياسية، فإن مخاطرها ستزداد تفاقماً.
السيدات والسادة، يمثل هذا المؤتمر منبراً مهماً. منبراً لبناء الشراكات. منبراً للتعاون والتنسيق والتضافر.
وأود أن أشكر معالي رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على إحضارنا جميعاً إلى هنا في هذه القاعة.
معالي رئيس الوزراء، أعلم أن هذه أولوية بالنسبة لكم وأنتم محقون في ذلك. ولا يسعني إلا أن أؤكد أن الملكية المشتركة لهذا الملف بالغ الأهمية – بين مختلف الأطياف السياسية – ستثبت أهميتها.
وبينما يجب أن نتحدث عن الحاجة إلى العمل الجماعي وعن الحاجة إلى التخفيف والتكيف، فمن المهم بنفس القدر أن نسلط الضوء أيضاً على الفرص والإمكانيات المرتبطة بها.
فلنأخذ حرق الغاز، الذي أشار إليه رئيس الوزراء بنفسه، على سبيل المثال. فعلاوة على تسرب غاز الميثان، يشكل حرق الغاز الطبيعي وتنفيسه جزءاً كبيراً من انبعاثات العراق. لذا، نعم، كما أوضح رئيس الوزراء (مرة أخرى) قبل بضعة أسابيع: يجب إنهاء هذه الممارسات.
ومع ذلك، يمكن أن تؤدي هذه النهاية إلى بداية جديدة. إذا أمكن للعراق أن يحتجز الغاز الذي يشعله حالياً، فإنه سيوفر الكهرباء للجنوب بأكمله. هل أحتاج إلى قول المزيد؟
ومثال آخر هو الانتقال إلى الطاقة النظيفة. إن ذلك ليس مجرد الابتعاد عن النفط والغاز – بل هو بالأحرى الاتجاه نحو اقتصاد جديد وأخضر.
اقتصاد يأتي مع الوظائف والبنية التحتية الجديدة. ويغذي احتياج العراق لبناء اقتصاد متنوع. وأعني أنه يمكننا جميعاً أن نتفق على أن الاعتماد المفرط على النفط ليس استراتيجية سليمة – لعدة أسباب.
ما أقوله بشكل أساسي هو: دعونا لا نتحدث فقط من حيث المخاطر. إن تصاعد الشعور بالهلاك يميل لشل الأمور.
لذلك، دعونا أيضاً نستكشف الاحتمالات المتعددة الموجودة أمامنا. حتى الذين لا يؤمنون بتغير المناخ سيتعين عليهم الاعتراف بأن الجهود المبذولة للتخفيف من تغير المناخ والتكيف معه تؤدي أيضاً إلى فرص، مثل كفاءة الموارد وتوفير التكاليف وكذلك تطوير منتجات وخدمات جديدة.
السيدات والسادة، يطلق البعض على "تغير المناخ" التعادل الكبير.
وهذا حقيقي، إنه سيحدث لنا جميعاً – بغض النظر عن جوازات سفرنا أو درجات رواتبنا. ولكن الحقيقة هي أننا لسنا متساوين في درجة التعرض للخطر.
المجتمعات الريفية والفئات الفقيرة أو المهمشة والأقليات وذوي الاحتياجات الخاصة والنساء والفتيات. هؤلاء هم الأشخاص الذين سيعانون أكثر من غيرهم. خاصة عندما تتداخل نقاط الضعف.
فعلى سبيل المثال، غالباً ما تكون المرأة الريفية، التي تتحمل وطأة المناخ المتغير، هي الأقل قدرة على الوصول إلى الموارد والخدمات أو القدرة على صنع القرار أو القدرة على التنقل اللازمة للاستجابة.
إن إشراك هذه المجموعات في عمليات صنع القرار المتعلقة بالتكيف والتخفيف ليس عملاً خيرياً. مرة أخرى، إنها فرصة - فرصة يمكن أن تثري استجاباتنا وتؤدي إلى طرح أفكار جديدة.
وأخيراً، السيدات والسادة، دعوني أؤكد: إن التحديات البيئية التي تواجه العراق ليست جميعها محلية. فقد أشرت للتو إلى دول الجوار التي تخفض بصورة فعلية تدفق أنهار العراق. ما الذي يعنيه ذلك؟ إنه يعني أن العراق لا يمكنه حل هذه التحديات وحده. ولا يمكن لأي دولة أن تفعل ذلك.
وسيتعين على جميع الأطراف المعنية أن تقوم بدورها. من الحكومة ودول الجوار والشركات الخاصة والمنظمات الدولية والمؤسسات المالية إلى مراكز الأبحاث والشركات الناشئة وجماعات الدعوة المحلية والمنظمات غير الحكومية. يجب على كل فرد منا أن يلعب دوراً في المهام الضخمة التي تنتظرنا.
ومع تزايد تعقيد التحديات المتعلقة بالمناخ - التي تمتد عبر الحدود وتعمق الانقسامات بين المجتمعات وتضاعف التهديدات القائمة - لا يسعني إلا أن أؤكد على الحاجة إلى تكثيف التعاون الإقليمي. وسيكون ذلك أكثر أهمية من أي وقت مضى، كما أوضح معالي رئيس الوزراء.
وغني عن القول: في جميع الأوقات، تقف الأمم المتحدة على أهبة الاستعداد لدعم الدبلوماسية المائية الإقليمية وتقديم المساعدة الفنية في مفاوضات المياه أو العمل كشريك يدعو إلى عقد حوار فعال.
إن الحقيقة القاسية هي أن العديد من تحديات اليوم لا تعترف بالحدود. وتتطلب مواجهة هذه التحديات التعاون الوثيق. نحن بحاجة إلى بعضنا البعض لنكون في أحسن حالاتنا. إن الأمر بهذه البساطة.
وفي هذا السياق، دعوني أيضاً أرحب بمشاركة العراق في مؤتمر الأمم المتحدة للمياه لعام 2023 في نيويورك في وقت لاحق من هذا الشهر. ونعم بالتأكيد، سيؤدي الانضمام إلى اتفاقية المياه مقدماً إلى إرسال رسالة قوية حول جدية العراق في التواصل على المستوى الإقليمي باستخدام الأطر التنظيمية.
ختاماً، سيداتي وسادتي، أملنا الصادق، من خلال هذا المؤتمر – هنا في البصرة – هو أن يبدأ العراق في عملية تخطيط شاملة.
عملية ذات تنسيق مؤسسي قوي وتخصيص كافٍ في الموازنة. عملية يمكن للأمم المتحدة والعديد من الشركاء الآخرين دعم متابعتها.
عملية تمكن العراق من التعامل بصورة فعالة مع التحديات البيئية العديدة والمخاطر المقبلة المرتبطة بها.
أتمنى لكم جميعاً مؤتمراً مثمراً.
شكراً.