تعزيز التكيف: جهود الأمم المتحدة من أجل عراق قادر على التكيف مع تغير المناخ
بقلم السيد غلام إسحق زى، المنسق المقيم للأمم المتحدة في العراق
يشكل تغير المناخ وشحة المياه تهديدات كبيرة لاستقرار العراق وازدهاره ورفاه شعبه. فالتحديات البيئية التي تواجه البلاد معقدة ومترابطة، وتتطلب استجابة شاملة ومنسقة. في العراق، بات فريق الأمم المتحدة القُطري (UNCT) بقيادتي في مقدمة التصدي لهذه المسائل الحرجة، حيث يعمل بلا كللٍ لبناء مستقبلٍ أكثر استدامة وتكيفاً لجميع العراقيين.
من خلال مكتب المنسق المقيم (RCO)، نهدف إلى الاستفادة من الخبرات والموارد المتنوعة لمختلف وكالات الأمم المتحدة، وتعزيز نهجٍ منسقٍ ومتكاملٍ لمواجهة تحديات التنمية. ومن خلال هذا النموذج التعاوني، يمكننا تعظيم تأثيرنا وتقديم حلولٍ شاملةٍ لمعالجة شبكة العوامل المترابطة التي تساهم في تغير المناخ وشحة المياه. ولا يشمل ذلك تخفيف الآثار المباشرة لهذه التهديدات البيئية فحسب، بل يشمل أيضاً معالجة أسبابها الأساسية، مثل ممارسات إدارة المياه غير المستدامة والاعتماد المفرط على الوقود الأحفوري.
وقد أحدثت الأممُ المتحدةُ في العراق تأثيراً دائماً من خلال عددٍ من المبادرات الرئيسية، ومنها:
1) صياغة القدرة على التكيف مع تغير المناخ
يُعتبر العراق معرضاً بشدة لتأثيرات تغير المناخ، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة والجفاف والتصحر، مما يؤثر بشدة على الإنتاجية الزراعية والاستقرار الاجتماعي. ولمعالجة ذلك، قام فريق الأمم المتحدة القُطري، بالتعاون مع الحكومة العراقية، بتنظيم مؤتمر المناخ الأول في العراق في البصرة عام 2023. وأسفر هذا الحدث عن "إعلان البصرة" الذي تضمن التزاماتٍ ومبادراتٍ حكوميةٍ رئيسيةٍ مثل حملة التشجير، والتي تهدف إلى تعزيز قدرة العراق على التكيف مع تغير المناخ.
أدت هذه الجهود إلى زيادة الوعي الوطني والدولي والتعاون بشأن قضايا المناخ، وإنشاء إطارٍ للتخطيط البيئي والسياساتي المستقبلي بما في ذلك خطة التكيف الوطنية (NAP) والمساهمات المحددة وطنياً (NDC). ويهدف إعلان البصرة إلى تعزيز القدرات المؤسسية والفنية والمالية للعراق لمواجهة تغير المناخ من خلال إدماج استراتيجياتِ التكيف المتوسطةِ إلى الطويلةِ الأجل في التخطيط الوطني والمحلي.
2) تعزيز الأمن المائي
يعاني العراق من أزمة مائية حرجة بسبب قلة الأمطار والاستخدام المفرط لنهري دجلة والفرات. وتتفاقم هذه التحديات بسبب الإدارة غير الفعالة للمياه والممارسات الزراعية.
في العام الماضي، كان العراق أول دولة في الشرق الأوسط تنضمُّ إلى اتفاقية الأمم المتحدة للمياه، مما يُبرز التزام البلاد بتعزيز التعاون الإقليمي وضمان الاستخدام العادل للمياه الضرورية لاستقرار المنطقة وازدهارها. وبما يتماشى مع هذه الأهداف الوطنية، يقود مكتب المنسق المقيم فريقَ عملِ المياه الذي يجمع وكالات الأمم المتحدة في العراق لتعزيز إدارة المياه، وزيادة التكيف الزراعي، وتحسين الاستخدام المستدام للمياه.
على سبيل المثال، تعمل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) معاً لدمج المعرفة التقليدية مع التكنولوجيا الحديثة لتحسين استخدام المياه للزراعة، وهي خطوةٌ أساسيةٌ لتعزيز الأمن الغذائي في العراق. وفي قضاء سنجار، تعمل مبادرةٌ لمكتب خدمات المشاريع التابع للأمم المتحدة (UNOPS) ممولةٌ من الحكومة الإيطالية على تحسين الوصول المحلي للمياه بما يتماشى مع الحاجة إلى ضمان المياه الآمنة لجميع العراقيين. وبالمثل، قامت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) بتركيب منظومات تحلية المياه في سبع قرى بمحافظة نينوى، مما حسّن بشكلٍ كبيرٍ الظروفَ المعيشية فيها..
3) الحفاظ على أهوار بلاد ما بين النهرين
تتعرض أهوار بلاد ما بين النهرين، وهي نظامٌ بيئيٌّ فريد وموقعُ تراثٍ عالميّ لليونسكو، لتهديدات التغير المناخي والتلوث وممارسات إدارة المياه غير المستدامة، مما يؤدي إلى آثار بيئية وبشرية شديدة.
نسّق مكتب المنسق المقيم الجهود عبر وكالات الأمم المتحدة للحفاظ على الأهوار من خلال تطوير استراتيجياتٍ بيئية، ودعم مشاريع التشجير، وتسهيل خطط التكيف المجتمعية لتحسين سُبل العيش في المجتمعات المحلية.
فعلى سبيل المثال، ينفذ برنامج الأغذية العالمي (WFP) مشاريع التشجير في كلٍّ من جنوبي العراق وإقليم كردستان تماشياً مع هدف الحكومة بزراعة خمسة ملايين شجرة بحلول عام 2029. وتُسهم هذه الجهود بشكل مباشر في استراتيجية تغير المناخ الوطنية من خلال خطة التكيف المحلية التي تركز على المناطق الأكثر تأثّراً بالتغير المناخي. علاوة على ذلك، قادت الأمم المتحدة إنجازات تشريعية في إدارة الموارد الطبيعية، بما في ذلك تبنّي الاستراتيجية البيئية والاستراتيجية الوطنية وخطة العمل لإدارة الأراضي المستدامة، وهي أساسية للزراعة والحفاظ على الأهوار.
ساعدت هذه المبادرات في استعادة التوازن البيئي، ودعم سبل العيش المحلية، وتعزيز صمود الأهوار أمام الضغوط البيئية، وبالتالي تأمين وضعها كموقع تراث عالمي لليونسكو.
4) إعداد سياسات الطاقة المتجددة
لا يقتصر اعتماد العراق بشكل كبير على الوقود الأحفوري على تقييد استقراره الاقتصادي فحسب، بل يسهم أيضاً في انبعاثات غازات الدفيئة بشكل كبير. يتمتع البلد بقدرات كبيرة لتطوير الطاقة المتجددة، ولكنه يواجه تحديات في جذب الاستثمار وتطوير البنية التحتية اللازمة. ولمعالجة هذه الفجوة، يسّرت الأمم المتحدة مراجعة وإقرار قانون الطاقة المتجددة في العراق، وهي خطوة محورية نحو تعزيز الاستثمار وتطوير الطاقة المتجددة.
خلق قانون الطاقة المتجددة المعدّل بيئةً مواتيةً أكثرَ للاستثمار في الطاقة المتجددة. وبالمثل، تدعم مبادرةٌ لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) تحول العراق بعيداً عن الاعتماد على النفط من خلال خطة التكيف الوطنية (NAP) التي تحدّد الجهود لتقليل الانبعاثات والاستعداد لتأثيرات تغير المناخ. وتساعد الأممُ المتحدةُ العراقَ أيضاً في إعداد مساهماته المحددة وطنياً (NDCs) لعام 2025، والتي تعكس التزام البلاد بتقليل الانبعاثات والتكيف مع تغير المناخ كجزء من اتفاق باريس.
لقد فتحت هذه الجهود أبواباً لزيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة، وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام، وتقليل البصمة الكربونية للبلاد.
مستقبل مستدام ومتكيّف للعراق
وضعت الجهود الجماعية للأمم المتحدة في العراقِ البلادَ على مسارٍ واعدٍ نحو الاستدامة والتكيف المناخي. وسيحدد إطار عمل الأمم المتحدة للتعاون في مجال التنمية المستدامة (UNSDCF) للأعوام 2025-2029 جهودنا لمساعدة العراق على التكيف مع التغير المناخي، وإدارة الموارد المائية بشكل مستدام، وحماية تراثه البيئي والثقافي الفريد. ومع تطلعنا إلى المستقبل، تظل الأمم المتحدة في العراق ملتزمة بدعم الحكومة والشعب العراقي في سعيهم لتحقيق مستقبل مستدام ومتكيف.