كلمة الممثل الأممي الخاص ورئيس بعثة يونامي د. محمد الحسّان في "ملتقى السليمانية التاسع"

منتدى السليمانية: الشرق الأوسط في نظام عالمي متحول
الثلاثاء 16 نيسان 2025م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
دولة رئيس مجلس الوزراء الأخ المحترم محمد شياع السوداني،
فخامة رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني،
فخامة الدكتور برهم صالح، رئيس مجلس إدارة الجامعة،
السيد عمار الحكيم المحترم،
أصحاب المعالي والسعادة، السيدات والسادة المحترمين،
الأخ العزيز بافل طالباني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أشارككم أعمال "منتدى السليمانية" نيابة عن الأمين العام للأمم المتحدة، والذي يشكركم على هذه الدعوة متمنيًا لكم نقاشا وحوارا مثمرا وبناء ومعمقا حول الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، وحول العراق حاضرا ومستقبلا.
ولا تفوتني الفرصة هنا أن أسجل تقديرنا للجهات الراعية والشركاء المحليين لملتقى السليمانية واخص بالذكر فخامة الدكتور برهم صالح وكذلك الدكتور بلال، وخصوصا للتسهيلات التي من شأنها أن تسهم وتسهل المشاركة في المنتدى في أحضان هذه المدينة التاريخية الجميلة والمضيافة: السليمانية. وأؤكد إعجابي بالاقتباس الذي ذُكر للسيد هوشيار زيباري بأن هذا الملتقى هو دافوس الشرق الأوسط.
السيدات والسادة المحترمين،
في الشرق الأوسط، لدينا عادة دأبنا عليها باستهلال الخطابات بالتصريح أن الأوقات التي نعيشها غير مسبوقة، بيد أن السنوات القليلة الماضية جاءت كبيسة على منطقة الشرق الأوسط وعلى شعوب المنطقة بأكمها بكل ما تحمله، للأسف، الكلمة من معنى، وهو ما يقودنا إلى طرح ثلاثة تساؤلات: أولها: لمَ ذلك؟ ثانيا: وهل هناك خصوصية في الشرق الأوسط تجعله مختلفا عن غيره من مناطق العالم؟ والسؤال الأهم والأبرز: هل من مجال لتغيير مثل هكذا واقع نحو شرق أوسط آمن ومستقر؟ تلك الأسئلة رغم أهميتها إلا أن المجال والوقت والمكان لا يتسع للإجابة عليها،
وسأشير باللغة الإنجليزية إلى ما أود ذكره هنا:
(إن شعوب منطقة الشرق الأوسط تعبت من الصراعات. لقد تعبت دول وشعوب منطقة الشرق الأوسط من الصراعات ودوامة العنف التي لا تنتهي، والتي قلّما نجد مثيلا لها في تاريخنا المعاصر، أما آن لشعوب منطقة الشرق الأوسط أن تنعم كغيرها من شعوب العالم بالأمن والسلام والاستقرار؟)
نحن لا نشير هنا للقضية الفلسطينية فحسب بل لما يزيد عن أربعة قرون من الاستعمار والاحتلال الأجنبي والتدخلات الخارجية والغبن، ما تسبب في إنهاك الشعوب، بل وخلق واقعا جعل، للأسف، الشعوب تتعايش مع مثل هكذا أوضاع سيئة، بل وتتقبله، مما افقدها روح الأمل للخروج من هذه الدوامة، لقد بتنا قبل سنوات بسيطة نطالع أطفالنا، وأطفال العراق، أطفال غزة، يقتلون على مسمع ومرأى الجميع … على شاشات التلفزيون وعبر وسائل التواصل الاجتماعي … كما طالعنا نساءنا وبناتنا من بعض المكونات، وخصوصا الإيزيديون، يتم بيعهم كسلع على يد عصابات متطرفة … هذا لا يجوز ، هذا غير مقبول، كل ذلك مبعث إحباط وقضاء على آمال وطموحات أمم في منطقة الشرق الأوسط، نعم آن الأوان لتضافر جهود المخلصين لرسم واقع جديد ملؤه الأمل، مستقبل يطلق العنان للقدرات الهائلة، وهناك قدرات هائلة لدى الشعوب في منطقة الشرق الأوسط وبالأخصّ في العراق: منارة الحضارة البشرية.
العراق، كغيره من دول منطقة الشرق الأوسط، نال نصيبه من الأزمات والصراعات بسبب مشاريع داخلية وخارجية.
رسالتنا لكم في العراق بأن تحافظوا على اللُحمة الوطنية وتناوأ بأنفسكم عن الخلافات والفرقة والشقاق، وتلّتمون حول قياداتكم المخلصة التي تسعى إلى نقل هذا البلد إلى مرحلة جديدة آمنة ملؤها الاستقرار والأمل والوجود للجميع، ونبذ المشاريع الطائفية الإقصائية، تلك التي مصدرها داخلي وبعضها ربما خارجي ... واحترام المكونات … جميع المكونات، والتي تعكس التاريخ العريق والثريّ والمتنوع لهذا البلد، والمضيّ قدما بخطى ثابته نحو المستقبل … حيث دولة المؤسسات، دولة القانون … ودولة الكفاءات … وسلطة القانون ... حيث لا خوف ولا تعدي على حقوق وكرامة أي مواطن عراقي.
السيدات والسادة المحترمين،
التغيير سنة من سنن الكون والعراق، على مدى التاريخ، شهد العديد من التحولات والتغييرات، لكن بأيديكم تستطيعون أن تجعلوا هذه التحولات إيجابية وتقللوا من تأثيراتها السلبية على العراق وعلى الشعب العراقي.
تحدّث اليوم دولة رئيس الوزراء بكل صراحة أن العراق مقبل على إصلاحات جريئة. هذه نقطة أساسية أحييك، دولة رئيس الوزراء، عليها. وقد أشار كذلك رئيس الوزراء إلى ضرورة تقديم الأولويات الوطنية.
ولا يخالجني أدنى شك أن أمام العراق فرصة سانحة لاستعادة دوره الحضاري في منطقة الشرق الأوسط … ولا يوجد هناك ما يحول دون ذلك … العراق فريد بمكوناته، بموقعه، بموارده، بطموحات قياداته، بشعبه، آن الأوان لأن يضع العراق خطوطا وطنية لمستقبل يخدم العراقيين بالدرجة الأولى ويُبعد هذا البلد عن التجاذبات الإقليمية والدولية، حقيقة مثل هكذا مشروع وطني بدأ يتشكل، ونأمل بأن يستمر، فالعراق اليوم مختلف عن العراق منذ سنوات خلت، وبالتالي لا بدّ من المحافظة على المكتسبات، ثمة أمور كثيرة على المحك، والدول تتعرض لتحديات لكن بقدرة قياداتها، بالتلاحم والتكاتف بين الشعب والقيادة هذه الأمور وهذه التحديات يتم مواجهتها بتربة صلبة. وأشير بأنه لا يمكن المخاطرة بكل المكاسب وبعد كل هذه التضحيات التي دفع ثمنها الشعب العراقي... وكانت بعثة الأمم المتحدة جزءاً من هذه المسيرة وجزءا من هذه التضحيات... وأودّ أن أشير بكل فخر إلى أن مهمة بعثة اليونامي ستأتي إلى نهاية خلال هذا العام. لقد انتقل العراق إلى مرحلة لا يحتاج إلى مثل هذه البعثة، بل يحتاج إلى خدمات من قِبل الوكالات المتخصصة ونحن شركاء مع الحكومة العراقية في ذلك. هذه نقطة أود أن أؤكد عليها تماما. وعلى الرغم من أننا سنختم مهمتنا السياسية هنا في العراق، إلا أن مسيرة العراق مستمرة، ونحن على ثقة بأن العراقيين، كل العراقيين، سيواصلون السير على طريق بناء السلام والتنمية المستدامة وترسيخ دعائم ومرتكزات دولة القانون بما يخدم العراق والعراقيين أولا وأخيرا.
ولا ننسى أن العراق أمام استحقاق دستوري هامّ هذا العام وهو الانتخابات المقررة في تشرين الثاني القادم، وهو استحقاق نعمل جميعا على نجاحه وإخراجه في أفضل شكل ممكن وناجح ... نجاح العراق في هذ الاستحقاق مهم لتثبيت مسيرة التنمية والإصلاح.
وختاماً، وليس نهايةً، أؤكد على أن العراق ليس فقط بحاجة إلى استقرار المنطقة، بل إن استقرار المنطقة بحاجة إلى عراقٍ فاعلٍ، ومتصالح، ومنفتح، ومتماسك، يلعب دوره الطبيعي في وضع منظومةٍ إقليمية جديدة قوامها التعاون والتنمية وحُسن الجوار والأمن والاستقرار للجميع.
واسمحوا لي قبل أن أختم حديثي هذا بالإشارة إلى أنني استلمت هذا الكتاب من صديقي وأخي هنا، الكاردينال لويس رافائيل ساكو، وقد تصفحت فيه ووجدت هناك إشارة تقول: "واليوم ليس لنا مستقبل إلا عندما نعيش معا بوئام ونعمل كشركاء في الإنسانية والوطن من أجل إيجاد حلول مستدامة عبر الحوار والتفاهم. علينا أن نؤكد بجرأة وصراحة على المشترك بيننا ونعترف بالمختلف بصدق على قاعدة أن الله خلقنا مختلفين لنتحابب ونتعاون". لذلك وقبل أن أختم كلامي، أود أن ألقي التحية الخالصة على زعيم ليس موجودا حاليا أمامنا والذي أقدّر له وأكن له كل الاحترام، الأستاذ والزعيم مسعود برزاني.