عراق أخضر: عزل متكيف مناخيًا لمكافحة الحرارة الشديدة

ألهمت حدائق بابل المعلقة القديمة في العراق حلًا عصريًا لتحسين جودة الهواء وخفض درجات الحرارة وتحسين المساحات الحضرية.
في منطقة تعاني من ارتفاع درجات الحرارة وقلة المساحات الخضراء، اجتمع فريق من المبتكرين الشغوفين لإحداث تغيير. التقت يثرب علي بهوزان أحمد وضاري قيس عن طريق الصدفة في هاكاثون (مسابقة) البيت الأخضر (BEIT) التي أقيمت في الموصل في تشرين الثاني/نوفمبر. وسرعان ما بدأت الفكرة البسيطة في التطور إلى مشروع رائد يهدف إلى تحويل المناظر الحضرية في العراق.
من الفكرة إلى الواقع
وُلدت فكرة العزل الأخضر والتهوية، Green Insulation and Ventilation (GVI) من تجارب يثرب علي الشخصية.
أوضحت يثرب: "عشت في شقة صغيرة، بلا حديقة، ودون عزل، وكانت التهوية بها سيئة. وعندما جئت إلى الموصل، لاحظت الافتقار الشديد إلى المساحات الخضراء والهواء النقي. وكان هدفي الرئيسي زيادة المساحات الخضراء وتحسين جودة الهواء."
كانت فكرتها تهدف إلى إدخال حدائق عمودية من شأنها تحسين جودة الهواء وخفض درجات الحرارة وإنشاء مساحات حضرية أكثر استدامة. ومع ذلك، كانت ثمة عناصر رئيسية مفقودة.
عندما التقت يثرب بهوزان وضاري في الهاكاثون (المسابقة)، تغيرت الأمور بالكامل. وقد اقترح هوزان، بفضل خبرته في العلوم البيئية، عنصرًا جوهريًا وهو دمج أنظمة الأنابيب لري النباتات، وعمل الفريق معًا على تحسين الفكرة، وجعلها مستدامة وعملية في الوقت نفسه حيث ان ما بدأ برسوم بسيطة على دفتر يثرب سرعان ما تحول إلى مبادرة متطورة بالكامل.
حل صديق للبيئة لمكافحة درجات الحرارة الشديدة
يواجه العراق درجات حرارة شديدة، إذ تصبح بعض المناطق شبه غير صالحة للسكن خلال فصل الصيف. في كثير من الأحيان، تواجه البنية التحتية الحكومية صعوبة في توفير التبريد والتهوية الكافية، مما يجعل الشركات والسكان يبحثون عن حلول بديلة. يتصدى مشروع فريق العزل الأخضر والتهوية لهذا التحدي من خلال تنفيذ حدائق عمودية تُزين المباني، وتعمل أيضًا على خفض درجات الحرارة داخلها بمقدار 4–5 درجات مئوية.
باستخدام أنابيب من النحاس لضمان المتانة ونظام ري آلي ونباتات مختارة بعناية—أغلبها الياسمين— صَممَ الفريق نموذجًا مستدامًا ذاتيًا. إن نباتات الياسمين تزدهر باستمرار، وتتطلب الحد الأدنى من الرعاية، وتنقي الهواء بشكل طبيعي. ومن أجل تعزيز الاستدامة، يعيد نظام الري أيضًا استخدام مياه أحواض الغسل بعد ترشيحها، مما يجعل المشروع صديقًا للبيئة وفعالًا من حيث التكلفة.
حل صديق للبيئة ينتشر في جميع أنحاء البلاد
بتمويل محدود، ولكن بإصرار هائل، نجح الفريق في تنفيذ النموذج الأولي في دار رعاية للمسنين الرجال في الموصل، وهو مبنى كان يعاني من حرارة لا تُطاق. والنتائج واعدة، حيث لا يقتصر دور المساحات الخضراء على خلق بيئة أبهج فحسب، بل سيساعد المشروع أيضًا في تقليل تكاليف الطاقة.
بمجرد اكتمال المبنى الأول، طلب قسم آخر في نفس المكان تنفيذ المشروع في منشأته الخاصة. وبعد فترة وجيزة، أبدى أحد مستودعات الأدوية في دهوك اهتمامه باعتماد الحل لضبط درجات الحرارة في منطقة تخزين مستحضرات التجميل الخاصة به.
بفضل هذا الطلب المتزايد، بدأ الفريق في توسيع نطاق عمله.
التحديات والتطلعات المستقبلية
على الرغم من نجاح فريق العزل الأخضر والتهوية، فقد واجه العديد من العقبات، لا سيما في الحصول على التمويل. لقد تمكنوا من إدارة التكاليف بعناية، مما ضمن أن يظل حلهم في متناول الجميع بتكلفة تبلغ ما يقارب ١٠ الاف دينار عراقي فقط لكل متر مربع. وهم حاليًا يسعون إلى إقامة شراكات مع المستثمرين والمنظمات من أجل توسيع نطاق تأثيرهم.
تتجاوز رؤية فريق العمل الحدائق العمودية، حيث يخططون لإدخال العزل على الأسطح باستخدام النباتات ودمج الطاقة الشمسية لجعل أنظمتهم مستدامة ذاتيًا بشكل كامل.
أوضحت يثرب: "لقد استلهمتُ الفكرة من حدائق بابل المعلقة القديمة في العراق. تتماشى الحدائق العمودية مع تراثنا الثقافي وتوفر حلًا عمليًا للمدن العصرية ذات المساحات المحدودة. نحن نخطط في المستقبل للتوسع عن طريق تغطية الأسطح بالنباتات للعزل، لكن التمويل يمثل تحديًا في الوقت الحالي."
إلهام الجيل القادم
للمبتكرين الواعدين في العراق، يقدم فريق العزل الأخضر والتهوية نصائح بسيطة، ولكنها قوية: لا تُفرط في التفكير، وابدأ بالتنفيذ. حدد المشكلة، وابحث عن الحلول، ثم اتخذ الإجراء المناسب." ويؤكد الفريق أن أي فكرة يمكن أن تصبح واقعًا بالشجاعة والمثابرة والجهد المستدام. وتوضح رحلة فريق العمل كيف يمكن للابتكار أن يتصدى للتحديات البيئية الملحة مع تعزيز الأمل في مستقبل أكثر اخضرارًا في العراق.
تم تنظيم هاكاثون البيت الأخضر (BEIT). في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بالشراكة مع مؤسسة فضاء الموصل للتنمية (موصل سبيس)، ضمن إطار المشروع الممول من الاتحاد الأوروبي، مشروع بناء التحول العادل والشامل (BEIT) – نحو سكن لائق واسكان مستدام في العراق. يهدف هذا المشروع المشترك بين مركز التجارة الدولية وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية ومنظمة العمل الدولية إلى تعزيز النمو الاقتصادي من خلال خلق فرص عمل لائقة وتعزيز قطاع الإسكان الميسور التكلفة والمستدام في العراق وتعزيز صناعة البناء