برمجة مستقبل أفضل: المهارات الرقمية للشباب في الموصل، العراق
التكنولوجيا الرقمية أصبحت ضرورية بشكل متزايد لرواد الأعمال الطموحين لتعزيز الابتكار والنمو والاستدامة
في إطار جهود معالجة مشكلة بطالة الشباب في العراق، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) مشروع
"مهارات التكنولوجيا الرقمية لتعزيز قابلية التوظيف في العراق" بتمويل من الحكومة النمساوية، والذي يستهدف الشباب من اللاجئين والنازحين والعائدين والمجتمعات المضيفة. في نيسان 2025، وضمن فعاليات المشروع اقيمت ورشة تدريبية في الموصل، محافظة نينوى شملت 20 مشاركًا على مدار 12 يومًا، في مهارات البرمجة والروبوتات وريادة الأعمال.
عرّف المنهج المشاركين وبشكل تدريجي على مواضيع تتسم بالدقة، متوازنًا بين الفهم النظري والخبرة العملية. تعلّم المشاركون أردوينو، وهي منصة شائعة الاستخدام لمشاريع الإلكترونيات، والمعروفة ببساطتها وتعدد استخداماتها. كما تعلّموا لغتي البرمجة سي/سي++، وهما لغتان شائعتان في تطوير البرمجيات.
غطت الجلسات التسع الأولى أساسيات البرمجة والترميز، واستكشف المشاركون أساسيات المحركات، والتحكم في حركة الروبوتات، واستخدام وحدات الإخراج، وشاشات البلّورات السائلة. ركزت كل جلسة تقنية على اجراء التجارب، مما عزز الثقة في منطق البرمجة، والتعامل مع الإلكترونيات، وتطبيقات الميكاترونيك الأساسية.
استكمالًا للمسار التقني، ركزت الأيام الثلاثة الأخيرة على تطوير مهارات الأعمال. هدف هذا الجزء من التدريب على غرس عقلية ريادة الأعمال وتزويد المشاركين بالأدوات الأساسية لتقييم وتخطيط وإدارة مشاريع الأعمال الصغيرة. كان الهدف مساعدة المشاركين على فهم دور رواد الأعمال في التنمية الاقتصادية، وتشجيعهم على التفكير النقدي في تأسيس مشاريعهم الخاصة واستدامتها، مع ربط مهاراتهم التقنية بالفرص الاقتصادية الواقعية. كما خصصت الجلسات وقتًا لأساسيات السجلات المالية، وإعداد الميزانيات، وتوقعات الأرباح.
أشادت ثناء مشكور، المستشارة القانونية في مديرية التنمية الصناعية والتنظيم الصناعي بوزارة الصناعة والمعادن العراقية، بالبرنامج، مؤكدةً على أهمية ريادة الأعمال للشباب الذين يواجهون تحديات كبيرة في بدء مشاريعهم الخاصة. وأشارت ثناء إلى أن "التكنولوجيا الرقمية أصبحت ضرورية بشكل متزايد لرواد الأعمال الطموحين لتعزيز الابتكار والنمو والاستدامة".
أحرز المشاركون تقدما ملحوظًا طوال فترة التدريب. شاركت زهرة لؤي، والتي تخرجت مؤخرا من كلية العلوم بجامعة الموصل وتعمل كمعلمة لحسابها الخاص، في التدريب بهدف الحصول على وظيفة بدوام كامل. ورغم أنها تعلمت نظرية البرمجة في الجامعة واستمتعت بتدريسها لطلابها، إلا أنها واجهت صعوبة في ربط مبادئ البرمجة بالتطبيقات العملية. بعد إكمال التدريب، أعربت عن ثقتها بقدرتها على تدريس مشاريع عملية وتطوير حلول قائمة على التكنولوجيا.
في معرض حديثها عن تجربتها، قالت زهرة: "كان الجزء الأكثر تشويقًا في التدريب هو المشروع الذي قمنا فيه بتركيب أجهزة استشعار للرطوبة، والحرارة، والصوت، والدخان. أستطيع الآن تركيبها بنفسي دون أي مساعدة".
تؤمن زهرة بأن على الشباب العاطل عن العمل البحث عن فرص جديدة في التقنيات الرقمية. وقد استلهمت زهرة من جانب ريادة الأعمال في البرنامج، وهي تفكر الآن في إنشاء مكتب للدروس الخصوصية وتحويل عملها الحر إلى مشروع أكثر استدامة. وأضافت: "لقد مكنتني جلسات ريادة الأعمال من تحديد احتياجات الزبائن المحتملين واحتياجاتي وتلبيتها، مستفيدةً من خبرتي التكنولوجية والفرص الاقتصادية المتاحة في ظل المشهد الرقمي المتنامي".
يواجه العراق حاليًا تحديات اقتصادية جسيمة، تشمل ارتفاع معدلات البطالة، وانتشار الفقر، ومحدودية فرص العمل. كما يواجه البلاد مشاكل امنية وعدم استقرار سياسي، مما يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي.
يشكل الشباب دون سن الرابعة والعشرين 57.9% من سكان العراق. وتُعد البطالة مصدر قلق كبير لهذه الفئة السكانية، وخاصةً الشابات. ووفقًا لمنظمة العمل الدولية، تبلغ توقعات معدلات بطالة الشباب لعام 2024 نحو 27.8% للذكور و63.3% للإناث.
تتمتع التقنيات الرقمية بإمكانيات هائلة لدفع عجلة خلق فرص العمل وتعزيز الشمول الاقتصادي. ويمكنها أن تُسهم في تقليص الفجوة بين الجنسين من خلال توفير ظروف عمل مُلائمة، مثل ساعات العمل المرنة والعمل عن بُعد. ويتزايد اهتمام العديد من الشباب العراقيين بمتابعة مسارات مهنية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مُدركين الفرص التي تُتيحها.
شارك وليد رائد، طالب في المعهد التقني بالموصل، في التدريب. لم تكن لديه أي خبرة سابقة في البرمجة، وقال إن التدريب فتح له آفاقًا جديدة. بالاستفادة مما تعلمه، صمم وليد وطوّر مشروعًا لمساعدة الصم وضعاف السمع، باستخدام مستشعرات الصوت والذكاء الاصطناعي وشاشات البلّورات السائلة.
وقال وليد: "استمتعتُ بساعات التدريب، خاصةً لأنها وفرت رابطًا عمليًا مع النظريات. لقد غيّرت رؤيتي لإمكانيات التكنولوجيا".
أشاد عبد الكريم أحمد، مدرب برمجة سي/سي++ في التدريب، بالتقدم الذي أحرزه المشاركون قائلاً: "لمسنا ثقة المشاركين. ومع نهاية التدريب، تحسن التواصل والتفاعل بينهم بشكل ملحوظ. وأعرب المشاركون عن تعزز قدراتهم ومبادراتهم لتوفير مصادر دخل أكثر استدامة".
من خلال تزويد الشباب بالمهارات والمعرفة اللازمة، أثبت مشروع اليونيدو، "مهارات التكنولوجيا الرقمية لتعزيز قابلية التوظيف في العراق" الممول من حكومة النمسا، أنه حافز لتعزيز مجتمع أكثر شمولاً واستقرارًا، مما يساهم في نهاية المطاف في تحقيق الرفاهية والازدهار على المدى الطويل في العراق.