ثمار التغيير: مكافحة التصحر من خلال الزراعة الحافظة للإدارة المستدامة للأراضي في جنوب العراق

17 حزيران 2025
لطالما شكّلت ظاهرة التصحر وشحّ المياه وملوحة التربة وتدهور الأراضي تهديدًا للمجتمعات الريفية في جنوب العراق. وقد أدّت هذه التحديات المترابطة – التي تفاقمت بسبب التغيرات المناخية والممارسات غير المستدامة – إلى انخفاض خصوبة التربة، وتراجع إنتاجية المحاصيل، وازدياد معدلات التعرض لموجات الجفاف.
ومع ذلك، فإن أملاً جديداً بدأ يترسخ في محافظتي ذي قار والمثنى. بدعم من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، وبالشراكة مع وزارات البيئة والزراعة والموارد المائية في العراق والحكومات المحلية في محافظتي ذي قار والمثنى، وبتمويل من مرفق البيئة العالمي، بدأ المزارعون في تبني ممارسات الزراعة الحافظة كوسيلة لمكافحة تدهور الأراضي، استدامة الموارد الطبيعية، وبناء مستقبل زراعي أكثر قدرة على الصمود.
بينما نحيي اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف (17 حزيران/يونيو)، تمثل هذه المبادرة مثالاً قوياً على إمكانية الإدارة المستدامة في إحياء الأراضي المتدهورة، كما تفتح آفاقاً جديدة للحفاظ على النُظم البيئية وتحسين سبل العيش.
استعادة الأراضي المتدهورة في زمن الجفاف
تندرج هذه المبادرة ضمن مشروع بعنوان "الإدارة المستدامة للأراضي لتحسين سبل العيش في المناطق المتدهورة في العراق"، والذي يهدف إلى دعم المزارعين في استعادة إنتاجية المحاصيل في الأراضي المتدهورة، مع الحفاظ على المياه وتعزيز قدرتهم على الصمود في وجه الجفاف.
ولتسليط الضوء على المزايا الاقتصادية والبيئية لممارسات الزراعة الحافظة، أنشأت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وشركاؤها الوطنيون 41 حقلًا إرشاديًا ضمن مدارس المزارعين الحقلية في محافظتي ذي قار والمثنى. وتُستخدم هذه الحقول كمواقع تجريبية للمقارنة بين أساليب الزراعة التقليدية والممارسات المستدامة للزراعة الحافظة، لمحاصيل رئيسية مثل القمح، والشعير، الماش، الباقلاء، الجت، والذرة البيضاء، الدخن، والبرسيم. مع توفير تدريب عملي لـ 1,600 مزارع.
شملت الممارسات المتبعة :
• الحد الأدنى من حرث التربة لتقليل اضطرابها
• تدوير المحاصيل أو الزراعة البينية لتحسين خصوبة التربة وزيادة انتاجيتها
• تغطية التربة بالمحاصيل الغطائية، والتغطية العضوية (الملش) باستخدام بقايا المحاصيل على السطح للحفاظ على الرطوبة والحد من تعرية التربة.


المزارعون يجنون الفوائد
رغم التردد في تبني هذه التقنية في بداية الأمر ، إلا إنه سرعان ما أدرك المزارعون الفوائد الحقيقية عند تطبيق تلك الممارسة، حيث أسهمت في تحسّن بنية التربة وزيادة احتفاظها بالرطوبة، نمو صحي أكثر للمحاصيل ، زيادة في الإنتاج، وانخفاض في التكاليف، اضافة الى عوائد اقتصادية أعلى – مما غيّر بشكل جذري أسلوبهم التقليدي في الزراعة.



الفوائد الرئيسية للزراعة الحافظة
• زيادة إنتاجية المحاصيل
يقول المزارع هاشم كوتي:
"منذ أن بدأت باستخدام الزراعة الحافظة، ارتفعت إنتاجية محصول الجت بنحو 25%. في السابق، كنت أجني فقط 60 إلى 70 ألف دينار عراقي كل شهرين أو ثلاثة، أما الآن فأحقق ما بين 100 إلى 150 ألف دينار شهريًا. أستخدم تقنيات الزراعة الحافظة على جميع محاصيلي الآن – ولا أعتقد أنني سأعود إلى الطرق القديمة."

- • توفير المياه وبناء القدرة على الصمود
يوضح المزارع صادق مزهر:
"كانت الزراعة التقليدية تتطلب 7 دورات ريّ لمحاصيل الشعير والبرسيم، لكن مع الزراعة الحافظة، أحتاج فقط إلى 5 دورات – أي توفير يقارب 30% من المياه. كما أن ذلك يحسن نوعية التربة، ويحافظ على البيئة، ومحاصيلي أفضل من أي وقت مضى."

- • خفض التكاليف ومدخلات الإنتاج
يقول المزارع عيسى رمضان:
"وفّرت 20% من تكاليف الزراعة خلال السنة الأولى فقط. فالزراعة التقليدية مكلفة بسبب الحاجة إلى الحرث المتكرر، والأسمدة، وكميات كبيرة من المياه. أما مع ممارسات الزراعة الحافظة، فقد انخفضت هذه التكاليف بشكل كبير، والنتائج واضحة. استطعت أن أُعيد استثمار هذا المال في تطوير مزرعتي."

توسيع نطاق الحلول المستدامة
من خلال التدريب المستمر في مدارس المزارعين الحقلية، والحقول الإرشادية، وتبادل الخبرات بين المزارعين، ألهم المشروع عددًا متزايدًا من المزارعين في جنوب العراق للانتقال نحو ممارسات الزراعة المستدامة التي يهدف اليها المشروع.
ومع توسع المبادرة، لا يقتصر الهدف على تحسين إنتاجية المحاصيل فحسب، بل يشمل أيضًا احياء الأراضي المتدهورة، والحد من التعرية، ومكافحة التصحر.
استعادة الأمل في احياء الأراضي المتدهورة
يُظهر نجاح هذه المبادرة أن التغيير ممكن – حتى في البيئات الصعبة. فمن خلال تحسين صحة التربة، وتقليل الضغط على الموارد المائية، وزيادة القدرة على الصمود أمام التغيرات المناخية، تسهم الزراعة الحافظة في استعادة النُظم البيئية ومساعدة المجتمعات على الازدهار.
في هذا اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف، تُذكرنا قصة هؤلاء المزارعين بأن الاستثمار في استعادة الأراضي هو في جوهره استثمار في الإنسان، والصمود، ومستقبل غذائي أكثر أمنًا.
وبدعم متواصل من منظمة الفاو ومرفق البيئة العالمي (GEF) والجهات المعنية في العراق، يتحول المزارعون المحليون إلى روّاد في الاستدامة، ويساهمون في إعادة تشكيل مستقبل الزراعة في أكثر المناطق هشاشة للتغييرات المناخية في البلاد.
تسهم هذه المبادرة في تحقيق عدد من أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك: الهدف 2 – القضاء على الجوع, الهدف 6 – المياه النظيفة والصرف الصحي,الهدف 13 – العمل المناخي,الهدف 15 – الحياة في البر.