إحاطة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق السيدة جينين هينيس-بلاسخارت المقدمة الى مجلس الأمن | الأربعاء 25 آب 2021
سيدي الرئيس، شكراً جزيلاً،
السيدات والسادة أعضاء مجلس الأمن الموقرون،
لا بد لي من الإقرار بأن العودة إلى قاعة المجلس بعد عام ونصف مدعاة للشعور بالامتياز والشرف. وآمل بصدق أن تكون هذه العودة التدريجية للأوضاع الطبيعية، أو ما يقارب الأوضاع الطبيعية، في متناول الجميع قريباً.
ولكن يجب علينا أن نكون واقعيين في الوقت الراهن: لا تزال هذه الجائحة أبعد ما تكون عن الانتهاء حيث يسقط ضحايا يومياً وتزهق المزيد من الأرواح عندما تحل كارثة مثلما حدث في حريق مدمر آخر في ردهة لعلاج كوفيد – 19 في مستشفى بالناصرية الشهر الماضي.
والآن سيدي الرئيس، إذا سمحت لي، سوف أكرس معظم إحاطتي اليوم لانتخابات العراق بالغة الأهمية في 10 تشرين الأول. حيث يمر الوقت ويتبقى 46 يوماً على توجه العراق لصناديق الاقتراع.
وأود أن أبدأ بالتأكيد على أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تعمل دون كلل صوب يوم الانتخابات – تماشياً مع قانون الانتخابات وبما يتفق مع الجداول الزمنية المتفق عليها مسبقاً.
وفي الأشهر الأخيرة، حققت المفوضية عدة إنجازات معقدة. وبالطبع قدمت يونامي – ولا تزال تقدم – المساعدة الفنية حيثما يتسنى لها ذلك. ومن الجدير بالذكر أن عدد موظفي الأمم المتحدة المنخرطين في الانتخابات حالياً هو خمسة أضعاف العدد الذي عمل في انتخابات 2018.
وكما استخلصتم من تقاريرنا العامة الشهرية:
• تم الانتهاء من قوائم المرشحين.
• تم إجراء قرعة لتوزيع الأرقام على المرشحين لكل الدوائر البالغ عددها 83.
• تجري حالياً طباعة أوراق الاقتراع، ومن المتوقع وصول كافة أوراق الاقتراع إلى البلاد بحلول منتصف أيلول.
• تقوم شركة تدقيق مستقلة بمراجعة نظم تكنولوجيا المعلومات الخاصة بالاقتراع وإدارة النتائج.
• تم إجراء تجربتين لمحاكاة يوم الاقتراع من أصل 3 تجارب مخطط لها – وكانت أحدث التجارب يوم 23 آب مفتوحة للأحزاب السياسية ووسائل الإعلام. ومن المخطط إجراء المحاكاة الأخيرة في شهر أيلول
• لا يزال تعيين موظفي الاقتراع جارياً كما بدأ تدريب موظفي الانتخابات.
• انطلقت استراتيجية المفوضية للتوعية في 6 حزيران وتشمل مجالات مواضيعية رئيسية بما في ذلك، النظام الانتخابي الجديد ودور المفوضية وتوزيع البطاقات البايومترية وعملية العد وإعلان النتائج والتدابير المتعلقة بالنزاهة إلى جانب رسائل توعية محددة تستهدف عدة جهات من بينها النساء والشباب والأشخاص ذوي الإعاقة والنازحين أو العائدين
وأود أن أثني على المفوضية ليس فقط لتفانيها، بل أيضاً لتحولها. وسيكون من الجيد أن تعترف السلطات والأحزاب العراقية علناً بإنجازات المفوضية حتى الآن. وينطبق الأمر ذاته على استقلالها. حيث يخشى أن يؤدي إلقاء الشكوك على قدرة المفوضية على العمل إلى زيادة تقويض ثقة الناخبين.
والآن وبموازاة ذلك، تتسارع استعدادات الأمم المتحدة للمراقبة. حيث تم التعاقد مع معظم أعضاء فريق التحضيرات ويتم إيفادهم إلى بغداد في هذه الأثناء. وسوف تتبعهم قريباً الفرق الإقليمية المتوقع تواجدها على الأرض في الأسبوع الأول من أيلول. وستمهد هذه الفرق الإقليمية الطريق لوصول خبراء لمدد قصيرة.
وفي ذات الوقت وبما يتفق مع الولاية الجديدة للبعثة، تكثف يونامي من جهودها للتواصل الاستراتيجي التي تهدف إلى توعية الناخبين العراقيين بالاستعدادات للانتخابات وأنشطة الأمم المتحدة المتعلقة بذلك وتبادل الحقائق والأرقام ومواجهة المعلومات المضللة وإدارة توقعات الجمهور.
سيدي الرئيس،
دائماً ما يطرح علينا هذا السؤال: هل ستكون انتخابات تشرين الأول مختلفة عن انتخابات 2018؟ وهو سؤال معقول، لأن انعدام ثقة الجمهور في السلطات والمؤسسات العامة أمر طويل الأمد وواسع النطاق.
وللرد على ذلك لا يسعني إلا الإشارة إلى الحقائق. والحقيقة هي أن المفوضية تطبق الدروس المستفادة من الانتخابات السابقة. والحقيقة هي أن هناك تغييرات كبيرة تتم لتحسين العمليات والاستعدادات الانتخابية ليوم الانتخاب - بما في ذلك التدقيق المستقل لتكنولوجيا المعلومات والأجهزة الجديدة للتحقق من الناخبين والعديد من التدابير التي تعالج إساءة استخدام بطاقات التصويت الإلكترونية وعرض نتائج الانتخابات في الوقت الفعلي أثناء نقلها وفرزها والإعلان عنها.
وبعبارة أخرى، فمن الواضح أن انتخابات تشرين الأول تمتلك الإمكانات لتكون مختلفة عن انتخابات عام 2018.
ومع ذلك، فإن مسؤولية إجراء انتخابات ناجحة لا تقع حصراً على عاتق المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ولا يمكن أن تكون كذلك. ولذلك فنحن ندعو باستمرار جميع الأطراف المعنية (بما في ذلك مسؤولي الحكومة والأحزاب والمرشحين والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والناخبين) إلى الالتزام بانتخابات تتسم بالشفافية والنزاهة – قولاً وفعلاً.
سيدي الرئيس، ليس من المستغرب أن يتم التعبير عن الخوف من التزوير الانتخابي من قبل العديد من الأطراف. من قبل المواطنين العراقيين وكذلك من قبل الأحزاب السياسية. وإذا رجعنا بذهننا إلى الأحداث التي جرت في الماضي، فسنجد أن لهذا الخوف ما يبرره.
وفي الوقت ذاته، فمن العدل أن نؤكد أن الأحزاب السياسية ذاتها هي التي يمكنها إجراء هذه الانتخابات أو تعطيلها. وبغض النظر عن أعداد التدابير الفنية الموضوعة، فإن الأمر متروك لها لكي تنأى بشكل جماعي عن أي محاولة لفرض نتائج الانتخابات أو تشويهها. والأمر متروك لها لوقف شراء الولاءات وقمع الناخبين و/أو غير ذلك من الأعمال المتعمّدة وغير القانونية. وهي التي يجب أن تكون المثال الذي يحتذى به جماعياً. فمن شأن طرف سيء واحد أن يفسد كل شيء على البقية.
وثمة مسألة أخرى هي أن المعلومات المضللة – بل حتى نظريات المؤامرة – لاتزال تخلق تصورات خاطئة، ولكنها مقبولة.
وللأسف، فأن المعلومات المضللة منتشرة بكثرة وعلى نطاق واسع. عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وعن المتظاهرين وعن مسؤولي الحكومة وعن الخصوم السياسيين. ونعم، أيضاً عن الأمم المتحدة.
وتعمل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق بلا كلل لتوفير دعم فني كبير لمفوضية الانتخابات وجهات أخرى وهي بذلك تنفق الملايين من أموال دافعي الضرائب على خبراء إضافيين في الميدان. ومع ذلك، نجد من يأخذ الأمر على عاتقه ليدعي دون وجه حق بأننا ندعو بطريقة ما إلى تأجيل هذه الانتخابات. بصراحة إن هذا القول عبثي.
لذلك اسمحوا لي أن أوضح الأمر: إذا غلب التضليل الواقع، فلن يكون ذلك مجرد استنزاف للطاقة بالنسبة لأولئك الذين يعملون جاهدين من أجل الصالح العام للعراق، بل إنه عمل محفوف بالمخاطر ايضاً.
ولذلك، أدعو مجدداً، جميع الأطراف المعنية إلى التمسك بالحقائق والتركيز على أدوارها ومسؤولياتها والامتناع عن استخدام الأمم المتحدة ككبش فداء. فالصدق والانضباط، نعم، والشجاعة مطلوبة في هذه المرحلة الحرجة.
وأود أيضاً أن أدعو جميع وسائل الإعلام إلى تقديم معلومات دقيقة وموثوقة وفي الوقت المناسب إلى الشعب العراقي بدلاً من تأجيج تصورات خاطئة بما يلائم داعميها.
لقد حان الوقت للاعتراف بأن العراق هو من يقود ويمتلك انتخابات تشرين الأول. حان الوقت للتوقف عن لوم الآخرين على أشياء من صنع أيديكم. وقد حان الوقت للاعتراف بأن مصداقية انتخابات تشرين الأول هذه ستكون أساسية لمستقبل العراق.
سيدي الرئيس، بطبيعة الحال، فالانتخابات ليست هدفاً نهائياً بحد ذاتها. بل إنها وسيلة لتحقيق غاية. وتتمثل هذه الغاية بتحسين الإدارة لبناءِ عراقٍ أكثرُ أماناً وازدهاراً وعدلاً.
وبينما يراقب العالم، لا يسعني إلا أن اؤكد على أن مسؤولية إنجاح الانتخابات المقبلة تقع على عاتق الأطراف العراقية المعنية والسلطات العراقية. وليس ذلك فحسب، بل أيضا المسؤولية عما يأتي لاحقاً: تشكيل حكومة جديدة، حكومة قادرة - بسرعة وبفاعلية- لمعالجة قائمة العراق الطويلة من الأعمال المحلية غير المنجزة.
والآن، سأتحدث ببضع كلمات حول الدعوات لمقاطعة الانتخابات أو تأجيلها. هناك أسباب مختلفة تقف وراء مثل هذه الدعوات، من العراقيين العاديين الذين يعبرون عن خيبة أملهم وانعدام الثقة وغضبهم وفقدانهم للأمل، وصولاً للمناورات السياسية الواضحة.
ولكن بصراحة، المقاطعة ليست استراتيجية فعالة ولن تقدم أي حلول. على العكس، فحينما لا تدلي بصوتك فإنك في الواقع تهدي صوتك لأولئك الذين قد تعارضهم. وبالتالي، من المهم بالنسبة للناخبين والسياسيين على حد سواء العودة إلى العملية.
وعلى قدر عال من الأهمية أيضاً، يحتاج العراق إلى الذهاب إلى ما هو أبعد من الانتخابات للانتقال (وهذا ما نأمله) من حالة الجمود السياسي المطول إلى حكم متحرك وسريع الاستجابة.
والآن – إلى العراقيين المطالبين بالمقاطعة بسبب خيبة أملهم، أود أن أقول ما يلي:
الشعب العراقي ليس مجموعة متجانسة واحدة. فالعراق مجتمع متنوع وهو موطن لمجموعة واسعة من الشعوب واللغات والأديان- ما يجعل الرؤى والآراء تختلف.
وهذا يعني أن نتيجة الانتخابات قد لا تكون وفق ما تتمناه، بل إنها قد تمنح الشرعية لحكومة لن تكون هي الحكومة المفضلة بالنسبة لك.
ولكن هناك شيء واحد مؤكد: من خلال عدم التصويت، فإنك تضع نفسك خارج العملية الانتخابية. والأحداث التي تؤثر عليك لن يتم رسمها إلا من قبل الآخرين. وكما قلت: من خلال عدم الإدلاء بصوتك، فإن صمتك سيكون هدية لأولئك الذين قد تختلف معهم.
وبالتأكيد، لا أحد ينكر بأن الشعور بالواقعية والنظرة العملية للأمور أمر مهم أيضاً لأن هذه الانتخابات لن تؤدي إلى معجزات فورية. لا يمكن لأي انتخابات أن تفعل ذلك.
وبصراحة، فإن العراق بحاجة ماسة إلى إصلاحات هيكلية عميقة. وتتطلب هذه الإصلاحات تصميماً لا يتزعزع وصبراً هائلاً ووقتاً طويلاً.
ويجب القول بأن الديمقراطية - مع كل مكاسبها - يمكن (من نواح كثيرة) أن تكون عملاً شاقاً. كما تتطلب الموازنة بين المصالح والآراء المتنوعة دائماً حلولاً وسطية. والحقيقة هي أن المجتمعات الديمقراطية المستدامة في جميع أنحاء العالم في الغالب لا تُشبه العجائب التي تحدث بين عشية وضحاها: فهي تتطلب صبراً هائلاً للبناء وجهوداً متواصلة للحفاظ على ما يتحقق.
أرجو ألا تسيئوا فهمي: فبعد سنوات عديدة من الأمل والمطالبة والاحتجاج يكون نفاد الصبر (بالطبع) أمراً مفهوماً للغاية. لذا، فإن الألم وخيبة الأمل والإحباط من نقص الآفاق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مفهوم جداً.
ولكن في الديمقراطية، يمكن المرء أن يجعل صوته مسموعاً ليس فقط من خلال الاحتجاجات العامة، ولكن أيضاً، وبشكل حاسم، من خلال صناديق الاقتراع. هذا هو بلدك وهذا هو صوتك. يجب أن تنهض وتُسمع صوتك.
وأود أن أقول للسلطات والموظفين الحكوميين والمسؤولين والقوى السياسية والأحزاب والمرشحين:
لا تخذلوا الشعب العراقي، وينبغي أن تكون خدمة المواطنين - مهما كانت خلفيتهم، أو معتقدهم، أو دينهم، أو رأيهم، أو قناعتهم – خدمة المواطنين- على رأس أولوياتكم، ويتوجب أن يكون التركيز على الحلول التي تمثل مصالح كل الناس، فالحلول التي لا تخاطب سوى الغالبية أو مكون معين على وجه الخصوص سيتعذر الدفاع عنها على المدى الطويل.
إن الأفعال أبلغ من الأقوال، فما أكثر البيانات والخطابات الجميلة، بيد أنه في نهاية المطاف، الأمر كله يتعلق بالإنجاز. تصدوا للفساد المستشري، عالجوا الإهمال، حاربوا عدم الكفاءة، اتركوا جانباً المصالح الحزبية الضيقة، تجاوزوا الفئوية والمحاصصة، ولا تسمحوا بنهب مؤسسات الدولة.
باشروا على الفور بالإصلاحات التي تمس الحاجة إليها، واعملوا على تنويع الاقتصاد لتقليل هشاشة العراق إزاء تقلبات أسعار السلع.
ابتعدوا عن الاستمرار في إدارة الأزمات والصفقات التي تبرم لأغراض محددة، وبدلاً من ذلك، نفذوا ما اتفقتم عليه واعملوا على إيجاد طريقة عمل يمكن التنبؤ بها.
أوقفوا الترهيب والاعتداءات وعمليات الاختطاف والاغتيال، وضعوا حداً للإفلات من العقاب، واعلموا أن المساءلة هي السبيل لاستعادة ثقة الناس، واعملوا على ذلك، فللشعب العراقي الحق في أن يعرف.
اعملوا على تحسين قدرة العراق المحلية على مواجهة الأزمات، ولا تقعوا فريسة لتجاذبات القوى الخارجية. اكبحوا جماح الجماعات المسلحة التي تواصل العمل خارج سيطرة الدولة، سواء أكانت أجنبية أم محلية، وأكّدوا على سيادة وسلطة الدولة.
يتعين الإقرار أن للجمود السياسي ثمن باهظ للغاية سيدفعه الشعب العراقي في نهاية المطاف، والاعتراف بأن الوعود الجوفاء أو التي لا يتم الوفاء بها لن تؤدي سوى إلى المزيد من التقويض لثقة الجمهور، ويتعين الحذر من حقيقة أنه من السهل أن يفضي السخط الذي يجيش في النفوس إلى غضب كبير.
وخلاصة القول: إن المخاطر كبيرةٌ جداً، وآمل ألا يعيد التاريخ نفسه.
سيدي الرئيس،
قبل أن اختتم إحاطتي، أود أن أقدم تقريراً بالتقدم المحرز في موضوع المفقودين من الكويتيين ورعايا البلدان الأخرى والممتلكات الكويتية المفقودة بما في ذلك المحفوظات الوطنية.
منذ إحاطتي الأخيرة، قامت حكومة الكويت بالتعرف بشكل قاطع على عشرة رفات أخرى تعود لأشخاص ضمن قائمتها للمفقودين منذ عام 1991.
ويعني ذلك أنه وبعد مرور ثلاثين سنة طويلة، بلغ مجموع قضايا المفقودين الكويتيين التي أغلقت رسمياً منذ تشرين الثاني 2020 ثلاثين قضية. وآمل بصدق أن تفضي هذه الخطوة المهمة لطي تلك الصفحة في حياة أسر المفقودين.
وإضافة لما تقدم، أود أن أعرب عن أملي في تحقيق تحسن بالنسبة لموقف جائحة (كوفيد-19) -وما يتبعه من تخفيف على القيود ذات الصلة - مما سيسمح عما قريب باستئناف المهمات الميدانية واستكشاف مواقع الدفن المحتملة لتحقيق مزيد من النتائج الإيجابية.
وختاماً، سيدي الرئيس، أود أن أؤكد أنه مع الاقتراب الحثيث لموعد الانتخابات، سيحظى العراق بدعمنا في كل خطوة من الطريق.
لقد أتت هذه الانتخابات بعد جهد جهيد، ولا يسعني إلا أن أشدد على الأهمية التي تنطوي عليها انتخابات نزيهة لمستقبل الديمقراطية الفتية في العراق.
شكراً جزيلاً لكم.