إحاطة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق السيدة جينين هينيس-بلاسخارت المقدمة في اجتماع مجلس الأمن رقم 8606 (كما تم تقديمها)
نيويورك، 28 أب 2019
سيدتي الرئيسة،
السيدات والسادة أعضاء مجلس الأمن الموقرون،
أود أن أستهل إحاطتي بالإشارة الى الأهمية التاريخية التي اتسمت بها زيارة المجلس الى العراق بتاريخ 29 حزيران. ففي مثل هذا اليوم من عام 2014، أعلن تنظيم داعش إقامة ما يسمى بخلافة داعش، وهي ذكرى قاتمة، ولكن خلال زيارتكم وبدلا من ذلك، احتفينا بحرية العراق وسيادته وحيينا التضحيات الجسام التي تم تقديمها في القتال ضد داعش. لقد قدمتم تأكيدات مهمة وحظيت بالترحيب، بمواصلة دعمكم للعراق وشعبه وكان ذلك حقاً موضع تقدير كبير من العديدين!
سيدتي الرئيسة، الآن قد يكون من غير المعتاد أن أنتقل فوراً الى دواعي القلق المتعلقة بالتمويل، ولكن مع أخذ تأكيداتكم، التي حظيت بالترحيب، في الاعتبار، فإنني أشعر بالحاجة -مرة أخرى- أن أنقل لكم هواجسنا بشأن النقص المستمر في تمويل صندوق تمويل الاستقرار (FFS) وكذلك خطة الاستجابة الإنسانية حيث توجد ثغرات في المبلغ تزيد على 300 و500 مليون دولار على التوالي.
وإذا سمحتم لي، أود أن أغتنم هذه الفرصة لأعرب عن أملي الصادق بمواصلة تقديم دعم المجتمع الدولي السخي. فقد تم إحراز تقدم، بيد إن الطريق أمامنا لا يزال طويلاً ومعقداً. والآن، ونتيجة لنقص التمويل المستمر الذي ذكرته للتو، يواجه برنامج العراق الإنساني في مرحلة ما بعد النزاع، عقبات. على سبيل المثال، يتم الآن إيقاف خدمات الرعاية الصحية الضرورية وإغلاق مدارس النازحين وتعطيل دورات توزيع الأغذية. وبالإضافة الى ذلك، لا يزال ما يقرب من 1.6 مليون نازح ينتظرون بشغف تحسن الأوضاع والعودة الى ديارهم بأمان وكرامة.
أرجو ألا تسيئوا فهمي، فقد أنجز الكثير من العمل الجيد، من دون شك. فبفضل الكثير الكثير من مساهمات الدول المانحة، تم بناء المنازل والطرق والجسور وخطوط نقل الطاقة – وهذه ليست سوى أمثلة بسيطة من ضمن أمثلة أخرى عديدة. نعم، ففي الوقت ذاته فقد عاد 4.3 مليون شخص الى ديارهم، بيد إن الوتيرة تباطأت وتكون الاحتياجات المتبقية أكثر حدة في قطاعات الصحة والكهرباء والماء.
في الوقت الراهن ولأسباب مفهومة، تطلب الدول المانحة من الحكومة العراقية تولي زمام الأمور بصورة مشتركة وذلك بالمشاركة في تمويل هذا العمل، وهذا هو الصواب. ويسرني أن أنقل لكم بأنه قبل لحظات وقعت الحكومة العراقية اتفاق تقاسم التكاليف لكي تبدأ بتقديم مساهماتها في صندوق التمويل.
واسمحوا لي أن أشير بإيجاز إلى مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار العراق الذي انعقد قبل عام ونصف تقريباً. ويتم الآن تنفيذ برنامج التعافي وتعزيز القدرة على مواجهة الازمات في كل أنحاء البلاد. وأثمرت جهود تعبئة الموارد ما يقرب من نصف المبلغ المطلوب حتى هذه اللحظة. وسنواصل تشجيع الشركاء الإنمائيين لتمويل برنامج التعافي وتعزيز القدرة على مواجهة الازمات وخصوصاً من خلال صندوق الأمم المتحدة الاستئماني.
سيدتي الرئيسة، لنعد الآن إلى السياسة
إن القيادة العراقية تعمل بجهد للاستفادة من التقدم الذي تحقق حتى الآن. وكما ناقشنا أثناء زيارة المجلس إلى العراق، فإن رسم صورة قاتمة ليس هدفاً في حد ذاته – والأهم من ذلك: أنه غير مبرَر. كما أننا لا يمكننا ببساطة أن نحكم على الوضع الراهن دون وضعه في سياق ماضي العراق. إذ تستمر المتاعب التي امتدت لعقود في التأثير على الحاضر ولم نر نهاية لذلك بعد. ولكن وبنفس القدر من الأهمية علينا ألا نقوم بتجميل هذه الظروف الراهنة: يمكننا جميعاً أن نتفق على إمكانات العراق الهائلة ولكن المثابرة ضرورية لتحقيق أقصى استفادة من هذه الإمكانات.
والآن لا يمكننا أن نتوقع أن تحقق الحكومة العراقية معجزات بين ليلة وضحاها في معالجة إرث الماضي وتحديات الحاضر الكثيرة. الحقيقة القاسية هي أن الحكومة تحتاج إلى الوقت لمحاربة المصالح الحزبية الضيقة العديدة والقائمة، وتحتاج وقتاً لتحقيق الوعود.
وبنفس القدر من الضرورة، تحتاج الأحزاب السياسية وغيرها من الأطراف إلى الوصول إلى تفاهم مشترك بإعطاء الأولوية لمصالح البلاد قبل كل شيء. وفي نهاية الأمر، يجب أن يكون واضحاً أن الحكومة لا يمكنها القيام بذلك وحدها – إنها مسؤولية مشتركة.
سيدتي الرئيسة – كما تعلمون فقد تم تشكيل مجلس الوزراء الاتحادي بالكامل – عدا وزارة التربية. وتم تحقيق تقدم كبير في التعيينات في المناصب العليا في اللجان البرلمانية. كما تعمل حكومة إقليم كردستان بشكل جيد – مع عدم شغل حقيبة الموارد الطبيعية بالغة الأهمية بعد. وأود الإشارة إلى أن 3 من وزراء حكومة إقليم كردستان من النساء، وكذلك رئيسة برلمان الإقليم. وعلى المستوى الاتحادي، للأسف، لم يتم تعيين أي امرأة حتى الآن.
والخبر الجيد هو أن التقدم الذي تحقق في تشكيل الحكومتين في بغداد وأربيل أوجد زخماً إيجابياً للمضي قدماً بالمفاوضات بين بغداد وأربيل، والذي تجلى من خلال تشكيل اللجنة المشتركة رفيعة المستوى.
ولا يمكنني أن أنكر: إن سقف التوقعات مرتفع، خاصة في الملفات الأساسية – بما في ذلك كركوك وسنجار وتقاسم الإيرادات. وفيما يتعلق بالموضوع الأخير، فمن المهم أن تدرك كافة الأطراف أنه – بدلاً من الصراعات السنوية غير المجدية بشأن الموازنة – سيكون الاتفاق الشامل والدائم أكثر نفعاً. ومن البديهي الآن أن أكون دائماً على استعداد لعرض المساعي الحميدة للبعثة من أجل الدفع بالمناقشات نحو الإجماع الذي يليه العمل.
وفيما يخص كركوك، أشعر بالتفاؤل إزاء النوايا الحسنة – التي أبدتها كافة الأطراف المعنية خلال الأشهر الماضية– لمعالجة مسألة تطبيع الوضع في كركوك أخيراً.
أما فيما يتعلق بسنجار، فقد ذهبت إلى هناك في وقت سابق من هذا الشهر. وشهدت مرة أخرى، للأسف، الدمار الهائل والتقدم البطيء على الأرض. ولا تزال الجهات الأمنية المتنافسة وانعدام الإدارة الموحدة تمثل عوائق أساسية أمام تحقيق التقدم. كما يؤدي هذا الوضع إلى تقييد العمل الإنساني إلى حد كبير. لهذا أستمر في مناشدة كل من يشعرون أن مكانتهم تتعرض للتحدي، خاصة السلطات الاتحادية والكردية. لقد آن الأوان لوضع المصالح الحزبية جانباً وتجاوز الخلافات وإعطاء الأولوية لتلبية حاجات الناس، بدون مزيد من الـتأخير.
سيدتي الرئيسة، بالحديث عن الاقتصاد،
تدرك الحكومة بشكل متزايد الضرورة الملحة للإصلاح، وعلى وجه الخصوص توسيع قاعدة مصادر الدخل القومي لتشمل مصادر أخرى دون الاقتصار على منتجات النفط، وتعزيز دور القطاع الخاص في مجالات شتى بدءً من تطوير البنية التحتية انتهاءً بخلق فرص العمل.
وينصب تركيز النقاشات في أعلى المستويات على تعزيز نظم الإدارة، وإدارة عائدات النفط بشكل أفضل، وحماية البيئة الاستثمارية من الفساد، وإصلاح القطاع المصرفي لتهيئة المناخ لمزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة ولعقد الشراكات بين القطاعين العام والخاص. وقد باتت هذه المسألة أكثر إلحاحاً، لاسيما فيما يلوح في الأفق حدوث عجز أكبر في الميزانية بسبب النفقات المتزايدة وتقلب أسعار النفط. وفي هذا السياق، فإننا نحث الحكومة العراقية على تسريع وتيرة إصلاحاتها الهيكلية، وتعزيز الاقتصاد الكلي، وتحقيق الاستقرار المالي فضلاً عن تعزيز النمو المستدام الذي يشمل الجميع.
والآن وفيما يتعلق بالأوضاع السياسية الإقليمية سيدتي الرئيسة، لا زلنا نعمل في أوضاع محفوفة بالمخاطر، ومع ذلك، يتعين علينا أن نشيد مرة أخرى بالقيادة العراقية لالتزامها الراسخ بالدبلوماسية متعددة الأطراف؛ فالقادة العراقيون يعملون بتفانٍ عظيم دون كلل مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لضمان أن يمثل بلدهم نقطة التقاء لتحقيق الاستقرار وليست ساحة تجري فيها الصراعات بالوكالة. وهم على أتم صواب في هذا التوجه. من هذا المنطلق، ينبغي علينا أن نكون بعيدي النظر وأن ندرك بأن التوترات الراهنة يمكنها بكل بساطة أن تتسبب في ضربة هائلة لكافة المساعي الوطنية والدولية الرامية لإعادة بناء عراق مستقر ومزدهر. لذلك، يتعين علينا ألا ندخر جهداً لتجنب مثل هذا المآل.
أشعر أيضا بالارتياح حيال عزم الحكومة وضع جميع الأطراف المسلحة تحت سيطرة الدولة. وقد لقيت الأوامر التي صدرت في الآونة الأخيرة دعما واسع النطاق عبر مكونات الطيف السياسي، ما يعد خبراً طيباً، ولكننا لا زلنا في باكورة أيام التنفيذ، وسوف يتبين أن المرحلة التالية على قدر كبير من الأهمية. ومما لا شك فيه أن سياسة عدم التسامح مع أي طرف مسلح خارج سيطرة الدولة هي السبيل للمضي قدماً.
أجل، من الصحيح القول، إن بذل مزيد من الجهد بشأن إصلاح القطاع الأمني سوف يكون ضرورياً نظراً لأن وجود قطاع أمني يتميز بالفعالية والكفاءة والاستدامة المالية يعد أمراً هاماً لحماية العراق ضد التهديدات القائمة والناشئة. وفي ظل وجود وزراء للداخلية والدفاع والعدل، يحدوني أمل كبير في أن الحكومة سوف تعجّل بإعادة تشكيل هيكل أمنها الوطني؛ من حيث البنية والقدرات والموارد.
وثمة أمر آخر يتصف بالأهمية، وهو أن يتم على نحو سريع وضع آلية الأمن المشترك، إذ أنها ستمهد الطريق للقيام بعمليات مشتركة على امتداد الحدود المتنازع عليها، لأن غياب التنسيق بقدر كافٍ سيتيح هامش مناورة لتنظيم داعش، بمعنى آخر: فإن تعزيز الأداء العملياتي على الصعيد الميداني بين القوات الاتحادية وقوات إقليم كردستان، وإن كان ليس مستساغاً، لكنه يبقى ضرورياً.
سيدتي الرئيسة،
وفي سياق الأمن الوطني، أود أن أشيد بشجاعة قوات الأمن العراقية؛ ففي أعقاب دحر داعش من الأراضي التي احتلها، لا تزال تلك القوات تطارد ما تبقى من مقاتلي داعش؛ على سبيل المثال، ما قامت به في إطار عملية إرادة النصر التي نفذت في مختلف أنحاء البلاد في الأسابيع الماضية.
ولا تزال مسألة إعادة مقاتلي داعش، بما في ذلك أفراد أسرهم، من سوريا إلى العراق، تشكل تحدياً كبيراً. وللأسف لم تتضح لنا بعد الأعداد التي ستعاد، وتاريخ البدء، وترتيبات التحقق من الهوية والترتيبات الأمنية، و/أو، مرافق الاستضافة حين عودتهم. وكما أكدت قبلاً، إذا لم تعالج هذه المسألة على النحو المناسب، فإنها من الممكن أن تؤثر ليس على العراق فحسب، بل أيضاً على المنطقة بشكل أوسع، وأبعد من ذلك بكثير.
من المهم أيضاً ملاحظة أن قضايا الإجراءات القانونية الواجبة والمساءلة لا يمكن حصرها في قاعة المحكمة فقط. ويلزم إجراء حوار منظّم لتحديد وبدقة كيف ستتعامل الحكومة العراقية مع هذه العملية والتي بدورها ستحدد طرائق مساعدة الأمم المتحدة.
كما أود التأكيد على الأهمية القصوى للضمانات القوية للاحتجاز والإجراءات القانونية الواجبة والمحاكمات العادلة. إن الامتثال لالتزامات حقوق الإنسان لن يُظهر الالتزام بالعدالة والمساءلة فحسب بل هو أيضاً لبنة ضرورية للمصالحة والتلاحم الاجتماعي. والأكثر من ذلك، سيقلل من خطر أن يعيد التاريخ نفسه. ونحن ندرك جيداً أن تنظيم داعش قد استغل مجموعة متنوعة من المظالم - بما في ذلك المحاكمات الجائرة وإساءة معاملة المحتجزين - للترويج لأجندته العنيفة. وسواء أحببنا ذلك أم لا: في هذه اللحظة الزمنية، لا تزال الكثير من المكونات تشعر بالتهميش وهذا من شأنه أن يجعل الكثير منهم عرضة للرسائل المتطرّفة.
وبالنسبة لي، هذا أحد أهم الأسباب ... لإقامة وجود دائم في الموصل، ويسرّني أن أبلغكم أن مكتب الموصل سيفتح أبوابه في مطلع شهر أيلول.
سيدتي الرئيسة،
لسوء الحظ، وكما ناقشت ذلك من قبل، فإنه لا يتم القضاء على الفساد المتفشي مباشرة. وكما ذكرت في المرة السابقة: فإن تحقيق نتائج ملموسة أمر بالغ الأهمية. ويمكن أن تكون الدعوة الأخيرة لرفع الحصانة عن أعضاء البرلمان المتهمين بالفساد خطوة في الاتجاه الصحيح ولكن، أكرر، إن النتيجة النهائية هي ما يهم في نهاية المطاف.
وفيما يتعلق بالانتخابات، قام مجلس النواب العراقي مؤخراً بتعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات. ولا بد لي من القول إن بعض الأحكام تثير قلقاً كبيراً وربما تؤدي إلى استبعاد العديد من الناخبين الذين لولاها لكانوا مؤهلين للمشاركة. كما أن شفافية ومساءلة المؤسسات والعمليات الانتخابية ليست مضمونة بما فيه الكفاية في الوقت الراهن.
في حين أن هذه الانتخابات – المتوقع اجرائها في شهر نيسان عام 2020 - ستكون حاسمة ومتأخرة عن موعدها، فقد أوضحت أن الانتخابات الحرة والنزيهة وذات المصداقية هي المفتاح لإحياء ثقة الجمهور. بمعنى آخر: ستواصل البعثة تسليط الضوء على أهمية ضمان حق الاقتراع العام والحاجة إلى الشفافية والمساءلة للمؤسسات والعمليات الانتخابية وكل ذلك أساسي لجعل الانتخابات شاملة وذات مصداقية.
والآن سيدتي الرئيسة،
اسمحوا لي الأن بالانتقال الى قضية المفقودين الكويتيين ورعايا البلدان الاخرى والممتلكات الكويتية المفقودة بما في ذلك المحفوظات الوطنية.
يسرني أن أبلغكم عن احراز تقدم (كبير) في هذا الملف يتمثل في استخراج بعض العينات من الرفات البشرية في شهر آذار الماضي من أحد مواقع الدفن في محافظة المثنى العراقية والتي تم تأكيدها الآن على أنها تخص بعض الكويتيين المفقودين الذين كنا نبحث عنهم. في حين تستمر عمليات تحليل الحمض النووي على الرفات البشرية الأخرى. ويمكنني أن أؤكد أيضًا بأنه، في وقت سابق اليوم، قامت الحكومة العراقية بتسليم أكثر من 40000 كتاب كويتي يخص الأرشيف الأميري والمحفوظات الوطنية إلى السلطات الكويتية.
والآن، كما هو الحال دائماً، وضمن هذا السياق، أود أن أشيد بالتعاون البنّاء المستمر بين العراق والكويت تحت رعاية اللجنة الدولية للصليب الأحمر وبمساعدة لا تقدر بثمن من اللجنة الثلاثية.
آمل حقاً أن تمنح الاكتشافات الأخيرة في النهاية بعضاً من العزاء -أخيراً- لأسر المفقودين التي نعرب لها عن عميق تعاطفنا.
سيدتي الرئيسة، في الختام، أود أن أضيف بعض الكلمات،
بوِدّي التأكيد على أن التحديات الهائلة التي يواجهها العراق لم تنشأ بين عشية وضحاها، ولا هي نتاج أفعال عراقية فقط. على هذا النحو، لن يتم حلها بحلول يوم غد. بعبارة أخرى: يتوجب على العراقيين المضي قدماً وهم متوحدين ويقف إلى جانبهم المجتمع الدولي.
شكرا جزيلاً.