نلتقي اليوم في ذكرى واحدةٍ من أصعب الصفحات في تاريخ العراق الحديث. فقبل تسعِ سنوات، أي في 19 آب/ أغسطس 2009، هزّت بغدادَ في عمقها ثلاثُ سياراتٍ مفخخة وعدة قذائف هاون استهدفت وزارتي الخارجية والمالية، فضلاً عن أجزاء أخرى من العاصمة.
وجرّاء هذه الهجمات، فقد أكثر من 101 شخصاً أرواحهم، وأُصيب ما لا يقل عن 565 آخرين.
وكان الإرهابيون الذين خططوا لهذه الهجمات ونفذوها يهدفون إلى زعزعة استقرار الحكومة التي تولّت لتوها المسؤولية الكاملة عن الأمن في البلاد.
وليس من قبيل الصدفة أن هذه الهجمات الشنيعة تمّت بعد ستة أعوام بالضبط من تدمير مقر الأمم المتحدة في بغداد بتفجير ضخم أسفر عن مقتل 22 من موظفي الأمم المتحدة، بمن فيهم الممثل الخاص للأمين العام آنذاك السيد سيرجيو فييرا دي ميلو. وأصيب أكثر من مائة آخرين.
وقد كانت الرسالة من الهجومين واضحة: أنّ على كل الذين يهدفون إلى إحلال السلام والازدهار في العراق أن يخافوا على حياتهم.
وكما أن الناجين من الهجوم على الأمم المتحدة في عام 2003 ما زالوا يعملون مع الأمم المتحدة، فأنا على يقين من أننا بينما نتحدث هنا، هناك أشخاصٌ بيننا اليوم هم ممن شهدوا الهجوم على وزارة الخارجية مباشرة. وبالرغم من أهوال ذلك اليوم والكوارث العديدة التي عصفت بالعراق منذ ذلك الحين، فقد ظلوا ملتزمين بتأدية دورهم في بناء مستقبل آمن طويل الأمد لبلدهم. وأنا أثني عليهم من صميم قلبي على ثباتهم وشجاعتهم. وليس الزملاء الذين شهدوا الهجمات مباشرة فقط هم من يستحقون الثناء، بل حتى الجيل الجديد من موظفي الخدمة المدنية الذين انضموا منذ ذلك الحين إلى صفوف الحكومة سعياً إلى تحسين حياة عامة المواطنين العراقيين من خلال ضمان احترام حقوقهم وتلبية احتياجاتهم.
إنها ليست مهام سهلة. وإذا كان التاريخ قد علمنا شيئاً واحداً، فهو أن مسار التقدم ليس خطياً دائماً.
ومن الاستنتاجات المهمة الأخرى أن التقدم لا يعتمد فقط على الأفكار الكبرى، بل يعتمد أيضاً على تفاني موظفي الخدمة المدنية - والمدنيين الذين يمارسون حياتهم اليومية والأعمال التجارية بما يتماشى مع القوانين والتقاليد والممارسات التي تحكم الوجود الحضاري والتنظيمي.
نحن في الأمم المتحدة نشعر بالامتنان للدعم الدؤوب الذي تواصل وزارة الخارجية تقديمه لنا، مما سمح لنا بمرافقة الشعب العراقي في هذه الرحلة.
ونتيجة للجهود المشتركة التي تبذلها الحكومة والمواطنون العراقيون، يمكننا القول إنه بعد مرور تسع سنوات على ذلك الهجوم الإجرامي وموجات الإرهاب اللاحقة، أصبح العراق مكاناً أكثر أمناً يستعيد بخطىً ثابتةٍ مكانه الذي يستحق بين الأمم.
وفي حين نقدّر هذا التقدم، فإننا نستذكر تضحيات أولئك الموظفين المدنيين والمواطنين الذين سقطوا خلال الهجوم في آب/أغسطس 2009 ونجلّ ذكراهم.
وليكن المستقبل الباهر لهذا البلد هو إرثهم.
بغداد، العراق
2 آب/ أغسطس 2018