إحاطة الممثل الخاص للأمين العام في العراق السيد يان كوبيش في اجتماع مجلس الأمن نيويورك، 13 تشرين الثاني 2018 (كما تم تقديمها)
السيد الرئيس،
السيدات والسادة أعضاء مجلس الأمن الموقرون
بعد المصادقة على نتائج الانتخابات بتاريخ 19 آب، مضت عملية تشكيل الحكومة قُدُماً بانتخاب السيد محمد الحلبوسي رئيساً لمجلس النواب بتاريخ 15 أيلول، والسيد برهم صالح رئيساً لجمهورية العراق بتاريخ 2 تشرين الأول، والذي عين بدوره السيد عادل عبد المهدي رئيساً للوزراء.
وبتاريخ 24 تشرين الأول، استعرض مجلس النواب العراقي البرنامج الحكومي الجديد وصادق على 14 وزيراً من أصل 22 ومنح الثقة للسيد عادل عبد المهدي رئيساً للوزراء. وجرى تسمية وزراء لوزارات المالية والخارجية والنفط من بين الوزارات السيادية الخمس ومن المنتظر ان يتم تسمية وزيري الدفاع والداخلية. ولم يتم إسناد أي منصب وزاري لأي من المرشحات النساء أو للأقليات، بيد أن رئيس الوزراء ينظر في منحهم مناصب حكومية ومناصب أخرى بارزة في الجولات اللاحقة من تشكيل الحكومة.
السيد الرئيس،
وفي الوقت الذي لم تخلو فيه عملية تشكيل الحكومة من الجدل، أبدت الكتل السياسية رغبةً في دعم رئيس الوزراء. فالتنافس والخلافات كانت ذات طابع سياسي في الأغلب وليس طائفياً، وهذا يمثل بحد ذاته تحولاً تاريخياً. وكان لتوجيهات المرجع الديني الأعلى سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني الأثر البالغ في هذه العملية. وقد قاد المفاوضات الرئيسة مع رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، سماحة السيد مقتدى الصدر عن تحالف (سائرون) والسيد هادي العامري عن تحالف (الفتح) نيابة عن تحالفيهما – الإصلاح والبناء، على التوالي. ويضطلع جميع هؤلاء الشركاء الرئيسيون والقوى السياسية بمسؤولية خلق بيئة مواتية تمكن رئيس الوزراء الجديد والحكومة الجديدة من تنفيذ برنامج الحكومة واستقرارها. وسيكون الدعم الذي توليه جميع القوى السياسية الممثلة في مجلس النواب ضرورياً، بما في ذلك تلك التي ستشكل المعارضة للمرة الأولى منذ عام 2003. وبخلاف ذلك فأن القوى السياسية والقادة العراقيون سيخذلون شعبهم.
السيد الرئيس،
يمثل برنامج الحكومة، والذي يتضمن إسهامات استشارية من الأمم المتحدة، المخطط العام لمشروع وطني للاستجابة لاحتياجات ومطالب الشعب العراقي. وكما هو مذكور في البرنامج، فإن المواطن هو محور هذا البرنامج وركيزته. ويتضمن البرنامج خططاً محددة للإصلاح والاستثمار والقطاع الخاص ونقل العراق من بيئة الأزمات الى التنمية المستدامة ويوصي باتخاذ خطوات للتصدي للفساد المستشري في جميع القطاعات وضع إطاراً إرشادياً للتخطيط والعمل في كل وزارة. وبالإضافة الى تحقيق تحسن ملموس في الحياة اليومية للمواطنين العراقيين، فإن خلق فرص عمل للعاطلين سيما الشباب يمثل أحد مجالات التركيز المهمة في البرنامج. ومن بين الأولويات المهمة التي ينص عليها البرنامج هو تأهيل وإعادة إعمار المناطق المحررة وعودة النازحين. ويهدف البرنامج الى تعزيز الأمن ومحاربة الإرهاب وتعزيز القانون والنظام وسيادة القانون والذي يتحقق، من بين جملة أمور، من خلال وضع جميع الأسلحة تحت السيطرة الصارمة للدولة. كما ويشدد البرنامج على منع تشكيل الميليشيات خارج إطار الدولة، وسحب القوات من المدن. ويؤكد البرنامج على إيلاء اهتمام خاص لمعالجة التحديات القائمة مع إقليم كردستان، بضمنها قضايا تخصيص الميزانية والموارد المالية والنفط والمناطق المتنازع عليها.
السيد الرئيس،
أودُ هنا أن أُثني على الانتقال الديمقراطي المثالي للسلطة الذي جرى بين رئيس الوزراء المنتهية ولايته السيد حيدر العبادي ورئيس الوزراء المكلف السيد عادل عبد المهدي. ففي حفل التسليم الذي جرى بتاريخ 25 تشرين الأول، أشار السيد حيدر العبادي الى الإنجازات التي حققتها حكومته والمتمثلة بهزيمة تنظيم داعش وتوحيد البلاد على أساس الدستور في الوقت الذي كان فيه الوضع الاقتصادي للبلاد متدهوراً بسبب الفساد المتجذر والانخفاض الكبير في أسعار النفط. وأشار الى عودة ملايين الأُسر النازحة الى المناطق المحررة وتشكيل جيش وقوات أمن وطنية. وأشار ايضاً الى تطور العلاقات التي تربط العراق بجميع جيرانه، بما في ذلك الدول العربية. وأخيراً، شدد السيد العبادي على ان العمليات السياسية في العراق شهدت تحولاً تدريجياً من النهج والخطاب الطائفيين. وعلى كل هذا، يستحق السيد العبادي وحكومته وحكومة إقليم كردستان ومختلف صنوف وتشكيلات القوات المسلحة وشعب العراق، يستحقون التقدير والعرفان.
ينبغي على العراق الآن ان يبني على هذه الأُسس. وتعتزم الحكومة الجديدة البدء فوراً وبالأخص بتوفير الخدمات وخلق فرص العمل وإصلاح الاقتصاد وتنشيطه والحكم الرشيد الفعال بما في ذلك محاربة الفساد والقيود الإدارية. وفي هذا الصدد، فأن العراق سيكون بحاجة الى الدعم المستمر من المجتمع الدولي وسيعول عليه. يجب ان لا نخذلهم.
السيد الرئيس،
في 30 تشرين الأول، تمت المصادقة على نتائج انتخابات برلمان إقليم كردستان والتي اُجريت في 30 أيلول. وعقد البرلمان الجديد جلسته الأولى يوم 6 تشرين الثاني إلا أنه لم يفلح في انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه.
ويعتزم الحزب الديمقراطي الكردستاني المهيمن الآن التشاور مع جميع الأحزاب السياسية في إقليم كردستان، وبالأخص الإتحاد الوطني الكردستاني حول تشكيل الحكومة.
السيد الرئيس،
إن الحكومة العراقية الجديدة تعتزم اتخاذ تدابير مُحكمة تهدف إلى مزيد من التحسن وإلى تحقيق الأمن المستدام في جميع أنحاء البلد من خلال تكثيف الجهود لاستئصال خلايا داعش الإرهابية بغية مواجهة تلك الأعمال العدوانية. وهناك تقارير شبه يومية تفيد باعتقال أو تحييد إرهابيين من داعش وقادتهم وخلاياهم النائمة ومداهمة مخابئهم.
لقد كانت التدابير الأمنية التي اتخذت لتأمين زيارة الأربعين ناجحة. ومن بين الخمسة عشر مليون زائر الذين شاركوا فيها سُجل دخول ما يقرب من مليوني زائر أجنبي إلى العراق على نحو قانوني وآمن. وقد فشلت محاولات تعكير صفو تنقل هذا العدد الهائل من الناس.
وأفادت تقارير أن معظم تحركات داعش في الأشهر الأخيرة كانت في الصحراء التي تربط وسط العراق ومحافظتي الأنبار ونينوى، امتداداً إلى حدود العراق الغربية مع سوريا. ورداً على ذلك، فقد نشر العراق قوات قوامها الآلاف على الحدود مع سوريا بغية كبح تنظيم داعش الذي لا زال يسيطر على العديد من المناطق على الجانب الآخر من الحدود في محافظة دير الزور السورية. كما لا يزال التنظيم ناشطاً في بعض المحافظات العراقية الأخرى، وعلى الأخص في كركوك وصلاح الدين وديالى.
السيد الرئيس،
تواصل البعثة دعوتها إلى تحقيق العدالة والمساءلة بشأن الجرائم الدولية. ففي السادس من تشرين الثاني نشرت البعثة بالاشتراك مع مكتب المفوضية السامية لحقوق الانسان تقريراً بعنوان "الكشف عن الفظائع: المقابر الجماعية في المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش". لقد تم اكتشاف ما لا يقل عن 202 مقبرة جماعية في العراق، ويعتقد أنها تضم رفات الآلاف من ضحايا الفظائع التي ارتكبها تنظيم داعش.
ويسرني أن أشير إلى أن المستشار الخاص ورئيس فريق تحقيق الأمم المتحدة لتعزيز المساءلة بشأن جرائم داعش (يونيتاد) السيد كريم خان قد وصل إلى العراق في 30 تشرين الأول الماضي.
السيد الرئيس،
لقد شكلت البعثة في شهر تشرين الأول مجموعة استشارية لتعزيز دور المرأة في المصالحة والعملية السياسية في العراق (WAG) والتي ستعمل بوصفها آلية مشاركة سياسية بغية التأكد من تضمين صوت ومخاوف وتجارب المرأة العراقية في العمليات السياسية التي تصوغ شكل المصالحة الوطنية على أساس مبادئ التعايش السلمي واحترام التنوع وعدم التمييز.
السيد الرئيس،
بعد ما يقرب من عامين من هزيمة داعش على يد قوات الأمن العراقية وحلفائها من قوات التحالف الدولي، لا يزال أكثر من 1،9 مليون شخص نازحين، لا سيما في شمال وغرب البلاد. وعلى الرغم من عودة 4 ملايين شخص إلى ديارهم منذ انتهاء النزاع، إلا أن معدل العودة قد انخفض بدرجة كبيرة. كما تركز الأطراف الفاعلة في المجال الإنساني وكبير مستشاري شؤون حماية المرأة في البعثة على أفضل سبل تعزيز تمركز الحماية حول النساء والأطفال الذين يعتقد أنهم مرتبطون بالجماعات المتطرفة.
وأحد العقبات الخطيرة التي تقف أمام عودة النازحين هي أنه لم يتم تلبية الاحتياجات المتعلقة بإزالة الألغام من المباني السكنية من خلال الأطراف الفاعلة في مجال الإجراءات المتعلقة بالألغام. وقد حقق صندوق تمويل الاستقرار الفوري إنجازاً مهماً باستكمالها 1517 مشروعاً في قطاعات العمل التسعة في المحافظات الخمس المحررة في البلاد. وقد تم طرح 245 مشروعاً جديداً للمناقصات، ولكن لن يتم تنفيذها بدون دعم إضافي من المانحين.
كما نحث الحكومة على البدء في تقديم إسهاماتها في برامج التنمية الدولية التي يمولها المانحون، بما في ذلك البرامج التابعة لصندوق تمويل الاستقرار الفوري.
السيد الرئيس،
إن الحاجة إلى تحقيق نتائج ملموسة في المشروعات العامة التي تتخطى التركيز الحالي على المناطق المحررة أكثر وضوحاً في محافظة ومدينة البصرة في الجنوب. إذ أدت ندرة المياه إضافة إلى ارتفاع مستوى التلوث في إمدادات مياه الشرب إلى دخول أكثر من 100،00 شخص إلى المستشفيات بإعراض التهابات معوية في الفترة ما بين منتصف آب ومنتصف تشرين الأول.
السيد الرئيس،
في 28 تشرين الأول، ترأست الحكومة العراقية الاجتماع الرسمي الأول للجنة التنفيذية للإنعاش وإعادة الإعمار والتنمية. وهي لجنة رفيعة المستوى مكلفة بتوفير محفل لتنسيق الإرشاد الاستراتيجي حول الأولويات الوطنية للمضي قدماً في العمل الذي نص عليه مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق الذي عقد في شهر شباط من هذا العام. وهو ما يدل على التحول الواثق للحكومة نحو التنمية والاستثمار.
السيد الرئيس،
يسعدني أن أبلغكم بأنه في الحادي عشر والثالث عشر من تشرين الثاني 2018، وبعد أكثر من عام من التحضيرات، سلّم السيد الرئيس برهم صالح وممثلو وزارة الخارجية العراقية المعنيون إلى وزارة خارجية دولة الكويت العديد من أصناف الممتلكات التي تم الاستيلاء عليها أثناء غزو الكويت، ومن بينها سيفٌ ولوحات ثمينة وما يزيد على 2,300 كتاب، بالإضافة إلى أرشيف يحتوي على أشرطة فيديو تابعة لتلفزيون الكويت.
وأرحّب بهذا المؤشر الواضح على التزام الحكومة العراقية بحلّ هذا الملف المعقّد من المسائل العالقة مع الكويت؛ وعندما التقيت بوزير الخارجية العراقي الجديد السيد محمد الحكيم في الخامس من تشرين الثاني، أكد لي اهتمامه البالغ ودعمه للجهود المبذولة بشأن هذا الملف المهم.
السيد الرئيس،
في الختام، وبما أن هذا هو تقريري الأخير إليكم بصفتي الحالية، أود أعن أعرب عن امتناني لكم ولمن سبقوكم في رئاسة المجلس وللسادة أعضاء مجلس الأمن للدعم الكريم الذي قدمتموه لي خلال الثلاث سنوات والتسعة أشهر التي قضيتها في منصبي.
وأود أيضاً أن أعبر عن تقديري البالغ لموظفيّ بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) وفريق الأمم المتحدة القطري لما أبدوه من تفانٍ ومهنية وجهود اتسمت بالمبادرة والتزام راسخ بالعمل دعماً لولاية البعثة وولاية الأمم المتحدة، خدمةً للعراق وشعبه.
وأود كذلك أن أعبر عن امتناني وتقديري للسيدة أليس وولبول نائبتي للشؤون السياسية والمساعدة الانتخابية، والسيدة مارتا رويداس نائبتي للشؤون الإنسانية والتنموية، لتعاونهما وقيادتهما القديرة لأنشطة الأمم المتحدة في أنحاء العراق.
وأخيراً، أود أن أرحب ترحيباً حاراً بخلفي، السيدة جينين هينيس-بلاسخارت ، وأتمنى لها النجاح في قيادة البعثة ومساعدة العراق تجاه تحقيق السلام والاستقرار والإزهار بشكل دائم ومستدام لشعبه. وأشجع السلطات والمجتمع في العراق على منح السيدة هينيس-بلاسخارت نفس ما أظهروه لي من دعمٍ وتعاون سخيين خلال ولايتي.
لقد تشرّفت بخدمة الأمم المتحدة والعراق خلال فترة اتسمت بالصعوبة على نحوٍ خاص، والتي انتهت بشكل جيد على الرغم من كل الصعاب والشكوك، فيما يلوح في الأفق مستقبل واعد للبلاد وشعبها. إن العراق يمثل قصة نجاح تدعو للتفاؤل في منطقة تتسم بالكثير من التوجهات والتطورات السلبية. ولقد أثبتت الأمم المتحدة في العراق أهميتها وسوف تواصل البناء على القواعد الراسخة لشراكتها القوية مع العراق وشعبه.
شكراً سيدي الرئيس.