بيان الأمين العام لمؤتمر إعادة الإعمار في العراق [كما أعد للتقديم]
الكويت، 14 شباط/ فبراير 2018
يسرني أن أكون هنا معكم اليوم لمناقشة إعادة إعمار العراق، البلد الذي عانى كثيرا، والذي لديه الكثير مما يمكنه الإسهام به للعالم.
وأشكر حكومة الكويت على إبدائها مرة أخرى التزامها تجاه البلد الجار.
ونحن جميعا نشعر بالامتنان لسمو الأمير على دوره كبانٍ للجسور ووسيط نزيه ومصدر دعم لبلدان المنطقة والعالم. وقد ساعد سخاء الأمير في استضافة مؤتمرات المانحين لشعب سورية في جمع مليارات الدولارات للجهود الإنسانية.
إن تفاني الكويت في القضية الإنسانية يتجاوز سورية والعراق ليشمل دول تشاد وإثيوبيا وكينيا ونيجيريا والصومال والسودان. وفي العام الماضي، شاركت الكويت في استضافة مؤتمر للمانحين للاجئي الروهينجا والمجتمعات المضيفة في بنغلادش.
وقد حظيت مساهمتكم عن جدارة بتقدير سلفي الأمين العام السابق، والذي قام بتعيين أمير البلاد قائداً إنسانيا وتكريم دولة الكويت مركزاً إنسانياً.
واليوم، أود أن أكرر الإعراب عن تقديري وشكري.
وأود أيضا أن أهنئ حكومة العراق وشعبه على انتصارهم على حملة داعش الإجرامية. وأشيد بعزمهم وصمودهم في مواجهة المعاناة التي تفوق التصور.
وأتمنى لرئيس الوزراء العبادي كل النجاح في جهوده لبناء مستقبل متماسك وخال من الطائفية في العراق.
لقد أُزهقت أرواح عشرات الآلاف من العراقيين. وخسر مئات الآلاف منهم منازلهم وسبل عيشهم. وقد نزح ما يقرب من ستة ملايين شخص. واستُهدفت النساء والفتيات بالعنف الجنسي على نطاق مروع.
وقد بذل العراقيون جهدا وطنيا كبيرا، حيث وفروا 80 في المائة من الدعم الإنساني اللازم لمواطنيهم من الرجال والنساء.
وطوال فترة النزاع، لم يتخلّ الشعب العراقي عن تقاليده الأسطورية بكرم الضيافة، حيث فتحت الأسر والمجتمعات المحلية في جميع أنحاء البلاد منازلها لأولئك الذين فروا من الموت والفوضى.
وقد شاهدت بنفسي العراقيين الذين لم يكن لديهم شيء، ولكنهم يجدون الموارد بأي طريقة لمساعدة الآخرين. وما كان العراقيون ليرفضوا أبدا مساعدة غريب في مأزق. ويبدو أحيانا أن أولئك الذين لا يملكون إلا القليل هم الأكثر عطاءً من غيرهم للآخرين.
وقد دعمت الأمم المتحدة وشركاؤها من المنظمات الحكومية وغير الحكومية والمجتمع المدني الجهود الوطنية التي أوصلت المساعدة إلى نحو مليوني شخص كل شهر.
وسيواصل المجتمع الدولي الوقوف مع العراق وهو يتعافى من ذلك الكابوس الجاثم.
وقد أدى النزاع إلى مستويات هائلة من الدمار.
ولا تزال المدارس والمستشفيات والطرق والمنازل ملوثة بالذخائر غير المنفلقة والعبوات الناسفة المرتجلة. وباتت أحياء كاملة، بل وحتى مدن بأكملها، غير صالحة للسكن.
لقد توقف القتال الآن، ولكن لا زالت هناك مهمة جسيمة.
العراقيون يبنون عراقا جديدا.
وينبغي لنا جميعا أن نكون مستعدين لدعم جهودهم لبناء بلد ملتزم بالوحدة والشمول على جميع المستويات وفي جميع المجالات.
عراقاً مستعداً لإصلاحات واسعة النطاق، بما في ذلك في قطاعي المال العام والأمن.
وستقوم منظومة الأمم المتحدة بدورها وتقف معكم في كل خطوة على هذا الطريق.
لقد عاد ملايين النازحين إلى ديارهم لإعادة بناء حياتهم.
إلا أن قرابة 2.5 مليون شخص ما زالوا نازحين.
ومساعدتهم على العودة الطوعية الآمنة والكريمة إلى ديارهم هي من أولى الأولويات في العراق.
ويعمل مشروع تمويل إعادة الاستقرار التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في 25 مدينة وقضاء، ويقدم الدعم لعودة النازحين إلى ديارهم، ويضع الأساس لإعادة الإعمار والتعافي.
ولكن علينا فعل المزيد، وسنفعل ذلك.
اليوم، يسرني أن أطلق برنامج الأمم المتحدة للتعافي والقدرة على مواجهة الأزمات في العراق.
لقد تم إعداد هذا البرنامج الذي يستمر لسنتين لمساعدة الحكومة على تسريع الأبعاد الاجتماعية لإعادة الإعمار.
وهو يهدف إلى إدخال تحسينات فورية وملموسة على حياة الناس اليومية، بدلاً من الأطر الزمنية الطويلة المرتبطة بمشاريع البنية التحتية الرئيسية والإصلاحات الاقتصادية.
وسيعيد البرنامج تنشيط المناطق المعرضة لخطر العنف، ويدعم المشاركة السياسية الواسعة والتنمية الاجتماعية الشاملة.
وسيساعد برنامج التعافي والقدرة على مواجهة الأزمات أولئك الذين عانوا أكثر.
وسيعطيهم الأمل والفرص.
وسيشكل التعليم والثقافة والتراث أيضا عناصر أساسية لنجاح عملية الإعمار. ومبادرة اليونيسكو لتنسيق الجهود الدولية لإعادة إعمار مدينة الموصل القديمة تستحق دعمنا الكامل.
وأنا أحث جميع الموجودين هنا اليوم على دعم هاتين المبادرتين سياسيا وبالموارد.
وينبغي أن تسير برامج إعادة الإعمار والتنمية جنبا إلى جنب مع استراتيجية لمنع تكرار التطرف العنيف والإرهاب في العراق.
ويجب أن يشمل ذلك الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وسيكون هناك دور رئيسي للمجتمع المدني.
ويجب أن تعالج سياسات مكافحة الإرهاب العوامل التي تؤدي بالشباب إلى التطرف، بما في ذلك نقص التعليم وغيره من الفرص.
وهذا يستدعي إعداد برامج للتنمية الوطنية والدولية لإعطاء الأولوية للتدريب وفرص العمل لشباب العراق من النساء والرجال.
وقد عانت النساء والفتيات وجميع من تخطوا الأدوار التقليدية للجنسين من انتهاكات فظيعة في العراق خلال السنوات الأخيرة، من الإعدام إلى التعذيب والرق الجنسي. وعلينا أن نواصل تقديم الدعم لهم لمساعدتهم على الشفاء.
ويجب أن تشمل عملية المصالحة في العراق أيضا المساءلة عن الجرائم التي ارتكبت. وينبغي أن تشارك المرأة مشاركة كاملة في صنع القرار بشأن جميع المسائل السياسية، من إعادة الإعمار إلى المصالحة الوطنية.
وأدعو السلطات إلى التنفيذ الكامل لخطة العمل الوطنية العراقية بشأن قرار مجلس الأمن 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن، فضلا عن البيان المشترك بشأن العنف الجنسي المتصل بالنزاعات.
وتشكل المصالحة الوطنية والوحدة ضرورة، وهي أيضا فرصة لمعالجة أسباب التطرف العنيف.
وسيتطلب النجاح التوصل إلى حل توفيقي من أجل الصالح العام.
ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال استيعاب مصالح جميع مكونات المجتمع العراقي. ويجب أن يقوم الاتفاق على أساس المواطنة والمساواة في الحقوق والفرص للجميع.
إن التنوع الديمغرافي في العراق جزء حيوي من تاريخه الغني.
ويتقاسم العراقيون جميعاً ماضيا رائعا ومستقبلا واعدا.
ومن المشجع أن أرى تقدما في الحوار بين بغداد وأربيل، وآمل أن تستمر الاجتماعات بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان ويتم حل القضايا العالقة.
وستكون الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في أيار/ مايو عنصرا رئيسيا في وحدة العراق واستقراره السياسي وإعادة الإعمار والانتعاش الاقتصادي فيه.
وستكون مشاركة النساء والشباب والأقليات والمجتمع المدني في العملية الانتخابية حاسمة.
لقد نجا العراق وشعبه من رعب وألم كبيرين.
والعالم كله مدين لكم لكفاحكم ضد التهديد العالمي القاتل الذي يشكله تنظيم داعش.
لقد حان الوقت لإظهار امتناننا الدائم وتضامننا مع الشعب العراقي.
والأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأسره يقفان مع العراق. شكرا لكم.