إحاطة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق السيدة جينين هينيس-بلاسخارت المقدمة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة | 2 شباط/فبراير 2023
سيدتي الرئيسة،
السيدات والسادة أعضاء المجلس الموقرون،
في أيار/مايو من عام 2003، قبل ما يقرب من 20 عامٍ مضى، تبنى مجلس الأمن القرار رقم (1483) بغية رسم طريق للمضي قدماً لعراق ما بعد صدام. وتم تعيين السيد سيرجيو فييرا دي ميللو ممثلاً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة في العراق لأربعة أشهر للمساعدة في تأسيس عمليات الأمم المتحدة في مراحلها الأولى.
وصرح حينها: لقد عانى شعب العراق، كما نعلم جيداً، وعانى بما فيه الكفاية. وقد حان الوقت لأن […] نجتمع جميعاً لضمان انتهاء هذه المعاناة، وأن يتولى العراقيون زمام مصيرهم بأنفسهم […].
وفي نفس السنة، في منتصف شهر آب/أغسطس 2003، أسس المجلس بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي). وعقب ذلك بأيام معدودة، فقد السيد سيرجيو فييرا دي ميللو و(21) شخصاً من زملائه حياتهم من جراء اعتداء استهدف مقر الأمم المتحدة في بغداد، كما أصيب (150) زميلاً آخرين في ذلك الانفجار. وفي حين سقط هؤلاء ضحايا للعنف الذي التزموا بإيقافه، واصلنا عملنا. سيكون عام 2023، بالتأكيد، عاماً للذكرى- بطرق عديدة. وأودّ أن أغتنم هذه الفرصة لشكر الحكومات العراقية المتعاقبة لعلاقة العمل البنّاءة التي حافظت عليها مع الأمم المتحدة طوال هذين العقدين الماضيين.
سيدتي الرئيسة،
خلال السنوات الأربع الماضية غالباً ما قلتُ إنه من الصعب الحكم على الوضع في العراق بدون وضع ذلك ضمن السياق التاريخي للبلد، حيث ما زالت عقود من الاضطراب تترك أثرها على الحاضر، وما يزال هذا واقعاً حتى اليوم. إن التحديات التي تواجه العراق لم تظهر بين ليلة وضحاها، وإن التعامل مع كلٍ من إرث الماضي وتحديات الحاضر العديدة يتطلب وقتاً، بصرف النظر عمّن يكون في موقع القيادة. كذلك ينبغي التأكيد على أنه لا توجد حكومة تتمكن من القيام بذلك بمفردها، وبكلمة أخرى: من الأهمية بمكان أن تعطي الأحزاب السياسية والأطراف الفاعلة الأخرى الأولوية لمصلحة البلد على كافة المصالح الأخرى، ففي نهاية المطاف: يمثل ذلك مسؤولية مشتركة، وسيبقى كذلك.
وحيث أن أي حكومة ستحتاج إلى وقت ودعم سياسي واسع للمضي بالعراق قدماً، دعوني أشدد على أهمية التعامل مع توقعات الشعب، فالمبالغة بالوعود والإخفاق في تنفيذها يمكن أن يكون له عواقب وخيمة، ولن يؤدي تجميل الموقف إلّا إلى زيادة مشاعر الإحباط وخيبة الأمل.
سيدتي الرئيسة،
منذ ثلاثة أشهر منح مجلس النواب العراقي الثقة للرئيس الجديد والحكومة الجديدة، واضعاً بذلك نهاية لما يزيد على سنة من التوترات والخلاف السياسي ولعبة الصراع على السلطة. وشغلت ثلاث نساء مناصب وزارية من بين (23) وزيراً، وغني عن القول: إننا ننتظر بفارغ الصبر زيادة أخرى في عدد النساء اللاتي يشغلن مناصب صنع القرار. وبالتطلع إلى المستقبل، وكما أوضحت، ليس لأحد أن يتوقع إيجاد حل للتحديات التي تواجه العراق بين ليلة وضحاها، بيد أني أود أيضاً أن أنظر إلى الأمر بإيجابية.
في إحاطتي الأخيرة التي قدمتها إلى المجلس في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي شددت (لم تكن تلك أول مرة) على أن العديد من الفرص للقيام بإصلاحات مجدية وتمس الحاجة إليها قد أهدرت منذ عام 2003، مع التشديد على أن تفشي الفساد هو السبب الجذري الرئيس للاختلال الوظيفي في العراق. لقد أوضحت أن الوقت قد حان للعمل بشأن العديد من القضايا الرئيسية، وأن فرصة القيام بذلك قصيرة جداً.
وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من تشكيلها، أبدت الحكومة العراقية الجديدة - بقيادة رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني- التزامها بالتصدي لأشد التحديات التي تواجه البلد إلحاحاً، والتي تشمل الفساد المستشري وسوء تقديم الخدمات العامة وارتفاع مستويات البطالة.
فعلى صعيد محاربة الفساد، اتخذت الحكومة عدداً من الخطوات الهامة، بما في ذلك ما يخص استرداد الأموال المنهوبة والتحقيق في المزاعم المتعلقة بالفساد.
ولا يسعني إلا أن أشجع الحكومة العراقية على المثابرة، حيث إن أولئك الذين سيتضررون من ذلك سيسعون بلا شك إلى عرقلة هذه الجهود. ولكن إذا أراد العراق بناء نظام يخدم احتياجات المجتمع بدلاً من خدمة مجموعة مغلقة، فإنّ ضمان مساءلة مختلف الأطياف يغدو أمراً بالغ الضرورة. وهذا يعني عدم إعطاء أي فسحة من الوقت لأولئك الذين يسحبون موارد الدولة لخدمة مصالح خاصة و/أو غيرها. بالإضافة إلى ذلك، فإن التغيير الممنهج سيشكل أهمية قصوى. لقد أوضحت مراتٍ عديدة أنّ الفساد في العراق قد تحوّل على مرّ السنين إلى منظومة – أي أنه يتجاوز تمثّله في مجموعة من الأفراد أو سلسلة من الأحداث.
وينبغي أيضاً الاعتراف بالجهود الحكومية المتواصلة لتحسين تقديم الخدمات العامة. بيد أنه، ومع مراعاة إدارة توقعات الجماهير، أودّ أن أذكر أنّ إحداث تغييرٍ ملموس (يؤثر بشكلٍ إيجابي على حياة جميع المواطنين) سيستغرق وقتاً – لأن ذلك لا يمكن أن يحدث إلاّ من خلال تغيير هيكلي يتطلّب إصلاحاً اجتماعياً واقتصادياً شاملاً، ومؤسساتٍ أقوى، وإدارة أفضل على جميع الصعد.
كما أنّ التأخير في الإصلاح الاقتصادي والنقدي والمالي، الذي تمسّ الحاجة إليه والذي طال انتظاره، واضح في جميع أنحاء البلاد، ولا يمكن إنكاره. وقد كان من المثير للقلق في الآونة الأخيرة، رؤية ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية مما زاد من الضغط على النساء والرجال العراقيين بشكل يومي. وعلى المدى القصير، يتضح أنه من الضروري إقرار الميزانية الاتحادية بأسرع ما يمكن، ولن يؤدي مزيد من التأخير سوى إلى تفاقم الوضع بسبب قيود الإنفاق المعروفة.
الآن – وبشأن هذا الموضوع، أودّ (مرة أخرى) أن أحذّر من الإجراءات التي ستؤدي إلى زيادة تضخّم قطاع الخدمة العامة في العراق. فعلى الرغم من الحاجة الملحّة لمعالجة مستويات البطالة المرتفعة، لا يمكن للعراق ببساطة تحمّل إضافة عبء جديد إلى قطاعٍ عام متضخم إلى حد كبير بالفعل. وفي ملاحظة ذات صلة، اسمحوا لي أن أكرّر أن الاعتماد على النفط يجعل الاقتصاد العراقي أكثر عرضة للصدمات الخارجية. وبالتالي، يجب على العراق إيلاء الأولوية للتنويع الاقتصادي المستدام، بما في ذلك تطوير قطاعٍ خاص له القدرة على إضافة قيمة وخلق فرص عمل.
سيّدتي الرئيسة،
هناك بالطبع العديد من المجالات الأخرى التي تتطلّب اهتماماً عاجلاً من الحكومة العراقية؛ منها على سبيل المثال لا الحصر: التحديات البيئية الكبيرة، مروراً بأهمية استقلال الطاقة، واستمرار عودة المواطنين العراقيين من مخيّم الهول وغيره من المخيمات والسجون في شمال شرق سوريا، والحاجة إلى تنفيذ اتفاق سنجار بسرعة، والانتهاء من حوار كركوك الذي طال انتظاره، والانتقال من مرحلة الاستجابة الإنسانية تجاه مرحلة الحلول الدائمة والتنمية، إلى مسائل مثل التعديلات الدستورية وإحراز تقدّم جوهري في إصلاح قطاع الأمن.
سأقوم بالتأكيد بتقديم تقارير بشأن هذه المسائل في الإحاطات المقبلة، ولكن هناك مجالا آخر أود أن أذكره الآن؛ ألا وهو حماية حقوق الإنسان وتعزيزها، بما في ذلك المساءلة عن انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان. ولنقتبس مرة أخرى عن سيرجيو فييرا دي ميللو – قبل أن يسافر إلى بغداد عام 2003 – حيث قال: أعتقد أن احترام حقوق الإنسان هو الأساس المتين الوحيد لتحقيق السلام الدائم والتنمية. وانسجاماً مع هذه الكلمات، اسمحوا لي هنا أن أؤكد أن إسكات النقد البناء، أو إعاقته، أو رفضه، أو تقويضه يحقّق شيئاً واحداً فقط؛ وهو تشويه صورة البلد وتقويض ثقة الشعب، في حين أن تشجيع الخطاب العام يمكّن المؤسسات من الازدهار والتكيّف. وغنيٌّ عن القول إن الالتزام الصادق بحقوق الإنسان له أهمية قصوى لأي بلد، بما في ذلك العراق.
سيّدتي الرئيسة، أود أن انتقل الى الحديث عن العلاقات بين بغداد وأربيل. عبّر برنامج الحكومة عن الالتزام بحلّ المسائل العالقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، بما في ذلك تشريع قانون النفط والغاز في غضون ستة أشهر.
لقد تم اتخاذ خطوات أولية لتحقيق هذه الغاية، بما في ذلك عدد من الزيارات رفيعة المستوى وتشكيل لجان فنية مشتركة. وقد وصفت التحركات عموماً على أنها إيجابية وهو أمر جيد، إلا أن وجود حوار منظم، وهو أمر ينطوي على أهمية كبيرة لإضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات، مثل هذا الحوار ما يزال مفقودا. والأهم من ذلك، أن هذه المشاورات لم تترجم بعد إلى اتفاقات ملموسة، بما في ذلك كما ذكرنا، بشأن القضية الملحة المتمثلة في الميزانية لعام 2023.
ومع أخذ كل الأمور في الاعتبار، نأمل بألا يؤدي قرار المحكمة الاتحادية العليا الأخير إلى إعاقة المفاوضات الجارية بشأن الميزانية الاتحادية. ونأمل بدلا عن ذلك أن يكون لدى كل من بغداد وأربيل الحافز للوصول إلى ترتيبات دائمة للابتعاد عن استمرار حالة إدارة الأزمات.
وبالعودة إلى إقليم كردستان، وفي معرض إحاطاتي السابقة، أوجزت مخاطر الاقتتال السياسي الداخلي، وللأسف ما تزال الانقسامات بين الأحزاب الحاكمة في إقليم كردستان تترك آثارها السلبية على مؤسساته وشعبه، بل وأدت إلى مقاطعة أحد الأحزاب الائتلافية لجلسات مجلس الوزراء منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وقد منح اجتماعا عقد بين الأحزاب في السليمانية يوم السبت الماضي بصيص أمل، وبينما يعد الاجتماع في حد ذاته رسالة هامة، لا يسعني إلا أن أؤكد الحاجة إلى اتخاذ إجراء سريع وعملي. ولأكون أكثر وضوحا: ليس بوسع الأحزاب السياسية في إقليم كردستان أن تضيع مزيداً من الوقت، عليه، هناك حاجة ماسة إلى تسويات سريعة بشأن الخلافات النقدية والإدارية والأمنية والانتخابية العالقة.
سيّدتي الرئيسة، وفيما يتعلق بعلاقات العراق الخارجية، يسعدني أن أبلغكم بأن الحكومة العراقية واصلت في سياسة الانفتاح والتوازن القائمة بالطبع على المصالح المشتركة وأيضا احترام مبادئ سيادة الدول وسلامتها الإقليمية وحسن الجوار. وكما ذكرت خلال مؤتمر "بغداد 2" الذي عقد في عمان بتاريخ 20 كانون الأول/ديسمبر، فإنني أؤيد وبشدة رئيس الوزراء العراقي في مساعيه لجعل العراق منتدى للحوار والاستثمار. ومع ذلك، ما يزال العراق يواجه خروقات متكررة تزعزع سيادته وسلامة أراضيه.
من الواضح أن إيصال الرسائل عبر القصف لن يؤدي إلا الى زيادة التوترات على نحوٍ متهور ويتسبب بقتل الناس وتدمير الممتلكات. ومرة أخرى، فإن الوسائل الدبلوماسية القائمة هي في متناول الجميع، وكذلك عندما تواجه دول الجوار تهديدات متصورة للأمن القومي. ولكي يتمكن العراق من زيادة تعزيز استقراره الدبلوماسي، يتعين علينا جميعاً أن نعمل على توفير بيئة مواتية.
سيّدتي الرئيسة،
وقبل الاستماع الى المتحدث التالي، اسمحي لي أن أؤكد مجدداً أن العراق ما يزال من بين البلدان الأكثر تلوثاً بالذخائر المتفجرة. إن العمليات الوطنية لإزالة الألغام، وبضمنها تخصيصات الميزانية الوطنية، جديرةٌ بالثناء. بيد أن القطاع وبشكل عام ما يزال يعاني من نقص التمويل. وبالتالي، يدفع المواطنون العراقيون ثمن ذلك، ففي عام 2022، كانت المتفجرات من مخلفات الحرب تشكل السبب الرئيسي في وقوع ضحايا من الأطفال في العراق وتسببت بشكل عام في سقوط ثلث الضحايا في صفوف المدنيين. ولذلك لا يسعني إلا أن أحث المجتمع الدولي على مواصلة دعمه.
سيّدتي الرئيسة، اسمحي لي أنتقل الآن إلى مسألة المفقودين الكويتيين ورعايا البلدان الأخرى والممتلكات الكويتية المفقودة بما في ذلك الأرشيف الوطني. ونحن، بطبيعة الحال، نرحب كل الترحيب بالخطوات التي اتخذتها الحكومة العراقية لتشجيع المزيد من الشهود للإدلاء بشهاداتهم. كما ونثني على التعاون المستمر بين أعضاء اللجنة الثلاثية فيما يخص توفير صور الأقمار الاصطناعية، إذ أنهما عاملان أساسيان لجهود تحديد مواقع دفن محتملة أخرى.
وفي الختام، سيدتي الرئيسة، أود أن أعرب عن شعور بالأمل وشعور بالإلحاح على حدٍ سواء. فالأمل يتمثل في أن يتيح تشكيل الحكومة العراقية الجديدة الفرصة لمعالجة المسائل الملحة والمتعددة التي يواجهها العراق وشعبه بشكل مؤسسي. أما الشعور بالإلحاح فيتمثل بضرورة أن تغتنم الطبقة السياسية العراقية الفرصة القصيرة التي أتيحت لها وأن تخرج البلاد أخيراً من دوامة عدم الاستقرار والهشاشة.
وأخيراً، أسمحي لي بأن أهنئ (مرة أخرى) المنتخب الوطني العراقي بمناسبة فوزه مؤخراً بكأس الخليج العربي. ومن الجدير بالإشارة أن العراق استضاف البطولة لأول مرة منذ عام 1979 – بعد عقود من العزلة، والعنف، والنزاع، والتوترات. وفي رأيي المتواضع، هذه شهادة كبيرة على عودة العراق إلى وضعه الطبيعي وقدرته ليس على جمع أبناء الوطن على هدف مشترك وإيجابي فحسب، ولكن جمع الشركاء الإقليميين كذلك.
وشكراً لكم.