تمكين المرأة من خلال التعاونيات
مشروع منظمة الأغذية والزراعة والاتحاد الأوروبي يترك أثراً دائماً في نينوى، العراق
في قلب محافظة نينوى، العراق، إحدى المحافظات الأكثر تضرراً من سيطرة داعش، ترسخت آثار مشروع رائد يسمى "دعم سبل العيش الزراعية للعائدين والمجتمعات الريفية وشبه الحضرية"، تاركاً وراءه إرثاً من تعزيز القدرات والاستدامة حتى بعد انتهاء أنشطته. تهدف هذه المبادرة، بقيادة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، وبتمويل سخي من الاتحاد الأوروبي، والشراكة في التنفيذ مع وزارة الزراعة العراقية والحكومة المحلية، إلى تنشيط سبل العيش الزراعية وخاصة في مجال تصنيع الألبان بين النساء والمجتمعات الريفية.
وعلى الرغم من انتهاء المشروع في 31 ديسمبر 2023، إلا أنه كان لتأثيره صدى أبعد بكثير من تاريخ انتهائه. وقد وجدت المجموعات النسائية المنتجة والمصنعة للألبان، التي رعاها المشروع ومكنها، قادرة على الاستدامة ومزدهرة في أعمال تصنيع الألبان الخاصة بها. وتحت إشراف خبراء الإرشاد المدربين من منظمة الأغذية والزراعة ووزارة الزراعة، انطلقت هؤلاء النساء في رحلة التمكين، وتحولن من منتجات ومصنعات للألبان إلى رائدات أعمال، اضافة الى إنشاء تعاونيات تقودها نساء لتكون أحد ركائز نجاحهن..
وقد أكد الخبير الدولي في الثروة الحيوانية الدولي لدى منظمة الأغذية والزراعة والذي أشرف على تطوير بناء القدرات باستعمال تقنيات مبتكرة لهذا البرنامج ، الدكتور الشاذلي كيولي: "إن مشاهدة تفاني وتطور منتجات الألبان كان أمرًا مجزيًا للغاية. إن التزامهن باستدامة أعمالهن هو شهادة على التأثير الدائم لجهودنا".
وقد جسدت انتصار افريم بطرس، احدى شريكات المشروع، القدرة التحويلية لأنشطته على حياة جميع المستفيدين. وقد سلطت مشاركتها في العديد من الفعاليات والمعارض الوطنية والمحلية، مثل السوق الخيري الذي نظمته منظمة سميراميس الخيرية بالشراكة مع جمعية الثقافة الكلدانية في عينكاوة (أربيل) في الفترة من 8 إلى 10شباط/فبراير، الضوء على منتجات الألبان عالية الجودة التي تقوم بتصنيعها هؤلاء النساء الصامدات. ومن مراعي سهل نينوى الخصبة، عرضت انتصار وسوقت بفخر منتجاتها من الألبان والأجبان التنافسية، مما يجسد روح ريادة الأعمال والاعتماد على الذات التي غرسها المشروع المشترك بين منظمة الأغذية والزراعة والاتحاد الأوروبي.. "
وعلقت انتصار بفخر قائلة: " لقد تم الاعتراف بالتزامنا بالجودة، الذي صقلته المهارات والتقنيات التي لا تقدر بثمن والتي تم تقديمها خلال الدورات التدريبية للمشروع. أشعر بسعادة غامرة لرؤية هذا العدد الكبير من الزبائن الجدد و يأتينا البعض من أماكن بعيدة مثل أربيل لتذوق وشراء منتجاتنا. اليوم، أنا فخورة جدًا بأن منتجاتنا تقف شامخة في السوق وتنافس البدائل المستوردة. "
في ظل الاحتفالات باليوم العالمي للتعاونيات، تعكس قصة نجاح تعاونيات الألبان التي تقودها النساء في محافظة نينوى أهمية التعاون والتطور الذي يقوده المجتمع. إن تمكين المرأة في الزراعة، والذي تجسده انتصار وزميلاتها من رائدات الأعمال في مجال الألبان، لا يؤدي فقط إلى دفع التقدم الاقتصادي، ولكن أيضًا إلى تعزيز وتمكين المرأة الريفية وايجاد فرص عمل في المنطقة.
وقد أدى التزام منظمة الأغذية والزراعة في العراق الثابت بتمكين المناطق الريفية إلى تطوير استراتيجيات مصممة خصيصًا لتمكين المنتجين والمنتجات عبر تعاونيات الألبان. ومن خلال بناء القدرات والدعم الشامل، قامت المنظمة بتيسير إنتاج وتجهيز وتسويق منتجات الألبان المحسنة، مما أطلق العنان للإمكانات الهائلة لشركات الألبان الصغيرة والمتوسطة الحجم في العراق.
وشدد ممثل منظمة الأغذية والزراعة في العراق، الدكتور صلاح الحاج حسن، على أهمية تنفيذ المشاريع المستدامة بدلاً من تقديم المساعدات قصيرة المدى. "إن الاستدامة هي المفتاح لتعزيز التغيير الدائم في المجتمعات. ونحن نعرب عن امتناننا للاتحاد الأوروبي لتمويله السخي وللحكومة العراقية على ثقتها ودعمها ". وأضاف: "معًا، لا نقوم فقط بتحويل سبل العيش في نينوى ولكن أيضًا نعمل على وضع أسس التنمية المستدامة في جميع أنحاء العراق".."
إن إنشاء تعاونيات الألبان التي تقودها النساء، مثل تعاونية عاشور للألبان في الحمدانية/قراقوش، وجمعية الحدباء للألبان في تلكيف/الكويسات، وجمعية ألبان أم الربيعين حديثة النشأة في مركز الموصل، يهو بمثابة شهادة على الإرث الدائم للمشروع المشترك بين منظمة الأغذية والزراعة والاتحاد الأوروبي. ومع وجود 43 و38 و55 عضوًا على التوالي، تمثل هذه التعاونيات أطرًا مؤسسية مجتمعية تعمل على تعزيز فرص العمل وسبل العيش، مع مزيد الدفع نحو المساواة والتمكين في العراق.
مع غروب الشمس على سهول نينوى الخصبة، يواصل إرث المشروع المشترك بين منظمة الأغذية والزراعة والاتحاد الأوروبي الازدهار، مغذيا الأمل في توفير الرخاء للأجيال القادمة. ومن خلال المبادرات المستدامة والشراكات التعاونية، تتواصل الرحلة نحو تنشيط الزراعة في العراق بثبات .
وبفضل المهارات الجديدة المكتسبة وازدهار أعمال الألبان، لا تقوم المستفيدات من المشروع ببناء مستقبل أكثر إشراقًا فحسب، بل يجدن أيضًا مواساة من الذكريات المروعة لفترة استيلاء داعش على المنطقة، مما أجبرهن على الفرار من منازلهن وأراضيهن منذ زمن ليس ببعيد.
وخارج حدود نينوى، تعمل منظمة الأغذية والزراعة، بدعم مستمر من الحكومة العراقية والشركاء، على توسيع هذا النموذج الناجح ليشمل مناطق أخرى من العراق. ومن خلال تكرار النهج الشامل للمشروع وتمكين المجتمعات المحلية، تمهد منظمة الأغذية والزراعة الطريق لمستقبل أكثر إشراقا في المناطق الريفية وشبه الحضرية على الصعيد الوطني..