السيدات والسادة
الحضور الكريم
إنه لشرف عظيم لي أن أخاطب اليوم هذا الجمهور المتعلم. ومن دواعي سروري بصفة خاصة أنني كتبت عن الأسس الفلسفية لحقوق الإنسان وعملت على هذه القضايا لأكثر من (30) عاماً. وخلال تلك السنين، تعلمت قيَم التواضع والاستماع إلى الذين لديهم وجهات نظر مختلفة عن وجهة نظري.
وبروح الحوار المنفتح هذه، اسمحوا لي اليوم أن أتكلم بإيجاز عن دور الأمم المتحدة في حماية وتعزيز حقوق الإنسان على الصعيد العالمي، وكذلك عن بعض التحديات المعاصرة، ثم تقديم بعض الملاحظات المتعلقة بالعراق.
السيدات والسادة
وكما تعلمون، فإن وثيقة الأمم المتحدة الرئيسية بشأن حقوق الإنسان هي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948. وقد مهدت هذه الوثيقة الطريق أمام العديد من المعاهدات الدولية الهامة في هذا المجال. وأرحّب بكون العراق اليوم طرفاً في جميع المعاهدات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان.
كما ألهم الإعلان العالمي مبادرات إقليمية مثل إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام لعام 1990، والذي اعتمدته منظمة التعاون الإسلامي. وبرغم الاختلافات بينهما، يتقاسم الإعلانان قيماً مشتركة مثل التأكيد على الكرامة المتأصلة لجميع الأفراد – حق كل شخص بصرف النظر عن هويته.
وأود أن أشدد هنا على أن المعايير الدولية لحقوق الإنسان هي ليست معايير غربية. وقد نال الكثير منها بالفعل قبولاً شبه عالمي، كونها تعكس مبادئ أساسية مثل الكرامة الإنسانية والإنصاف والرحمة وعدم التمييز، وهي مبادئ متجذرة في العديد من الثقافات والتقاليد الدينية، بما في ذلك الإسلام.
السيدات والسادة
من التحديات المعاصرة، السجل الضعيف لتنفيذ معاهدات حقوق الإنسان القائمة في كافة أنحاء العالم. وخذوا على سبيل المثال التعذيب: فكل دولة تقريباً تدين ذلك، لكنه لا يزال منتشراً على نطاق واسع.
ومن الأمثلة الأخرى اتفاقيات جنيف لعام 1949، والتي وضعت حدوداً لوحشية الحروب. وعلى الرغم من التصديق على تلك الاتفاقيات عالمياً، لا يزال يتم انتهاكها مع الإفلات من العقاب في غزة وفي الصراعات الأخرى في العالم.
ومن التحديات التي نواجهها باستمرار هو المعايير المزدوجة التي يتم بها التعامل مع المواقف المماثلة بشكل مختلف، اعتماداً على ما إذا كان الجناة حلفاء أم أعداء.
كما أود أن أذكر التحدي المتمثل في عدم التسامح تجاه التنوع. فكلنا يتذكر أحداث حرق القرآن الكريم خلال العام الماضي، حيث تبادل سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رسائل حول هذا الموضوع، حيث تم إدانة أعمال الكراهية الدينية والدعوة إلى التعايش السلمي.
وينبغي أن أؤكد أن هذه الهجمات طالت المسلمين لا لسبب سوى هويتهم. وإن أحد الدروس في هذا الصدد هو أهمية احترام التنوع: إذ لا ينبغي استهداف أي شخص لمجرد هويته.
السيدات والسادة
اسمحوا لي أن أقدّم بعض الملاحظات الختامية بشأن العراق.عانى العراق، الغني من حيث التاريخ والثقافة والتعددية، بشكل كبير من الدكتاتورية والحروب العبثية والتطرف العنيف.
وفي هذا السياق، أرحّب بمبادرة دولة رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني في وضع استراتيجية وطنية لمواجهة خطاب الكراهية، مع احترام حرية التعبير.
ومن الأولويات الوطنية الهامة الأخرى، والتي تلتقي مع إعمال الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، هي تحسين الخدمات ومستوى المعيشة.
ومع ذلك، توجد بعض المجالات التي تدعو الى القلق. وعلى سبيل المثال، قد تؤدي التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية، في حال اعتمادها، إلى مخالفة عدد من معاهدات حقوق الإنسان التي يعد العراق طرفاً فيها. وهنا أدعو إلى إجراء حوار مفتوح وشامل ويحترم الجميع، وأعتقد أنّ من شأنه معالجة حالات سوء الفهم وسد العديد من الثغرات.
السيدات والسادة
أود أن أختتم ببعض ما قاله مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان في ختام زيارته للعراق في العام الماضي، عندما قال: "ويجب عدم استخدام حقوق الإنسان كوسيلة لتفريقنا - أن حقوق الإنسان هي ما يوحدُنا وما يجمَعُنا معاً كإنسانية للعيش في كرامة."
ومرة أخرى أشكركم على دعوتي للمشاركة في هذا المؤتمر، وأتطلع إلى مناقشاتكم.
شكراً لكم.