إحاطة الممثل الأممي الخاص د. محمد الحسّان في الاجتماع 9803 لمجلس الأمن | 6 كانون الأول
معالي رئيس مجلس الأمن، روبرت وود،
أصحاب السعادة أعضاء المجلس الكرام،
السيدات والسادة المحترمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أتشرف أن أقدم هذه الإحاطة، وهي الأولى أمام مجلسكم الموقر، منذ أن توليت منصب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعراق ورئيس بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، شاكراً ومثمناً لكم جميعا وللأمين العام للأمم المتحدة ولحكومة العراق والكويت الثقة الممنوحة، والتي آمل أن أكون أهلا لها وأمينا عليها.
وأستهل حديثي بالقول، كما سمعتم مرات عديدة، أن العراق اليوم ليس هو العراق قبل عشرين عاما، أو حتى قبل خمسة أعوام، العراق اليوم هو أكثر أمنا واستقرارا وانفتاحا من ذي قبل وذلك رغم التحديات المتعددة التي يواجهها. لا يخالجني أدنى شك أن هذا البلد العريق الضاربة جذوره في عمق التاريخ ومهد الحضارة البشرية لقادر على تجاوز الأزمات ومواجهة التحديات نحو رسم مستقبل أكثر أمانا وإشراقا وأملا.
ومنذ الإحاطة السابقة، والتي تم تقديمها أمام مجلسكم الموقر في مايو من هذا العام من قبل زميلتي السيدة جينين-هينيس بلاسخارت، والتي أحييها على كل ما قامت به وبذلته من جهود مخلصة، هناك بعض التطورات الإيجابية، والتي أتيحت الفرصة لي كي أشهدها، ومن أبرزها ما يلي:
النجاح في إجراء التعداد السكاني الوطني في 20 نوفمبر من هذا العام، والذي هو من الإنجازات البارزة في العراق، حيث حظيت بفرصة متابعة التعداد بمعية رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وكان هذا أول تعداد شامل على مستوى العراق، يضم إقليم كردستان العراق، منذ عام 1987، حيث تشير النتائج الأولية إلى أن عدد سكان العراق قد تضاعف تقريبا فيما يزيد عن ثلاثة عقود، ليصل إلى أكثر من 45 مليون نسمة، وهو ما سيمكن صناع القرار في هذا البلد من التخطيط بناء على حقائق وأرقام موثوقة.
الزملاء الأعزاء،
ثمة تطور رئيسي آخر، بعد ما يقرب من عام من شغور المنصب ومحاولات متعددة لم يحالفها النجاح، تم انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب العراقي في 31 تشرين الأول/أكتوبر، وهو منصب مهم لتعزيز الحوار البرلماني حول التشريعات المطلوبة بصورة عاجلة للوفاء باحتياجات الشعب العراقي.
والتزاماً منه بتحسين الخدمات، يستمر رئيس الوزراء، السيد السوداني بالاستثمار بشكل مكثف في مشروعات البنية التحتية الكبرى في جميع أنحاء العراق. وتشمل هذه المشروعات بناء وتطوير الطرق والجسور والمدارس وشبكات النقل، والتي تهدف إلى تحسين الخدمات وتوفير فرص العمل وتحسين حياة العراقيين.
في منطقة "مشتعلة"، أبدت الحكومة العراقية عزماً قوياً على إبقاء العراق خارج الصراع الإقليمي الآخذ في الاتساع، مع الوقوف بثبات كصوت قوي للسلام والاستقرار الإقليميين. كما دعا رئيس وزراء العراق السيد السوداني باستمرار إلى وضع حد للتوترات الإقليمية، مؤكداً على ضرورة احترام سيادة العراق وسلامة أراضيه.
وبالنظر إلى ما هو أبعد من الصراعات الحالية، تسعى الحكومة العراقية أيضاً إلى وضع نفسها كممر حيوي للنقل والطاقة والتجارة، والاستفادة من الشراكات الإقليمية. وتؤكد تلك المبادرات على جهود العراق لتعزيز التكامل والازدهار الإقليميين، وهو ما يبعث على الأمل ويجلب الفرص.
لقد تحقق تقدم إيجابي كذلك في إقليم كردستان العراق. فبعد عامين من المفاوضات المطولة والتأخير، جرت انتخابات برلمانية في إقليم كردستان العراق، وبذلك تمت إعادة إرساء شرعية المؤسسات في الإقليم. وشهدت بنفسي في 20 تشرين الأول/أكتوبر في أربيل ودهوك عمليات تصويت جيدة التنظيم وسلسة في أكثر من 7000 محطة اقتراع.
ومع إدلاء أكثر من مليوني شخص بأصواتهم، وصلت نسبة إقبال الناخبين إلى 72%، بزيادة مقدارها 12% عن الانتخابات السابقة. وقد حظيت المساعدة الانتخابية لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) بتقدير واسع من سلطات الإقليم والسلطات الاتحادية، بما في ذلك المفوضية العليا المستقلة للانتخابات؛ وهو دعم كان له دور فعال في غرس الثقة وتعزيز قدرات العراق الفنية المتعلقة بالانتخابات. وهو أمر ينبغي للأمم المتحدة أن تكون فخورة به.
وأغتنم هذه الفرصة لأهنئ العراق والأمم المتحدة وموظفي المساعدة الانتخابية العاملين في يونامي على الجهود المتفانية.
وتجدر الإشارة إلى أنه من بين 100 مقعد برلماني، تمكنت النساء من الحصول على 31 مقعد، وهو ما يزيد عن الحد الأدنى للكوتا وهو 30%. ومع استمرار المفاوضات بين الأحزاب السياسية لتشكيل حكومة جديدة لإقليم كردستان، فإن الأحزاب السياسية عليها مسؤولية تمكين النساء من الوصول إلى المناصب السياسية والحصول على مقعد على الطاولة.
وفي الوقت ذاته، كانت زيارة رئيس وزراء العراق السيد السوداني إلى أربيل بعد الانتخابات خطوة مهمة نحو تعزيز الحوار المشترك لمعالجة العديد من القضايا المهمة بين الجانبين.
السيد الرئيس،
الزملاء الأعزاء،
هذه كلها تطورات إيجابية، لكن يخفف من وقعها ذلك التهديد الذي يشكله الفساد المستمر والممنهج على الرغم من جهود الحكومة للتصدي له. ومع تكرار النقاش العام حول الفساد في العراق، ومشاركة السياسيين على نطاق واسع في هذا النقاش، إلا أن قضية الفساد لا تزال سائدة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في العراق. وتحتاج البلاد إلى تغييرات وإصلاحات شاملة من شأنها تدعيم المساءلة وتعزيز الكفاءات وتحسين الشفافية وتحصين أنظمة الحوكمة. وأثق تماماً بأن الحكومة تتخذ خطوات واعدة في هذا الاتجاه.
وفي حين أن تعزيز مؤسسات الدولة للتصدي للفساد أمر بالغ الأهمية، فإن تدعيم مؤسسات الدولة التي تعزز حقوق الإنسان وتساندها أكثر أهمية في بلد يبتعد عن ماضيه المظلم. ويتطلب ذلك مؤسسات قوية تحمي الحقوق والحريات الأساسية للشعب.
وبالنظر إلى الدور الحاسم الذي تضطلع به المفوضية العليا لحقوق الإنسان العراقية – وهي المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان المنصوص عليها دستورياً في العراق - فإن اختيار مجلس مفوضين جديد، لا يزال معلقاً للأسف.
وكان تفاعل العراق البناء مع لجنة القضاء على التمييز العنصري في آب/أغسطس خطوة إيجابية. والمهم الآن هو أن ينفذ العراق توصيات اللجنة مما يعد خطوة حاسمة لتعزيز حماية التنوع الغني في العراق. وأنا أثق تماماً ولدي إيمان قوي في قدرة العراق على ذلك.
السيد الرئيس،
الزملاء الأعزاء،
إحدى القضايا التي أثارت الكثير من النقاش العام والاهتمام الدولي هي التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية العراقي. وهو مسعى مهم يمكن أن يكون له آثار بعيدة المدى على النساء والأطفال. لقد تواصلنا بصورة مكثفة مع الأطراف المعنية العراقية، مؤكدين على الحاجة إلى إجراء حوار بناء وشامل للجميع بشأن هذه المسألة؛ كما أكدنا على أن أي إصلاحات لقانون الأحوال الشخصية ينبغي أن تتماشى مع التزامات العراق وتعهداته الدولية في مجال حقوق الإنسان، ولدي ثقة كذلك في قدرة العراق على ذلك.
وفي بلد يسعى إلى التعافي من الصراعات الداخلية والإرهاب، تقع المسألة المحورية المتعلقة بالعدالة والمحاسبة في صميم الموضوع. وتجري حالياً مناقشة تعديلات قانون العفو العام في مجلس النواب العراقي. ويمكن أن تكون أحكام العفو سبيلاً لتعزيز المصالحة ورد مظالم المسجونين ظلماً. ولكي نكون واضحين، ينبغي تقديم المسؤولين عن الفظائع إلى العدالة. وفي الوقت نفسه، ينبغي تحقيق العدالة بطريقة عادلة ومتناسبة.
للأسف لا يزال الأثر الذي تركه داعش، سيدي الرئيس والزملاء الأعزاء، في العراق واضحاً في المخيمات التي تستضيف آلاف النازحين، ومعظمهم من الأيزيديين. وقد شاهدت بنفسي الظروف المعيشية القاسية التي يستمر هؤلاء الأشخاص في تحملها والحياة فيها. وهو أمر غير مقبول. إنه أمر غير مقبول للعراق، يستطيع العراق القيام بما هو أفضل من ذلك. العراق قادر على معاملة مواطنيه وشعبه في بيئة أفضل. وأنا على يقين تام من أن العراق سيكون قادراً على توفير ظروف معيشية لهؤلاء الذين هم ضحايا في المقام الأول. تعاطفي وتضامني مع الأيزيديين وغيرهم من النازحين منذ سنوات عديدة. إنهم يستحقون أفضل من ذلك.
إن قرار رئيس الوزراء بتشكيل اللجنة الوطنية العليا، بالتشاور مع الأمم المتحدة، لمعالجة مسألة النزوح لهو خطوة في الطريق الصحيح. إلا أنها ليست كافية. حيث تحتاج الدولة إلى الاستثمار بصورة ملموسة في تهيئة الظروف لعودة النازحين من الأيزيديين وغيرهم. وبعد 4 سنوات من توقيعها، لا تزال اتفاقية سنجار معلقة. وكما قيل من قبل، فإن الإدارة الموحدة في سنجار والهياكل الأمنية المستقرة هما السبيل الوحيد لتهيئة الظروف المواتية للعائدين.
ودعونا لا ننسى المواطنين العراقيين الذين لا يزالون في مخيم الهول في شمال شرق سوريا. وليس العراق سوى واحد من البلدان القليلة جداً التي تبذل جهوداً جديرة بالثناء لإعادة مواطنيها إلى بلادهم. وقد رأيت بنفسي الدعم الذي تقدمه حكومة العراق ووكالات الأمم المتحدة والشركاء لآلاف من الأشخاص العائدين إلى العراق، إلى عراق آمن، بعد فترة طويلة من النزوح والمعاناة. ولكن ينبغي القيام بالمزيد من أجل تسريع عودة الناس من الظروف الشبيهة بالجحيم في الهول. ولدينا التزامات متجددة من الحكومة والمؤسسات العراقية بإعادة المواطنين العراقيين من مخيمات الهول وغيرها من المخيمات في شمال شرق سوريا قبل نهاية عام 2025.
وعلى ذلك، فإن أي دولة أخرى لديها مواطنون في الهول تتحمل نفس الواجب في التصرف واستعادة مواطنيها.
سعادة الرئيس روبرت
أصحاب السعادة
السيدات والسادة المحترمين
منذ بداية مهامي في هذا المنصب، وأنا وزملائي نسعى جاهدين إلى بناء الثقة وتعزيز العلاقات الثنائية بين العراق ودولة الكويت، ومن هنا شجعنا وبقوة مواصلة المفاوضات والاتصالات بين البلدين الجارين الشقيقين لترسيم الحدود البحرية ما بعد النقطة 162، كما عبرنا عن استعداد اليونامي والأمم المتحدة قاطبة لتقديم خدماتها في حالة رغبة الطرفين في ذلك.
هذا، وفيما يتعلق بقضية المفقودين الكويتيين ومواطني الدول الأخرى، واصلت بعثة اليونامي مشاركتها بصفة مراقب في أعمال الآلية الثلاثية التي يتولى رئاستها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ويمكنني القول هنا أنه بعد مضي ثلاثة عقود، من الواضح جدا أننا بحاجة إلى مزيد من الجهود المخلصة للكشف عن وتحديد مواقع الرفات وفق الآليات المتفق عليها. ذلك هو مطلبٌ أساسي من قبل أسر المفقودين والذين طال أمد انتظارهم لمعرفة مصير أبناءهم وأحباءهم، وهو من المواضيع التي تحظى بأهمية قصوى لدى دولة الكويت قيادة وحكومة وشعب، ونأمل أن يشهد هذا الملف جهدا حقيقيا وملموسا من قبل المعنيين. كما ندعو إلى تسريع الخطى للبحث عن وتحديد وإعادة الممتلكات الكويتية المنهوبة بما في ذلك الأرشيف الوطني وطي هذه الصفحة بما يتيح للبلدين والشعبين الجارين من الانتقال إلى مراحل عليا من التعاون. ومن هنا لا بد لي من الإشارة إلى قرار المحكمة الاتحادية العليا العراقية الذي صدر في العام 2023م والذي لم يكن موفقا على الإطلاق وأضر بشكل جسيم بالعلاقات العراقية الكويتية، وفي هذا الخصوص أود الإشارة إلى أننا نعمل بشكل وثيق مع الجهات المختصة والمسؤولة والمعنية في العراق لاستعادة الثقة بين العراق والكويت، وأملنا أن يتمكن المعنيون في العراق، وفي أقرب فرصة ممكنة، من تصحيح هذا المسار بالطريقة المثلى التي تليق بما بالوشائج التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين.
السيد الرئيس،
بعض الكلمات الأخيرة حول خطة الانتقال والتصفية لبعثة يونامي حسب طلب القرار رقم 2732 (2024). بينما تواصل بعثة يونامي ضمان الاضطلاع بولايتها، فإننا نعمل عن كثب مع حكومة العراق وفريق الأمم المتحدة القُطري ومقر الأمم المتحدة الرئيسي لوضع اللمسات الأخيرة على الخطة لتقديمها إلى هذا المجلس الموقر بحلول 31 كانون الأول/ديسمبر 2024.
وتتخذ البعثة كذلك، بالتعاون مع فريق الأمم المتحدة القُطري، خطوات لتمكين نقل المهام ذات الصلة إلى إطار التعاون من أجل التنمية المستدامة المقبل للعراق.
وأنتهز هذه الفرصة للتأكيد للمجلس على أهمية تخصيص موازنة يونامي بالكامل لعام 2025. وذلك بالغ الضرورة من أجل تمكين البعثة من الاضطلاع بولايتها وتنفيذ عملية الانتقال والخفض التدريجي بأكبر قدر ممكن من السلاسة ووفقاً للإطار الزمني الذي حدده القرار رقم 2732.
في الختام، وأعتذر للإطالة،
أود الإشارة إلى أنه لا يخالجني أدنى شك أن قادة العراق على دراية تامة بالتحديات التي يواجهها بلدهم والخطوات الواجب عليهم اتخاذها لإبعاد بلدهم عن أية مشاكل أو مضار، هذا البلد العريق والمحوري في منطقة الشرق الأوسط، وبما يؤسس لمرحلة جديدة تركز على المستقبل وتعيد للعراق دوره الإيجابي والمحوري في المنطقة والعالم.
لا نغفل هنا أن هذا البلد هو من ضمن المؤسسين للأمم المتحدة،
وأود أن أشير هنا إلى المبادئ التي رشحت عقب عن اللقاء الذي جمعني مع آية الله العظمى السيد على السيستاني أطال الله في عمره وأمده بالصحة والعافية في مدينة النجف في 4 نوفمبر، وهي:
1- الكفاءة والنزاهة في تولي المناصب العامة في العراق
2- علاقات حسن الجوار ومنع التدخلات الخارجية
3- إعلاء سيادة القانون
4- حصر السلاح بيد الدولة
5- مكافحة الفساد على جميع المستويات.
وهي نقاط ومبادئ لاقت استحسانا وترحيبا واسعا من قبل الأطراف السياسية العراقية باعتبارها "خارطة طريق" للبلاد، وبينما نمضي في عملية انتقال بعثة اليونامي، أؤكد استعداد اليونامي والأمم المتحدة لمساعدة العراق في مساعيه لبناء عراق جديد، عراق آمن ومزدهر، ومعبرا في الوقت ذاته عن سعادتي الغامرة بالعمل سويا مع الحكومة العراقية، ومع دولة رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني، في الفترة المتبقية من عمل هذه البعثة، هذه البعثة التي ضحى موظفوها بالغالي والنفيس والأرواح لمساعدة العراق.
وأشكركم واستسمح منكم على طول الكلمة،
شكرا لكم.