داعش دمّر أحلامي وخطط عائلتي، ولكن الفاو والاتحاد الأوروبي أعادا احيائها"

يُجمع العراقيون على حبهم للقيمر، قشطة الحليب المخثرة العراقية المميزة، وغيرها من منتجات الألبان المحلية التقليدية مثل الزبدة والسمن الحيواني (الدهن الحر) واللبن
كلمات مفعمة بالأمل من السيدة ضحى نجم شيت ، إحدى القرويات العاملات في صناعة منتجات الألبان واللواتي يكافحن للتعافي من آثار الأزمة في العراق
يُجمع العراقيون على حبهم للقيمر، قشطة الحليب المخثرة العراقية المميزة، وغيرها من منتجات الألبان المحلية التقليدية مثل الزبدة والسمن الحيواني (الدهن الحر) واللبن والقشوة وأنواع مختلفة من الجبن الأبيض.
لكن القليل منهم يدركون أن الحليب ومنتجات الألبان الأخرى تنتجها في الغالب نساء ريفيات. ونساء الريف هن الفئة الأكثر ضعفاً في المجتمع العراقي، حيث لم يحظين بالاهتمام الكافي في الماضي. كما لا تزال النساء المُنتِجات للألبان في محافظة نينوى في العراق يعانين من التأثيرات الجسدية والنفسية للصراع.
وفي إطار جهودها للتنمية في فترة ما بعد الأزمة لبناء سبل العيش الزراعية، تعمل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) على تمكين النساء الريفيات وإعادة الأمل للعراقيين العائدين إلى مناطقهم من خلال مشروع يموله الاتحاد الأوروبي يستهدف تحديداً تحسين سلاسل القيمة وإعادة احياء أنظمة المحاصيل/الماشية عالية القيمة والصناعات المتناهية الصغر القائمة عل الزراعة.
تجد النساء المنتجات للألبان في محافظة نينوى "سلة خبز العراق"، صعوبات جمة في سعيهن للتعافي من النزاع. تقول ضحى نجم شيت، إحدى منتجات الألبان اللواتي أجبرن على ترك منازلهن ومزارعهن واحلامهن بسبب النزاع الذي تسبب به تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الفترة من 2014-2017 في العراق: "أمهلونا ساعات فقط للرحيل".
تنتج محافظة نينوى معظم الحبوب التي تنتجها البلاد ويشمل ذلك 20-30% من قمح العراق، كما أنها مخزن كبير للماشية في العراق خاصة أغنام العواسي لإنتاج الألبان وغيرها من منتجات الأغنام. وفي الفترة التي احتل فيها تنظيم داعش الموصل ومناطق شاسعة من نينوى خلال الفترة من 2014-2017 نزح أكثر من مليون شخص خاصة من المناطق الريفية، كما لحقت أضرار جسيمة بقطاع الزراعة. ولا يزال المزارعون خاصة في المناطق الريفية يجدون صعوبة في التعافي بعد عودتهم إلى مناطقهم حيث وجدوا البنية التحتية وقد دُمرت، وموجوداتهم وقد نُهبت، وماشيتهم وقد سُرقت او فُقدت أو ذُبحت.
وتتذكر ضحى نجم شيت قائلة: "لقد عادوا وهددونا بالأسلحة إذا لم نخرج. ولم تشفع لزوجي أعذاره، وبعد إصرار المسلحين، خرجنا من البيت وتوجهنا أنا وأطفالي ووالدا زوجي إلى منزل شقيقه الذي لا يبعد كثيراً عن بيتنا، بينما بقي زوجي بالقرب من حظيرة الجاموس ليشاهد ما يحدث. بعد ذلك كسروا باب الحظيرة ليدخلوا فيها مدفعاً كبيراً نصبوه بالقرب من حظيرة العلف".
ضحى نجم شيت وعائلتها هم إحدى العائلات الريفية العديدة التي تعتمد على انتاج الحليب كمصدر دخل رئيسي لها، وأصبح يتعين عليها الآن إعادة بناء كل ما خسرته في النزاع. وتبتسم ضحى وهي تصف حياتها السابقة قبل النزاع: "كنت أربي الجواميس وأعد لها العلف في مكان قريب من الحظيرة، واسقيها من حوض كبير من الماء على الجانب الأيسر من الحظيرة، وفي الصباح الباكر قبل شروق الشمس كنت أحلب هذه الجواميس وأضع الحليب في أواني معده مسبقاً لذلك، وكنا نستخرج القيمر من ذلك الحليب لبيعه في أسواق المدينة، كما نبيع كذلك كمية من الحليب. لقد كانت حياتي تتوزع ما بين الأعمال المنزلية وتربية الجواميس في الحظيرة، لقد كانت حياة حلوة حقاً".
يعد انتاج الحليب خاصة من أغنام العواسي والجواميس، أحد أهم الأعمال الريفية في المنطقة. وتلعب النساء دوراً مهماً في انتاج منتجات الألبان المنزلية التقليدية مثل السمن الحيواني (الدهن الحر) واللبن والقشوة وأنواع مختلفة من الجبن الأبيض. وهناك طلب كبير على منتجات الألبان التقليدية المصنوعة من الحليب المحلي الطازج، ويعد انتاج وتسويق منتجات الألبان التقليدية المصدر الرئيسي للدخل لمنتجي الألبان الضعفاء خاصة النساء الريفيات.
وغالبا ما تُحرم النساء الريفيات من فرصة تحقيق أحلامهن وتطلعاتهم، فرغم أنهن يمثلن أكثر من 25% من سكان العالم، إلا أن النساء الريفيات يواجهن عوائق هيكلية مستمرة تستثنيهن من عمليات صنع القرار على جميع المستويات، مما يشكل عائقاً أمام أمنهن الاقتصادي وتطورهن الشخصي.
وفي الريف العراقي، ورغم مساهمتهن الكبيرة، إلا أنه غالباً ما لا يقدّر دور النساء حق قدره أو حتى لا يثير هذا الدور أي انتباه. وفي معظم الأحيان، تترك النساء في الخلفية مقارنة بالرجال بسبب العادات والتقاليد السائدة التي تتسبب في النظر إلى النساء على أنهن أقل قدراً من الرجال في قطاع الزراعة. وتنتشر الأمية بشكل كبير بين النساء، وليس ذلك فحسب، بل إنهن يفتقرن إلى الحصول على التدخلات اللازمة والتكنولوجيا.
وللتغلب على هذه التحديات، تعمل الفاو والاتحاد الأوروبي مع منتجي الألبان في الريف لفتح باب الفرص التي ينطوي عليها انتاج منتجات الألبان المنزلية سواء لتمكين المرأة أو استعادة سبل العيش، وفي الوقت ذاته إنعاش انتاج الألبان في قطاع الأغذية الزراعية.
وعند سؤالها عن تجربتها في العمل مع الفاو ووزارة الزراعة العراقية قالت ضحى: "أنه الأمل الذي أنعش احلامنا التي اختفت لسنوات عديدة، لقد جاء الأمل صباح يوم ليدق أبوابنا. لقد علم هؤلاء الناس بقصتنا. وعلموا ما حدث لنا في تلك الأيام الغابرة، وقرروا مساعدتنا، واحياء احلامنا من خلال إمدادنا بالعلف الأخضر للجواميس والذي ينبت على أرض قريبة من مدينة الموصل. ولأن الجواميس تأكل العلف الأخضر، فإنها تنتج المزيد من الحليب. هذا المشروع يدعمنا من خلال تزويدنا بمعدات الألبان اللازمة التي تساعدنا على تحويل الحليب إلى القيمر واللبن بدلا من بيعه كحليب طازج. لقد فاجأوني بتحقيق حلمي بعد أن بدأوا في تجديد مطبخنا المتواضع وتحويله إلى مصنع انتاج ألبان. ولأنه داخل منزلي فقد اختصر الوقت، كما أن الإنتاج سيزداد وسيكون صحياً أكثر من السابق".
ضحى هي واحدة من الفي امرأة سيستفدن من التدخلات لدعم منتجات الألبان/المنتجات الزراعية المعالجة بطرق تقليدية محسنة من خلال تزويدهن بمعدات الألبان المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ، للتعامل مع الحليب وتخزينه ومعالجته وتسويقه. ومن بين النشاطات الأخرى تجديد 35 وحدة صغيرة/متوسطة لجمع الحليب ومعالجته وتسويقه.
وستسير أنشطة بناء القدرات والمساعدة الفنية جنباً إل جنب مع تقديم المدخلات والإمدادات المناسبة، بهدف تحقيق نتائج جيدة ليس فقط في محال تحسين انتاج الألبان التقليدية، بل كذلك في خلق فرص العمل على مستوى القرية، وتوفير منتجات ذات جودة أعلى للمستهلكين.
وفي ختام اللقاء قالت ضحى نجم شيت أن تنظيم داعش "سرق أحلامنا باستيلائه على المنزل والحظيرة، لكن فريق الفاو والاتحاد الأوروبي ووزارة الصحة العراقية أعادوا إحياء أحلامنا التي تحولت إلى حقيقة ملموسة ستعيدنا إلى أرض الواقع وستنعش قطاع الماشية في مدننا بشكل خاص والعراق بشكل عام".
واليوم وفيما يحتفل العالم بيوم المرأة العالمي، علينا أن نغتنم هذه الفرصة لنشر الوعي بالمساهمات الجليلة للنساء في المجتمع، وبالعوائق التي تحول دون تقدمهن وازدهارهن.