إحاطة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق السيدة جينين هينيس-بلاسخارت المقدمة الى مجلس الأمن
سيدي الرئيس،
السيدات والسادة أعضاء مجلس الأمن الموقرون،
تفصلنا الآن خمسة أشهر عن الانتخابات الوطنية بالغة الأهمية والمقرر إجراؤها في 10 تشرين الأول.
وكانت تلك الانتخابات مطلباً أساسياً للحركة الاحتجاجية، إلا أن العديد من أعضائها لا يزالون يتعرضون للاضطهاد في ظل تفشي الإفلات من العقاب. ويعتبر اغتيال الناشط البارز إيهاب جواد الوزني منذ يومين على يد مسلحين مجهولين أمام منزله في كربلاء مثالاً مأساوياً آخر على ذلك.
إن القتلة والجناة يعتقدون الآن أنهم أسكتوا صوتاً. والحقيقة هي أنهم قاموا بتضخيمه. وقلوبنا تتعاطف مع أحبائه وكل من فقدوا أصدقائهم وعائلاتهم في الكفاح من أجل إسماع أصواتهم.
إن الوعد بالتعافي من جائحة فيروس كورونا قريب المنال مع البدء في حملة التلقيح، وفي الوقت ذاته يعاني العراق، شأنه شأن بلدان عديدة أخرى، من زيادة حادة في أعداد الحالات مؤخراً في جميع أنحاء البلاد.
وقد وفر ارتفاع أسعار النفط متنفساً بسيطاً في الموازنة، إلا أن الاقتصاد لا يزال في حاجة ماسة للإصلاح الهيكلي.
وبينما يدعو القادة العراقيون إلى الاستقرار كشرط أساسي لتحقيق التقدم، تستمر الهجمات العنيفة ضد الأهداف المدنية والعسكرية بانتظام مقلق.
وليست هذه سوى أمثلة قليلة على المعاناة اليومية في العراق.
السيدات والسادة، بينما نتحدث الآن، وللعام الثاني على التوالي، يضطر العراقيون لإحياء شهر رمضان، وسيحتفلون قريباً بالعيد، مع مراعاة الإجراءات الاحترازية التقييدية بقدر ما هي ضرورية.
وأود أن أنتهز هذه المناسبة لأعرب مرة أخرى عن خالص التعازي لمن فقدوا أصدقائهم وأفراد عائلاتهم في الحريق المأساوي بمستشفى ابن الخطيب في بغداد الشهر الماضي.
سيدي الرئيس، في 31 آذار الماضي وبعد أشهر من المفاوضات السياسية المكثفة، صادق مجلس النواب – بعد طول انتظار – على قانون الموازنة الاتحادية لعام 2021.
وبينما تعتبر أي موازنة عملاً توفيقياً، نلاحظ أن جهود السيطرة على الإنفاق العام والاستثمار في القطاع الخاص تم إحباطها عند خضوع قانون الموازنة للمراجعة البرلمانية.
ومن الأمور المقلقة كذلك أن الموازنة لا تزال تعتمد اعتماداً كبيراً على قطاع النفط، الذي يمثل ما يقرب من 80% من عائدات الحكومة وفق تقديرات عام 2021. وعلى الرغم من ارتفاع أسعار النفط منذ ذلك الوقت، إلا أن عدم الثبات في عام 2020 قد أحدث خراباً في الناتج المحلي الإجمالي. فقد حول الفائض إلى عجز، وضغط على الدين العام واحتياطيات النقد الأجنبي.
وبالنظر إلى ما وراء جائحة فيروس كورونا، ستعتمد التوقعات الاقتصادية على كل من الإصلاح الهيكلي وأسواق النفط. وغني عن القول إن أحد هذين العنصرين تحت سيطرة العراق. ببساطة: إن استمرار الاعتماد على النفط ليس استراتيجية سليمة، بل هو أبعد ما يكون عن ذلك.
وفي هذا الصدد، يمكننا أن نذكر أن تقدماً متواضعاً بل طفيفاً قد تحقق بشأن تنفيذ برنامج "الورقة البيضاء" الأخير للإصلاحات الاقتصادية في العراق؛ حيث عملت وزارة المالية على صرف قروض عاجلة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وبدأ تنفيذ بعض الاستثمارات التابعة للقطاع الخاص في قطاعات البنى التحتية والرعاية الصحية والتعليم والسياحة.
ولكننا لا نبالغ في التأكيد على أهمية النتائج الملموسة بالنسبة للسكان، كما لا يمكن للمرء أن يغفل الحاجة إلى الشفافية والحكم الرشيد والنزاهة في تحقيق هذه النتائج. وبعبارة أخرى؛ يجب أن تعود عوائد الاستثمار بالفائدة على الشعب العراقي وألا تتدفق بشكل غير مشروع إلى الجيوب الخاصة.
سيدي الرئيس، أنتقل الآن إلى العلاقة الحيوية بين بغداد وأربيل:
وكما سمعتموني أقول من قبل، نحن لا نزال في وضع الحلول التوفيقية المخصص. وعلى الرغم من بعض النجاحات المتفرقة في شكل اتفاق أو اتفاقين محددين، لا نزال في حاجة ماسة إلى طريق دستورية طويلة الأجل للمضي قدماً.
ولا تزال الأطراف تعرب عن استعدادها للجلوس إلى طاولة المفاوضات، ولكن في غياب حوار مؤسسي منتظم ومنظم، سيظل التقدم المستدام بعيد المنال.
مثال على ذلك: تتضمن الموازنة التي كنت أشير إليها للتو صفقة بشأن تقاسم الإيرادات بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، والتي تم التوصل إليها بعد مفاوضات مطولة، لكن - هنا مرة أخرى، يكمن الشر في التفاصيل، فالصياغة الغامضة تفتح الباب لتفسيرات متباينة واتهامات متبادلة بعدم الالتزام.
الآن، هذا الأمر لا يبشر بالخير بالنسبة لمستقبل العلاقات بين بغداد وأربيل، كما أنه مثير للقلق في سياق الانتخابات المقبلة؛ حيث يمكن بسهولة استغلال الخلافات لتضخيم الانقسامات.
ويحدوني الأمل في أن تؤتي النداءات الكردية بتكثيف وساطة الأمم المتحدة ثمارها. ولكن لكي يحصل ذلك، تحتاج بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق إلى دعم السلطات الاتحادية أيضاً. وهناك شيء واحد واضح وهو أن العلاقة البالغة الأهمية بين بغداد وأربيل تتطلب على وجه السرعة حواراً استراتيجياً مستداماً فضلاً عن آليات تنفيذ واضحة المعالم. ولا بدّ لي من الاعتراف بأن تجاربي حتى الآن لا تبعث على التفاؤل في هذا الصدد.
وفي سياق منفصل: فإن الجهود التي بذلتها الرئاسة الكردية مؤخراً سعياً لبناء وحدة كردية أكبر جديرة بالثناء وتدعو إلى التفاؤل؛ فالاتحاد لا يكون قوياً إلا بقدر قوة الروابط بين مكوناته، وهذه الروابط يتم تعزيزها من خلال المصالحة والتماسك في المجتمعات المحلية.
وفيما يتعلق بالانتخابات: وكما ذكرت في البداية، لا تفصلنا سوى أشهر قليلة عن حدثٍ هام في التاريخ الحديث لديمقراطية العراق.
ويسعدني أن أُشير إلى أن جميع القوانين اللازمة قد شُرعت وبضمنها قانون المحكمة الاتحادية العليا. إن الدعم الفني الذي نقدمه إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات متواصل – ونحن ملتزمون بمساعدة العراق على إجراء هذه الانتخابات.
وبعد قولي هذا، فإنني أُجدد الدعوة إلى جميع الجهات المعنية العراقية إلى الالتزام بنزاهة العملية الانتخابية. فالعالم يراقب. كما أن الضغط والتدخل السياسيين والتخويف والتمويل غير المشروع جميعها من أشد العوامل إضراراً بمصداقية الانتخابات، وبالتالي في الإقبال على المشاركة فيها.
وكما أسلفتُ، يجب أن يكون المرشحون ومنظمو حملات الدعاية الانتخابية ووسائل الإعلام والناخبون جميعهم أحراراً في ممارسة حقهم الديمقراطي قبل الانتخابات وأثناءها وبعد إجرائها.
ومن أجل أن تكون الانتخابات ذات مصداقية، فلابد من مكافحة التضليل بالحقائق ولا بد من أن تحل المساءلة محل التخويف.
سيدي الرئيس،
لقد قالها العراقيون بصوت عالٍ وواضح وهم يطالبون بإجراء هذه الانتخابات، والكثير منهم يدفع أبهظ الأثمان: إن هذا ليس الوقت الذي نخذلهم فيه.
إن الفشل في تنظيم انتخابات ذات مصداقية من شأنه أن يولد غضباً وخيبة أمل كبيرين ودائمين وواسعي النطاق، الأمر الذي ربما يتسبب بالمزيد من عدم الاستقرار في البلاد في وقت هي في أمس الحاجة فيه إلى القوة والوحدة.
والآن، لتفادي أي سوء فهم، اسمحوا لي أن أُشدد مرة أخرى: بأن انتخابات تشرين يقودها العراقيون وهم من يمتلكون زمام أمورها وستبقى دوماً كذلك. مما يعني أن السلطات العراقية والجهات المعنية تضطلع بالمسؤولية الكاملة والنهائية.
السيدات والسادة، وكما أطلعتكم مرات عديدة: لاتزال المساءلة فيما يتعلق بالجرائم الخطيرة وانتهاكات حقوق الإنسان محدودة – محدودة جداً، جداً.
وعلى الرغم من التصريحات العلنية التي تعرب عن العزم على ضمان المساءلة وتشكيل لجان تحقيقية، بيد أنه لم تجرَ سوى بضع محاكمات على صلة بمقتل المتظاهرين وإصابتهم بجروح خطيرة. ولم تنشر أي معلومات بشأن أنماط الهجمات العنيفة على المتظاهرين والمنتقدين، والتي نسبت إلى ما اصطلح عليه بـ “عناصر مسلحة مجهولة الهوية".
والآن، فأن هذا المناخ من الإفلات المستمر من العقاب عن الجرائم الخطيرة وانتهاكات حقوق الإنسان – مثل عمليات القتل الموجَّهة والاختطاف والتخويف – لا يمكن لهذا المناخ إلا أن يشجع الجناة ويزيد من زعزعة الثقة بالدولة ويثير مخاوف حقيقية قبل انتخابات تشرين الأول.
وعلى صعيدٍ مختلف، ولكنه مثيرٌ للقلق أيضاً: أي التطورات التي حدثت في إقليم كردستان في العام الماضي. إذ تثير هذه التطورات القلق بشأن الحد من حرية التعبير. ولم يتعرض منتقدو السلطات العامة للتخويف وتقييد الحركة والاعتقال التعسفي فحسب بل وجهت إلى بعضهم تهمة التشهير وجرى محاكمة البعض الآخر منهم مؤخراً بموجب قوانين الأمن القومي.
سيدي الرئيس، أود أن أتحدث قليلاً عن كركوك وسنجار:
فيما يتعلق بكركوك، أود الإشارة إلى أننا - منذ عامين – نقوم بتيسير الحوار بين ممثلي مكونات كركوك إلا أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق حتى الآن. وأود أن أغتنم هذه الفرصة لأحث جميع الأطراف المعنية على بذل قصارى جهدهم وإبرام اتفاق عادل دون مزيد من التأخير، فأهل كركوك يستحقون العيش في ظروف مستقرة ومزدهرة.
وفيما يتعلق بسنجار: فإن ممثلي الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان منخرطون في مباحثات حول البنود الأمنية في الاتفاق الذي تم التوصل إليه في تشرين الأول الماضي. ولم يتم تنفيذ هذه البنود بعد، مما يعوق التقدم في الإدارة وإعادة الإعمار. وهنا أيضاً، يوجد شعور سلبي بسبب غياب الحوار المؤسسي وآلية التنفيذ بين بغداد وأربيل، مما يؤجج التصورات الخاطئة وانعدام الثقة.
أحد التطورات الأكثر إشراقاً هو إقرار قانون الناجيات الأيزيديات. إن تقديم تعويضات للناجيات، والاعتراف القانوني بالفظائع التي ارتكبها تنظيم داعش ضد النساء والفتيات كجرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، يؤكد مجدداً على ضرورة محاسبة الجناة على الجرائم التي ارتكبوها.
سيدي الرئيس، يتم إحراز تقدم في محاربة فلول داعش بدعم دولي بناء على طلب العراق، لكن الإرهاب لا يزال يحصد الكثير من الأرواح البريئة.
ومما يثير القلق البالغ أيضاً حقيقة أن الصواريخ والعبوات الناسفة ما زالت أمراً ثابتاً في الحياة العراقية. ولا تزال الكيانات المسلحة المستهترة والشريرة تواصل سعيها لزعزعة استقرار البلد. وعلى الرغم من هدف الحكومة المتمثل في حصر السلاح بيد الدولة، فإننا نشهد استخدام قدرات جديدة من قبل جهات غير تابعة للدولة، مما قد يكون له آثار مدمرة.
وبالنظر إلى المنطقة وخارجها، فقد دأبت على القول عدة مرات: تلتزم الحكومة العراقية التزاماً راسخاً بلعب دور إقليمي بنّاء، بدل الوقوع ضحية التوترات الخارجية، ونشهد حالياً بوادر أولية تشير إلى أن هذا الالتزام قد أتى بثماره.
وحقاً، يمتلك العراق إمكانات كبرى للعب دور وسيط نزيه، مما يعزز السلام والاستقرار في المنطقة، ولكن لكي ينجح حقاً -وهنا أجازف بتكرار ما سبق لي قوله- ينبغي أن يتزامن ذلك مع إجراءات ملموسة تركز على حصر كل السلاح تحت سيطرة الدولة.
وعلى نطاق أوسع، أود أن أدعو مجدداً كافة الأطراف لاحترام مبادئ سيادة الدولة وسلامة أراضيها.
بالانتقال إلى الأوضاع الإنسانية، فقد شهدت الأشهر السبعة المنصرمة إغلاق أو إعادة تصنيف ستة عشر مخيماً للنازحين، مما شمل بتأثيره حوالي (50,000) عراقي.
ولم تكن عمليات إغلاق المخيمات تلك، والتي كانت تجري غالباً ضمن مهلة زمنية قصيرة، تسمح دائماً بقيام الأسر بالتحضيرات الضرورية للعودة بأمان إلى مناطقهم الأصلية.
وغني عن القول إنه حين تُغلَق المخيمات قبل تهيئة الظروف الملائمة للعودة، يواجه العراقيون التبعات الوخيمة لذلك. هناك أُسر ترفضها مجتمعاتها المحلية الأصلية وتمتنع السلطات المحلية عن توفير الحماية لها وتتقطع بها السبل بسبب المرافقة الأمنية في الطريق، وتتعرض حتى للهجوم الجسدي. وهذا بالتأكيد ليس هو المسار نحو مجتمعات محلية متعافية ويسودها الاستقرار.
ويبقى موقف الأمم المتحدة بلا تغيير: نتفهم وندعم تماماً عمل السلطات العراقية الهادف إلى إنهاء النزوح، بيد أنه يتوجب وضع حلول دائمة بغية النجاح في ذلك.
بعبارة أخرى: ينبغي أن يكون التركيز على حل مشكلة النزوح، بدلاً من التركيز على إغلاق المخيمات.
سيدي الرئيس، فيما يخص موضوع المفقودين من الكويتيين ورعايا البلدان الأخرى والممتلكات الكويتية المفقودة بما في ذلك المحفوظات الوطنية:
منذ إحاطتي السابقة لهذا المجلس، تم التعرف على رفات تعود لثمانية كويتيين آخرين ولواحد من رعايا الدول الأخرى. كما سلمت الكويت إلى العراق رفات جندي عراقي، وهي أول عملية نقل من نوعها منذ العام 2013.
وأعرب عن خالص التعازي إلى كافة أسر المفقودين الذين انتظروا طويلاً للحصول على معلومات عن مصير أحبائهم.
وعلى الرغم من التحديات المتصلة بجائحة فيروس كورونا، أسفرت الجهود المثابرة التي بذلتها حكومتا العراق والكويت واللجنة الدولية للصليب الأحمر واللجنة الثلاثية عن تقدم مشترك، ويحدوني أمل صادق أن يحقق هذا التعاون مزيداً من الإنجازات الإيجابية في الأشهر القادمة.
السيدات والسادة، في الختام اسمحوا لي أن أشدد مرة أخرى على أهمية إجراء "انتخابات ذات مصداقية".
حيث إنه في هذا المنعطف الحاسم، لا بد أن تسود للشفافية وحكم القانون.
إذ يمكن لعملية انتخابية تحظى بالثقة تصحبها مشاركة حرة وواسعة النطاق أن تساعد على توجيه البلد نحو المستقبل الآمن والمزدهر الذي يستحقه العراقيون.
فالطريق إلى التعبير عن صوت أو خيار أحد ما هو عبر صندوق الاقتراع.
وتتطلب هذه الممارسة الديمقراطية الأساسية أن يقوم كل ناخب ومرشح وصحفي وناشط بدوره. إن مقاطعة الانتخابات، وبالتالي البقاء خارج العملية الانتخابية، هي مجازفة ويمكن أن يكون ثمنها باهظاً.
والآن سيدي الرئيس، ومع اقتراب شهر رمضان من نهايته، أود أن أختتم بإهداء أطيب أمنياتي لكل من يحتفلون على الرغم من القيود المفروضة.
شكراً لكم، وعيد مبارك.