نص خطاب الممثل الخاص للأمين العام للامم المتحدة بالعراق السيد/ يان كوبيش امام جلسة مجلس الأمن يوم الجمعة 6 ايار/ مايو 2016
نيويورك، 6 أيار 2016
سيدي الرئيس،
يشرفني أن أعرض التقرير الثالث للأمين العام للأمم المتحدة، عملاً بالفقرة 7 من القرار 2233 (2015)، فضلاً عن التقرير العاشر للأمين العام، عملا بالفقرة 4 من القرار 2107 (2013) بشأن مسألة المفقودين من الكويتيين ومن رعايا البلدان الثالثة ومسألة الممتلكات الكويتية المفقودة.
سيدي الرئيس،
منذ إحاطتي الإعلامية السابقة في مجلس الأمن، اجتاحت بغداد والبلاد أزمة سياسية عميقة، تسببت بشلل ووصول إلى طريق مسدود فيما يخص عمل الحكومة ومجلس النواب، وأضافت مجموعة أخرى من التعقيدات إلى مجمل التحديات التي تواجه البلاد أصلاً في المجالات العسكرية والأمنية والإنسانية والاقتصادية وتلك المرتبطة بحقوق الإنسان.
إن إخفاق الحكومة والطبقة السياسية في العراق في التوصل إلى اتفاق وتنفيذ الإصلاحات الحقيقية التي من شأنها تحسين إدارة الحكم والمساءلة وتحقيق العدالة للجميع على قدم المساواة، وتوفير الوظائف والخدمات، وفي الوقت نفسه، قطع دابر الفساد، كما يطالب بذلك الشعب العراقي، ولا سيما في بغداد والمحافظات الجنوبية الشيعية منذ آب الماضي، قد دفع بالمتظاهرين إلى المطالبة بإصلاح الحكومة والعملية السياسية برمتهما، والمطالبة بالتخلي عن نهج المحاصصة العرقية والطائفية والذي بات مترسخاً في النظام السياسي في العراق منذ عام 2003.
وفي شهر شباط إنضمت جموع من مؤيدي السيد مقتدى الصدر إلى فئات متنوعة من المحتجين من المجتمع المدني، كان يدفعها شعور متزايد بالإحباط. وتحت وطأة تلك الضغوط، حاول السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي الإسراع في تقديم برنامجه الإصلاحي واستبدال مجلس الوزراء المشكَّل على أساس الانتماء الحزبي أو الهوية العرقية أو الطائفية، بما اصطُلح على تسميته "مجلس وزراء من التكنوقراط"، كما طالب بذلك السيد مقتدى الصدر. وبالنسبة لغالبية المحتجين العراقيين، تبرز الحاجة إلى حكومة على تلك الشاكلة لتشريع إصلاحات حقيقية والتخلص من نظام المحسوبية المترسخ بقوة وتحقيق النجاح في مكافحة الفساد. بيد أن أغلبية الكتل السياسية العراقية ترفض إصلاحاً جذريا للعملية السياسية على هذا النحو. وترى تلك الكتل في هذه المحاولات جهوداً ترمي إلى نزع الشرعية ليس عن الحكومة أو مجلس النواب فحسب، بل أيضا عن النظام السياسي برمته. كما تنظر تلك الكتل، على نحوٍ ملحوظ، إلى تحرك الصدر على أنه محاولة للاستحواذ على السلطة مستندا على الشارع الشيعي.
بعد شهور من الجدل وأسابيع من الشلل السياسي والانقسام داخل مجلس النواب، تمخض التعهد بإيجاد حل للجمود السياسي عن بعض التعيينات الوزارية الجديدة خلال جلسة مجلس النواب المنعقدة يوم 26 نيسان. بيد أن ذلك الأمل تعرض لانتكاسة كبيرة في 30 نيسان. وما إن اتضح أن التصويت على مجموعة أخرى من المرشحين للوزارات لن يجري بسبب عدم تحقق النصاب القانوني للجلسة، اقتحم المتظاهرون من التيار الصدري ومن المجتمع المدني نقاط التفتيش في المنطقة الخضراء واقتحموا مبنى البرلمان. وللأسف فإن أعمال التخريب والاعتداء على بعض أعضاء مجلس النواب أنهت ممارسة من الاحتجاجات السلمية دامت لشهور عديدة. لقد انسحب المحتجون من المنطقة الخضراء في اليوم التالي، إلا أنهم تعهدوا بالقيام بمزيد من التحركات ضمن سلسلة من الخطوات التصعيدية وهي: عزل القادة الدستوريين الثلاثة في البلاد وإجراء انتخابات مبكرة، وتصل تلك الخطوات ذروتها، إذا اقتضى الأمر، بشن هجمات على مقرات السلطة، والعصيان المدني، أو القيام بإضراب عام، ما لم تحرز الحكومة والبرلمان تقدماً سريعاً بشأن الإصلاحات. وعلى الرغم من أن الأوضاع قد هدأت في هذه المرحلة، لا يزال من غير الممكن التنبؤ بها، ويمكن أن تتكشف عن تطورات في اتجاهات مختلفة عديدة. ويساورني القلق من أن الحلول التي تجري مناقشتها في الوقت الراهن بين الرئاسات الثلاث والكتل السياسية قد لا تلبي مطالب الشعب. ومن ثمّ تؤول المظاهرات إلى الاستمرار.
منذ بداية الحركة الاحتجاجية المؤيدة للإصلاح في آب/أغسطس 2015، ما انفكت القيادة الدينية الشيعية، أي المرجعية الدينية، تؤيد طلبات الشعب من أجل إيجاد حلول سياسية للأزمة السياسية الراهنة العميقة، فضلاً عن إجراء إصلاحات تدريجية في العراق، بما في ذلك من خلال أحدث بيان صدر عن مكتب آية الله العظمى علي السيستاني في 4 أيار/مايو، والذي كسر صمت المرجعية الذي استمر لأربعة أشهر تجاه التطورات السياسية في العراق، وجاء صدور البيان متزامناً إلى حد كبير مع بداية الجهود الرامية لتشكيل حكومة تكنوقراط. وقد جددت المرجعية الدينية في ذلك البيان إنذارها للأطراف من مغبة الاستمرار في المسار الحالي في التعامل مع قضايا البلد ومع العديد من الأزمات، ودعاها البيان إلى التفكير في مستقبل شعبها واتخاذ خطوات جادة وملموسة لحسم الحالة الراهنة.
سيدي الرئيس،
أحث بقوة الحكومة العراقية والقادة الدستوريين والسياسيين والمجتمع المدني على العمل معا في حوار بناء، والذي لن يؤدي إلى حلّ المأزق السياسي فحسب، بل سيعطي تصوراً واضحاً لمستقبل أفضل للشعب، بغض النظر عن العرق أو الديانة، مما سيعمل على توحيد أبناء الشعب العراقي وقادتهم في عراق واحد. إن الاستمرار في تركيز الجهود وتوحيدها في مكافحة ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام لا يزال يمثل أولوية حاسمة، تليها تعبئة المساعدة الدولية للتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية والمالية العميقة، فضلاً عن الأزمة الإنسانية، وتعزيز الاستقرار وعودة النازحين داخلياً. إن اتباع النهج الذي مفاده أن الأمور تسير كالمعتاد لن يكون كافياً للشعب، فالشعب يريد تغييراً حقيقياً يحسن من ظروف حياته.
لقد بات من اللازم استئناف العمل في مجلس النواب، وتأكيد قيام حكومة قادرة على تعزيز إصلاحات حقيقية ولديها الاستعداد للقيام بذلك. فالأزمة السياسية والفوضى لاتصبان سوى في مصلحة أعداء العراق، وعلى رأسهم تنظيم داعش الإرهابي، فهو الجهة المستفيدة من حالة عدم الاستقرار السياسي وغياب الإصلاحات. ويجب على المجموعات السياسية العراقية أن تتعاون معاً لإيجاد حل سياسي يرتكز على الدستور والقانون والمبادئ الديمقراطية من أجل تلبية احتياجات الناس، وإنهاء حالة الانقسام والشلل في البرلمان، ويمكٍن من الإسراع في سن الإصلاحات اللازمة، واتخاذ تدابير لمكافحة الفساد، والسير السلس لعمل مؤسسات الدولة من دون تهديد أو تخويف. كذلك أهيب بالحكومة العمل على اتخاذ خطوات محددة لتعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية كجزء من عملية الإصلاح.
سيدي الرئيس
على الرغم من التقدم الملحوظ والمتسق في الميدان ضد تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أنه يظل عدواً لا يستهان به، عاقد العزم، ويعمل باستمرار على تعديل تكتيكاته وأنماط هجماته، بينما يأخذ في الحسبان التطورات الحاصلة في سوريا. وكما أبلغ الأمين العام المجلس في مناسبات عديدة، فإنه لا يمكن دحر التنظيم بالوسائل العسكرية وحدها. فبدون معالجة الأسباب الجذرية للتطرف العنيف والإيديولوجية الكامنة وراءه، لن يُكتب للجهود الاستدامة والثبات، إذ إن الانتصارات العسكرية ينبغي أن يكمّلها تقديم الدعم للنازحين، وزيادة جهود تحقيق الاستقرار، وإعادة التأهيل التي تعطي أولوية لسيادة القانون والحكم الرشيد ، وتمكين النازحين داخلياً من العودة الطوعية الآمنة إلى مواطنهم الأصلية. وفي الوقت نفسه، يجب على العراقيين إعطاء الأولوية للمصالحة السياسية والمجتمعية.
إن استقرار وأمن ووحدة العراق مرهونة بوجود نظام سياسي فاعل وشامل، وعدالة في صنع القرارات على المستويين الاتحادي والمحلي، بالإضافة إلى إيجاد حلول ملموسة لمنع الإقصاء السياسي والطائفي.
سيدي الرئيس،
ينبغي أن يتحول استئناف الاتصالات والحوار، الذي تم في الآونة الأخيرة بين بغداد وأربيل، إلى شراكة حقيقية للتعاون الذي يحقّق الفائدة المتبادلة للطرفين. ومن شأن حل الخلافات والعمل معاً على تنفيذ الإصلاحات الضرورية إيجاد الظروف اللازمة لحصول العراق، بما في ذلك إقليم كردستان على الدعم المالي والفني المعززين من قبل المجتمع الدولي. ولذلك لا مناص من أن تظل بغداد وأربيل ملتزمتين بالتوصل إلى نوع من الاتفاق بشأن الصادرات النفطية، وتقاسم العوائد، ورواتب البيشمركة، وسائر المسائل العالقة، من ضمنها القضايا التي تتعلق بالوضع في المناطق المحررة والمناطق المتنازع عليها.
وفي الوقت نفسه، أدعو الأحزاب السياسية في إقليم كردستان العراق إلى مضاعفة جهودها عبر الحوار الشامل وفق المبادئ الديمقراطية والقانونية، لحلّ حالة الجمود السياسي المستمرة في إقليم كردستان، والتي تتسبب في شلّ حركة العمل المعتاد لبرلمان إقليم كردستان منذ تشرين الأول من العام الماضي.
سيدي الرئيس،
إن زيارة السيد الأمين العام للأمم المتحدة إلى العراق في 26 آذار، التي رافقه فيها الدكتور جيم يونغ كيم، رئيس مجموعة البنك الدولي، والسيد أحمد محمد علي المدني، رئيس البنك الإسلامي للتنمية، كانت دليلاً على جدية المجتمع الدولي في دعمه للعراق. وينبغي على العالم أن يدرك أن العراق، وهو يمر بهذا المنعطف الخطير، بحاجة إلى المزيد من الدعم الدولي لا إلى تقليصه، ذلك لأنه يتحمل عبئاً عسكرياً وأمنياً واقتصاديا وإنسانياً متنامياً، ويكافح ليتجاوز تركات الماضي المتمثلة في سوء الحكم والفساد. وبينما يقف المجتمع الدولي على أهبة الاستعداد لتقديم المزيد من الدعم، ينبغي على العراقيين أنفسهم أن ينفذوا الإصلاحات التي ستعيد البلاد إلى الطريق التي تفضي بها إلى التعافي.
وأُرحبُ بالتقدم الذي تم إحرازه في المفاوضات التي أجراها العراق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهو تقدم ينبغي أن يوضع في صيغته النهائية في جولة أخرى من المفاوضات تُجرى في عمّان في منتصف شهر أيار، ولا بد أيضا من تحقيق نتائج إيجابية لتعزيز قضية العراق في المؤتمر المقبل لقمة الدول السبع الذي سيعقد في اليابان.
وفي سلسلة من الإتصالات الهاتفية التي أجراها السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي بهدف تحسين العلاقات الإقليمية منتصف شهر نيسان، وفيما قدم قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التأكيدات على دعمهم لاستقرار ووحدة العراق، تعهدوا بتقديم دعمهم للعراق في حربه ضد تنظيم داعش، وباركوا النجاح الذي تحققه قوات الأمن العراقية. وبالمثل، أكد رئيس الوزراء حيدر العبادي على ضرورة وجود علاقات جيدة مع البلدان المجاورة، وطالب بدعم متواصل في الحرب ضد تنظيم داعش.
سيدي الرئيس،
ما برح نطاق سيطرة الحكومة على محافظة الأنبار يتسع باطراد، فيما تجري إعادة التماسك إلى الرمادي، واستعيدت هيت من قبضة تنظيم داعش يوم 14 نيسان، مما يمهد الطريق لمزيد من التقدم في محافظات الأنبار وصلاح الدين وكركوك ونينوى، كالتقدم الذي يحرز في الآونة الأخيرة في ناحية البشير، ومن ضمن ذلك، الاستعدادات الخاصة باستعادة مدينة الموصل. لايزال التنسيق والتعاون بين قوات الأمن العراقية وقوات الحشد الشعبي وقوات البيشمركة والقوات المحلية والعشائرية، في ظل الدعم المتزايد من قبل التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، يمثلان عاملاً رئيسياً في إحراز هذا التقدم وما يحرز من تقدم في المستقبل، شأنه في ذلك شأن الحل السريع لحالة الجمود والأزمة السياسية. إن حالة الجمود المتواصلة والاضطرابات التي تزامنت مع أزمة اقتصادية ومالية تقوض حليفاً رئيسياً في محاربة تنظيم داعش. وفي الوقت نفسه، يجب أن يمتثل تقديم جميع أشكال الدعم للعراق امتثالاً تاماً لميثاق الأمم المتحدة وسيادة العراق.
سيدي الرئيس،
ما برح تحقيق الاستقرار في المناطق المحررة حديثاً وإعادة تأهيلها يُشكل أولوية وعنصراً مهماً لإرساء أسس المصالحة في المستقبل. إن حجم المشاكل هائل، كما هو الحال في مدينة الرمادي على سبيل المثال، والذي تكتنفه تحديات ضخمة يشكلها مستوى التدمير الواسع النطاق والتلوث غير المسبوق بالعبوات الناسفة. وعلى الرغم من التحذيرات التي أطلقتها الحكومة بشأن الخطر الذي تشكله العبوات الناسفة، فقد عادت بالفعل آلاف الأسر مضطرّةً إلى مدينة الرمادي والمناطق المحيطة بها. ويساورنا قلق بالغ إزاء التقارير التي تتحدث عن وقوع عشرات الإصابات في صفوف المدنيين جراء العبوات الناسفة والأفخاخ المتفجرة التي نصبها تنظيم داعش، فضلاً عن مخلفات الأجهزة المتفجرة. قامت دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، بالتعاون الوثيق مع السلطات الوطنية وسلطات المحافظات وبتوجيه منها، بدور في المساعدة على حشد القدرات الدولية لمعالجة المخلفات الحربية المتفجرة، بما في ذلك العبوات الناسفة على الصعيد المحلي.
سيدي الرئيس،
يساورني القلق إزاء التقارير التي تفيد باستخدام داعش للمواد الكيميائية كأسلحة في هجماتها على المدنيين ومنتسبي قوات الأمن كما حدث في منطقة بشير. وكان واحداً من أكثر هذه الحوادث إثارةً للقلق هو الهجوم الصاروخي الذي وقع في قضاء تازة في محافظة كركوك يوم 8 آذار، والذي توفيت على أثره فتاتان جراء مضاعفات يعتقد انها ناتجة عن الهجوم، ونقل عدد آخر من الاشخاص إلى المستشفى. وبعثت وزارة الخارجية العراقية بعد ذلك برسائل إلى مجلس الأمن بشأن الحادث، وأبلغت كذلك منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. وزار فريق من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية العراق في شهر نيسان بناء على طلب من الحكومة العراقية لمساعدة السلطات العراقية في التحقيق الذي تجريه بشأن هذا الهجوم وغيره من الهجمات التي أُبلغ عن شنها من قبل تنظيم داعش. إنني أدين بشدة أي محاولة من قبل داعش لاستخدام العناصر الكيميائية كأسلحة، حيث يُحظر استخدامها ويُعدُّ انتهاكا للقانون الدولي. وأدعو المجتمع الدولي لدعم التحقيقات الجارية في هذه الحوادث وضمان مساءلة أي شخص يثبت تورطه في استخدام المواد الكيميائية في صنع الاسلحة أو في تسهيل ذلك.
سيدي الرئيس،
إنني أدين أيضا بأشد العبارات الممكنة عمليات القتل والاختطاف والاغتصاب والتعذيب المتواصلة والتي يمارسها تنظيم داعش ضد العراقيين، مما قد يُشكل جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وحتى جرائم إبادة جماعية. وأدعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات لضمان مساءلة عناصر داعش عن الجرائم البشعة التي ارتكبوها. ومع استعادة الأراضي من عصابات داعش الإجرامية والإرهابية، يتواصل الكشف عن أدلة على الجرائم البشعة التي ارتكبوها. وقد تم اكتشاف ما يزيد على 50 مقبرة جماعية حتى الآن في عدة مناطق من العراق. وفي الآونة الأخيرة، تم العثور في يوم 19 نيسان على ثلاث مقابر في منطقة ملعب كرة القدم في وسط الرمادي مع مؤشرات على وجود رفات ما لا يقل عن 40 شخصا ربما تكون تم اكتشافها. كما يواصل تنظيم داعش إرتكاب انتهاكات ضد النساء والأطفال. فلا تزال المعلومات التي ترد تفيد بأن داعش يقوم بتجنيد مئات من الأطفال الأيزيدين قسراً في محافظة نينوى ليستخدمهم كمقاتلين في سوريا والعراق. وبالإضافة إلى ذلك، لا يزال مكان ومصير الآلاف من النساء والفتيات الإيزيديات الواقعات في الأسر لدى داعش مجهولاً. وقد بُذلت جهود محدودة ولكنها ملحوظة من جانب الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان، جنبا إلى جنب مع زعماء القبائل، أفلحت في الإفراج عن بعض هؤلاء النساء والفتيات، ولكن يبقى هناك الكثير مما يتعين القيام به.
ويتواصل كذلك وقوع الهجمات الإرهابية التي تستهدف المدنيين بشكل مباشر يومياً في جميع أنحاء البلاد، وعلى الأغلب في بغداد. ووقعت آخر اثنتين من تلك المآسي حينما استهدفت ما يعتقد أنها شاحنة ملغومة يقودها انتحاري الزائرين والمتسوقين في سوق بمنطقة النهروان في بغداد يوم 30 نيسان مما أودى بحياة نحو 24 شخصاً وإصابة 48 آخرين، واستهدف هجوم انتحاري مزدوج بسيارتين مفخختين مدينة السماوة في محافظة المثنى في يوم 1 أيار، مما أسفر عن مقتل ما يقدر بنحو 38 شخصاً وجرح 86 آخرين. إنني أدين بشدة هذه الأعمال الجبانة، التي تحاول إذكاء فتيل التوترات الطائفية وإضعاف الوحدة الوطنية للعراق وشعبه.
إن إرهابيي داعش يقتاتون على حالة الفرقة والخلافات بين العراقيين، والرد على مثل هذه الجرائم يتطلب قيام العراقيين من كافة الإنتماءات والخلفيات، بدءًا من قادتهم السياسيين وأعضاء البرلمان، مضاعفة جهودهم للعمل تجاه تحقيق الوحدة والمصالحة.
سيدي الرئيس،
في التاسع والعشرين من نيسان/أبريل، شاركت أنا ونائبي في الاجتماع غير الرسمي لمجموعة الخبراء التابعة لمجلس الأمن، الذي انعقد برئاسة بعثتي أسبانيا والمملكة المتحدة الدائمتين لدى الأمم المتحدة، لمناقشة الأوضاع السائدة في العراق فيما يخص المرأة، والسلم والأمن. وقد سلطت المباحثات الضوء على تدهور أوضاع حقوق المرأة بسبب الصراع المسلح ضد تنظيم داعش، فضلاً عن التداعيات الإنسانية لهذا الصراع. وقد خلص الاجتماع إلى عدد من التوصيات، من بينها قيام حكومة العراق بخطوات محددة لتعزيز مشاركة المرأة في معترك الحياة السياسة والحياة العامة؛ وضرورة تحقيق مستوىً عالٍ من المشاركة السياسية، دعماً للبرامج الرامية إلى النهوض بالمرأة وتعزيز السلم والأمن، بما فيها جهود المصالحة ومكافحة الإرهاب، وتحقيق الاستقرار؛ ودعم جهود حشد التأييد التي تهدف لاستشكاف خيارات التمويل اللازمة للمضي قدماً بتنفيذ خطة العمل الوطنية بشأن قرار مجلس الأمن رقم 1325، وإنشاء كيان حكومي يعنى بتنسيق شؤون المرأة. وتسعى البعثة حالياً، من خلال التعاون مع مكتب الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع ، إلى تعزيز قدرات الأمم المتحدة في العراق لمعالجة العنف الجنسي المرتبط بالصراع، من خلال تعيين مسؤول بصفة مستشار أقدم لحماية المرأة.
سيدي الرئيس،
إن تجدد المصادمات التي بدأت أواخر شهر نيسان/أبريل بين قوات البيشمركة وقوات الحشد الشعبي في منطقة طوز خورماتو بالقرب من تكريت، والتي تسببت بسقوط مالايقل عن 131 من الضحايا في صفوف المقاتلين والمدنيين، يسلط الضوء على الحاجة الملحة لإحراز تقدم في تعزيز العلاقات فيما بين المجتمعات المحلية، وأن تتم على وجه السرعة استعادة هيبة الدولة، والسلطة المحلية، وسيادة القانون، والحكم الرشيد، والعدالة وتقديم الخدمات في المناطق المحررة حديثاً، وممارسة السيطرة الحازمة على جميع المقاتلين والأسلحة. إن إخضاع قطاع الأمن لإصلاحات من شأنها معالجة مسألة الجماعات المسلحة المتفلتة ووجودها في المدن، وبشكل لافت في المناطق المحررة، ما فتئ يشكل أولوية للبلاد.
سيدي الرئيس،
إن الأزمة الإنسانية في العراق لا تزال من أسوأ الأزمات في العالم. فقد تضاعف خلال السنة الماضية عدد العراقيين الذين بحاجة إلى مساعدة. وإن ما يقرب من ثلث السكان، أي أكثر من 10 ملايين شخص، بحاجة الآن إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية. ومن المؤكد أن تؤدي الحملة العسكرية في الأشهر المقبلة، رهناً بنطاقها وكثافتها، إلى نزوح جماعي. وفي سيناريو أسوأ الافتراضات، ربما يجري تشريد أكثر من مليوني عراقي آخر مع نهاية السنة. إن الأمم المتحدة يساورها قلق عميق إزاء الأوضاع الإنسانية، لاسيما في الفلوجة التي لا تزال تقبع تحت سيطرة تنظيم داعش، وهي واقعة بالفعل تحت الحصار. ووفقاً لنظام مراقبة الأمن الغذائي عن بعد الذي يطبقه برنامج الأغذية العالمي، فإن أسعار المواد الغذائية تتضاعف بشكل مستمر، ومخزون السلع آخذ في النفاد في المتاجر والبيوت . وبناء على طلب من منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ونائبتي، تقوم الحكومة بإخراج الأسر التي تتمكن من الوصول إلى نقاط التجمع وتوفير السلامة لها. وقد تمت تعبئة مجتمع العمل الإنساني لتقديم الدعم المنقذ للحياة لتلك الأسر وللأشخاص المحاصرين في الفلوجة.
إن خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2016 تتطلب توافر مبلغ861 مليون دولار لتقديم المساعدة المنقذة للحياة إلى 7 ملايين عراقي. ومن المخيب للآمال أنه لا يتوافر حتى الآن سوى ربع ذلك المبلغ. وما لم يصل مبلغ 300 مليون دولار بحلول حزيران/يونيه، فإنه سيتم تقليص أو إغلاق العشرات من البرامج الأساسية المنقذة للحياة. وبما أن الاحتياجات تفوق قدرات البلاد، تصبح جهود المجتمع الدولي ومشاركته مسألة بالغة الأهمية.
ومن المستهدف للخطة الإنسانية ذات الأولوية لهذا العام أن تشمل الاحتياجات القائمة في البلد، ولا تشمل الاحتياجات الإضافية المدرجة في خطط الطوارئ من أجل تحرير الموصل. أما المبلغ اللازم لمساعدة من سيتأثرون بالعملية العسكرية في الموصل، فسيتوقف بشكل مباشر على نوع العملية. وفي حالة حدوث تدمير واسع النطاق ونزوح جماعي يمتد لفترة طويلة، ستكون تكلفة دعم هؤلاء السكان هائلة. نحن بحاجة أيضا إلى مضاعفة الموارد البشرية والتمويل لتلبية الاحتياجات الهائلة للنساء والفتيات النازحات، وتلك الاحتياجات تشمل التعليم والرعاية النفسية المتخصصة.
سيدي الرئيس،
أود الآن أن أنتقل إلى التقرير العاشر للأمين العام عن مسألة المفقودين من الرعايا الكويتيين ومن رعايا البلدان الثالثة، والممتلكات الكويتية المفقودة، بما فيها المحفوظات الوطنية. لقد تسلمت وزارة الدفاع العراقية رسمياً الاستعراض التقني لملف المفقودين الكويتيين، وقد استأنفت العمل بشأنه، وتضطلع بعدد من الأنشطة منذ المرحلة الانتقالية. تلك خطوة تدعو للتفاؤل وجديرة بالترحيب، وآمل أن تضيف زخماً إلى الجهود التي تبذلها حكومة العراق. خلال شهر نيسان/أبريل طلبت وزارتا الدفاع والخارجية مرة أخرى من المواطنين في العراق ممن لديهم معلومات حول ما يعتقد بأنها مقابر لأشخاص مفقودين، طلبت منهم التبليغ عن تلك المعلومات. وللأسف، لا يزال الجمود مستمراً فيما يتعلق بالممتلكات الكويتية المفقودة.
وفي متابعة للزيارة التي قام بها الأمين العام إلى العراق، رافقته في زيارة إلى الكويت في نهاية شهر آذار/ مارس، تشجيعاً للقيادة العراقية للقيام بكل خطوة ممكنة لتحقيق تقدم ملموس فيما يتعلق بقضايا الأشخاص المفقودين والممتلكات المفقودة. وبغية الإسهام في هذا الجهد بفعالية أكبر، فإن بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق سوف تتواصل مع سائر أصحاب المصلحة من أجل التماس مساعدتهم في شتى الجوانب التي من شأنها أن تساعد على الدفع قدماً بالعملية.
غير أني أود التشديد على أن المسؤولية الرئيسية عن كفالة إحراز تقدم تقع على عاتق حكومة العراق. وبينما ندرك الحجم الهائل للتحديات التي تواجه العراق حالياً، لا بد للحكومة من الوفاء بالتزاماتها الدولية، ولا يمكن التغاضي عن تلك المسألة.
شكراً سيدي الرئيس,,,