كلمة الممثلة الخاصة للأمين العام في العراق السيدة جينين هينيس-بلاسخارت بمناسبة اليوم الدولي للمرأة
5 آذار 2023
بغداد، العراق
مساء الخير،
يسعدني أن أكون هنا وأنا أعني ذلك.
إنه لشرف حقيقي أن أخاطبكن جميعاً اليوم، بمناسبة الثامن من شهر آذار، وهو التاريخ الذي نفكر فيه في الإنجازات ونعيد الالتزام بمواصلة النهوض بالمرأة. وبالطبع، أنا فخورة بأن أكون بينكن - حيث استخدمت الكثير منكن أصواتهن لمناصرة قضايا المرأة وأنا فخورة بذلك حقا.
إذن دعونا ننتهز هذه الفرصة لنفكر بالفعل. إلى أين وصلت الأمور فيما يتعلق بالمرأة في العراق اليوم؟
وأولئك الذين يعرفونني يدركون حقيقة أنني أحب أن أرى نصف الكوب الممتلئ.
والآن - دعوني أبدأ بانتخابات تشرين الأول 2021. حيث اغتنمت النساء الفرصة التي أتاحتها هذه الانتخابات – واستفدن منها. لقد حشدن من أجل دوائرهن، وتجاوزن الحد الأدنى للكوتا البالغة 25٪ ليشكلن أكبر عدد من النساء في البرلمان العراقي حتى الآن.
ولم يكن هذا بالأمر السهل، حيث أنه من المعروف على نطاق واسع أن المرأة تواجه تحديات كبيرة عندما تسعى إلى ممارسة حقوقها السياسية والانتخابية من تزايد المضايقات والترهيب والعنف الجنسي والنفسي والجسدي، إلى المراقبة المتحيزة ضد المرأة من الجمهور ووسائل الإعلام. وللأسف، هذا هو الحال في العديد من البلدان والمناطق في جميع أنحاء العالم وكذلك في العراق.
لذا نعم، لكل هؤلاء النساء هناك أود أن أقول، أحسنتن عملاً. وفي الوقت نفسه، من الجلي تماماً أن أمامنا الكثير من العمل. ليس فقط لضمان إزالة الحواجز القائمة أمام حصول المرأة على حقوقها السياسية والانتخابية، ولكن أيضاً لتحقيق توازن أفضل بين الجنسين في مناصب صنع القرار. وأعني أن لا أحد ينكر أن عدداً قليلاً جداً من النساء ينتهي بهن الأمر في منصب عمدة أو محافظ، ناهيك عن رئاسة الدولة أو الحكومة.
وفي نفس الوقت، اتخذت حكومة العراق بعض الخطوات التي من شأنها زيادة الحماية التي تشتد الحاجة إليها للنساء في أوضاع الضعف، بما في ذلك اللاتي ينتمين إلى مجتمعات الأقليات. ويسعدني أن أرى تحركاً في مجال التعويضات ذات الأثر الرجعي للأيزيديات وفقاً لقانون عام 2021 للناجيات الأيزيديات.
ومع ذلك، لا يزال أمامنا المزيد والمزيد من العمل. فعلى سبيل المثال، لا يزال هناك الكثير من الثغرات التي يمكن للمرأة أن تسقط عبرها فيما يتعلق بالتشريع وتنفيذه. ولا يحتاج قانون مكافحة العنف الأسري أن يصدر فحسب، بل يحتاج كذلك إلى القوة المالية والسياسية ليحدث تغييراً.
وعلاوة على ذلك، فإن الحقيقة القاسية هي أن العنف ضد المرأة يتخذ أشكالاً عديدة خفية. نعم، بالتأكيد جميع أنواع التهديدات العلنية والصريحة، ولكن أيضاً هناك التهديدات المستترة بالإقصاء الاجتماعي والرفض. كل هذا بقصد الحط من قدر النساء المعنيات أو إحباطهن أو فضحهن. ويمكن أن يحدث ذلك في المنزل وفي المجتمع المحلي وفي الأماكن العامة وعبر الإنترنت. ولا يمكن إنكار أن التهديدات - المستترة أو الصريحة - غالباً ما تسبق العنف الجسدي أو الجنسي.
والخبر السار هو أن البرنامج الحكومي لشهر تشرين الأول 2022 يتبنى التزاماً بتمكين المرأة ودعمها وحمايتها. وبالطبع فإن الالتزامات جيدة. فهي الخطوة الأولى. لكن ما يأتي بعد ذلك هو الجزء الذي يهم حقاً. هذا هو المجال الذي نحتاج فيه – جميع الموجودين في هذه القاعة - إلى توخي اليقظة. وعلينا أن نستمر في التساؤل متى وكيف سيؤدي هذا الالتزام إلى العمل.
وبالحديث عن العمل، فإن النساء - ولا سيما الشابات – يجب أن أقول هذا يقمن بهذا العمل. ففي جميع أنحاء هذا البلد، تتوصل النساء إلى حلول مبتكرة مستمدة من المجتمعات المحلية لبعض أكبر الأزمات الوجودية التي تواجه المجتمع العراقي. فعلى سبيل المثال، التقيت ببعض النساء الرائعات اللواتي يعملن في ملاجئ الناجيات من العنف هنا في بغداد. وتواصل النساء العراقيات المشاركة في إعادة إعمار المناطق المحررة من داعش والتوعية بمخاطر التي تشكلها الأجهزة المتفجرة يدوية الصنع وإعادة بناء مجتمعاتهن. وفي الأسبوع الماضي سمعت عن مشروع تقوده النساء لتحويل النفايات العضوية إلى أسمدة، مما يحد من التلوث ويحقق إيرادات ويساهم في القطاع الزراعي في العراق.
إنه أمر رائع ويلهم الكثير من الناس، وأنا من بينهم.
بيد أنه، دائماً ما يكون هناك "لكن"، كما استمعتن من الأمثلة التي استخدمها سابقاً. بمعنى آخر: المزيد من التقدم يتطلب عملاً جاداً. حتى إذا أردنا أن نرى نصف الكوب الممتلئ، مثلي أنا، قد يستمر تفاؤلنا لفترة ثم يختفي.
الضيفات الكريمات، الصديقات العزيزات،
لقد تم وضع حجر الأساس، وهو أمر جيد.
ولكن ما ينقصنا حتى الآن هو الهيكل المتين.
والأمر البديهي هو أن البناء يتطلب المزيد. وأكثر بكثير.
يتطلب المزيد من الموارد. وآمل أن نرى مخصصات ملموسة في موازنة العراق الجديدة.
يتطلب المزيد من التعبئة والمناصرة. وفي هذا السياق، دعوني أشير إلى الدروس المستفادة من انتخابات 2021 وأهمية تطبيق هذه الدروس في أية انتخابات مقبلة.
يتطلب المزيد من الشراكات. إن الاستماع مباشرة من المرأة العراقية العادية هو أفضل طريقة لجس النبض ومعرفة ما يحدث بالفعل في جميع أنحاء البلاد.
يتطلب المزيد من التمثيل. على الرغم من سعادتي بتعيين 3 نساء كوزيرات في الحكومة (بعضهن موجودات هنا اليوم)، إلا أننا ننتظر بفارغ الصبر زيادة أخرى في أعداد النساء في مناصب صنع القرار.
يتطلب المزيد من الإرادة السياسية، والتي ستكون مطلوبة على سبيل المثال للدفع بمسودة قانون مكافحة العنف الأسري التي طال انتظارها. وأتحدث عن هذا القانون مرة أخرى لأنه بالغ الأهمية، وليس فقط للنساء بل أيضاً لكبار السن والأطفال – من الذكور والإناث – وأي شخص آخر معرض لخطر العنف داخل الأسرة.
وأخيراً، فإن كل ذلك يتطلب شجاعة. لأنه وبصراحة ليس من السهل دائماً التحدث عن أو التحرك بشأن تمكين المرأة اليوم.
أما بعد، فنحن النساء مدعومات بحجة قوية.
ولا أتحدث عن الحجة المعنوية فقط. أعني أنني لا أعتقد أن الكثير من الرجال سيختلفون على أن حماية حقوق وحريات نصف السكان هي، ببساطة، الشيء الصحيح الذي يجب القيام به.
وهناك أيضاً الحجة القانونية. وأنا أشير بالطبع إلى دستور العراق لعام 2005 والذي صدر بعد استفتاء عام – والذي يكرس الحقوق المتساوية للنساء والرجال، ناهيك عن العديد من القوانين والمعاهدات الوطنية والإقليمية والدولية.
وهناك الحجة العملية – التي تزداد صعوبة الاعتراض عليها. إذ لا تزال الأبحاث تثبت أن وجود المزيد من النساء في مناصب صنع القرار أمر جيد، ليس فقط للنساء، ولكن للجميع. وتشير الدراسات إلى أن المجتمع ككل يصبح أكثر أمناً وازدهاراً مع تحسن المساواة بين الجنسين[1]. ومع استمرار العراق في النهوض ببرنامج نموه الاقتصادي، سوف اقتبس البنك الدولي الذي توصل إلى أن القيمة المضافة طويلة الأجل للاقتصاد للشخص الواحد ستكون في المتوسط أعلى بنسبة 20٪ تقريباً إذا تم سد فجوات التوظيف بين الجنسين.[2]
وبما أننا لسنا هنا لمناقشة السياسة أو الجدل حول الانتماءات فإنني متأكدة من أننا جميعاً نتشارك ونثمن و/أو نقدر الدعوات إلى احترام السياقات والثقافات والتقاليد المحلية. وفي نفس الوقت، تخبرنا كلاً من البيانات والتجربة التي نعيشها أن العالم لا يمكنه مواجهة التحديات العديدة التي تلوح في الأفق بدون الاستفادة من إمكانات المرأة. إن الأمر بهذه البساطة. ويبدأ تسخير الإمكانات الهائلة للمرأة بحماية حقوقها وحرياتها.
وقد أوصل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي زار العراق قبل عدة أيام، هذه الرسالة مرة بعد مرة. ولهذا السبب أعطى الأولوية لوضع النساء والفتيات في قلب "أجندتنا المشتركة" - وهي مبادرة شاملة لمعالجة أكبر القضايا في عصرنا. لنكن واضحين: فإن أجندتنا المشتركة هي مبادرة دعت إليها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما في ذلك العراق.
وأنظر حولي اليوم صديقاتي العزيزات، إلى قاعة من النساء البارعات البارزات.
وأعرف أن البعض، خاصة بعض الرجال، سيتهمنا "بإقناع من هم مقتنعون" كما تقول العبارة المعروفة.
ونعم، علينا أن نكون واقعيين – لكي نرى تغييراً حقيقياً، يجب أن نقنع ويجب أن نستقطب، الذين لا يتواجدون في هذه القاعة.
وأعتقد في نفس الوقت أننا نحتاج إلى مساحات مثل هذه، لنستمد القوة من جهودنا المشتركة ومشاركة الدروس والخبرات ووضع استراتيجيات المضي قدماً – والوصول إلى الذين لا يشكلون جزءاً من "المجموعة المقتنعة".
عندما كنت طفلة صغيرة، كانت والدتي تخبرني مرارا وتكرارا: إذا كان باستطاعتك الحلم بشيء، يمكنك بالفعل تحقيقه. وكانت على حق لذا دعونا نفعل ذلك بشكل جماعي.
إن موضوع الليلة يتأمل دور النساء في ما بين النهرين. هؤلاء النساء قمن ببناء مدن بأكملها وصنعن التاريخ بكلماتهن وقدن الحضارات.
ولسنا بحاجة إلى النظر بعيداً لنرى أمثلة في عصرنا الحديث. حيث أشير إلى الراحلة زها حديد المعمارية المميزة على المستوى العالمي والراحلة زكية حقي أول قاضية في العراق والمنطقة العربية وعلية صالح خلف المعروفة بأم قصي التي عرضت نفسها لخطر كبير لإنقاذ حياة الجنود العراقيين من داعش وتستمر في إلهام الكثيرين.
هذه ليست سوى بعض من عدد لا يحصى من النساء اللواتي يقفن ويدعين إلى التغيير، اللاتي يضغطن من أجل التشريع، اللاتي يقلن الحقيقة للسلطة، ويطرحن قضية النهوض بالمرأة وتمكينها في العراق وخارجه.
وختاماً صديقاتي العزيزات، وللإشارة مرة أخرى إلى موضوع اليوم، دعوني أؤكد أن كل امرأة في العراق هي ملكة. ليس ذلك فحسب، بل في كثير من الأحيان أم لملكة.
وبصراحة، لم أقابل بعد الرجل الذي يمكن أن يقول الشيء نفسه.
شكراً.
[1] World Economic Forum Gender Gap Report (2017), as cited by European Partnership for Democracy