كلمة السيد جورجي بوستن، نائب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق في المؤتمر الدولي الثاني للعمليات النفسية لمواجهة داعش
معالي السيد رئيس الوزراء،
سيداتي وسادتي وزملائي،
يسرّني أن أخاطب هذا المنتدى المهم، والذي يقيّم الإنجازات المتحققة في الحرب على الإرهاب في العراق، ويتيح الفرصة للمشاركين من العديد من البلدان والمؤسسات لتبادل الآراء حول استحقاقات المرحلة القادمة. وإني على ثقة بأن هذا المؤتمر سيخرج بنتائج مهمة من شأنها زيادة فعالية جهودنا المشتركة الرامية إلى اجتثاث الإرهاب من العراق بشكل نهائي.
حضرات المشاركين الأفاضل،
لقد هزّت الهجمات المروعة في منطقة الكرادة ببغداد وفي مدينة نيس خلال الشهر الماضي وفي مدينة كويتا اول البارحة، والتي استهدفت مدنيين من بينهم أطفال صغار، هزت الضمير الإنساني مرة أخرى. وسواء أكان المنفذون هم تنظيم داعش، أو طالبان أو بوكو حرام أو جبهة النصرة فهم جميعاً يشتركون في فكر تكفيري متشابه يستند إلى انعدام الشعور الإنساني وإلى كراهية مرضية.
يتعين على العالم أن يدرك الرابط الذي يجمع كل تلك الجماعات المتطرفة، فهم يتصرفون بنفس الوحشية والاستخفاف بالحياة والتشويه الكامل لجوهر الإسلام. ومتى ما تم إدراك ذلك الأمر يمكن البدء في العمل على إرساء إطار مناسب لمحاربة فكرهم. كما أن من شأن الفهم الأفضل أن يمنع بعض الكيانات من إثارة النعرات المعادية للإسلام، لأن ردود الأفعال المبالغ فيها والقائمة على الجهل لن تخدم سوى قضية التكفيريين.
وتتنوع مظاهر التهديد العالمي الذي يشكله داعش. ومنذ مطلع عام 2016 أدى الضغط العسكري المتواصل في العراق وسورية من قبل قوات الأمن و التحالف الدولي، إلى تعرض هذا التنظيم الإرهابي لانتكاسات عسكرية. ومع أن التوسع الجغرافي لداعش في كلتا الدولتين قد تم إيقافه وردّه على أعقابه، في الأشهر الأخيرة، أشارت العديد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى أن التنظيم لم يصل بعد إلى حالة ضعف استراتيجي يحد من نشاطه التخريبي.
لقد بينت الهجمات التي وقعت على مستوى العالم مؤخراً ونفذها أعضاء في التنظيم، أن التنظيم يمضي نحو التحول إلى طور جديد إذ بات الخطر يتنامي كون الهجمات التي تم الإعداد لها وتوجيهها مركزياً لتستهدف مدنيين في أنحاء العالم قد تصبح أكثر تكراراً. ففي الأشهر الستة المنصرمة لوحدها نفذ داعش أو حث على أو ادعى مسؤوليته عن هجمات إرهابية في بنغلادش وبلجيكا ومصر وفرنسا وألمانيا وأندونيسيا ولبنان وباكستان وروسيا الاتحادية وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية. وقد أسفرت تلك الهجمات عن مقتل ما يزيد على 500 شخصٍ وإصابة مئاتٍ آخرين. ولا تشمل القائمة السابقة الهجمات والمعارك في مناطق الصراع في أفغانستان والعراق وليبيا وسورية واليمن. وقد دعم ذلك التوجه قدرة التنظيم على التكيف، لذا لا مناص من اللجوء إلى استجابة متعددة المسارات، لا تقتصر فقط على استخدام السلاح والمال وإنما تعززها مسائل أخرى.
وتشير الأدلة النوعية المتوفرة إلى وجود عوامل مساعدة معينة متكررة، تفضي إلى الغلو والتطرف العنيف. وهذه العوامل هي غياب الفرص الاجتماعية – الاقتصادية، والتمييز، وضعف نظام الحكم، والانتهاكات التي تستهدف حقوق الإنسان وسيادة القانون، والصراعات القديمة التي لم تتم تسويتها، والتطرف في السجون. وقد وضعت الأمم المتحدة خطة عمل عالمية بغية التصدي للتطرف العنيف، ويمكن لكافة المشاركين الحصول على نسخ من هذه الخطة.
وفيما يتعلق بجهود مكافحة التطرف العنيف، فإننا بحاجة لأن نرى مشاركة أوسع لعدد أكبر من قادة المجتمع ورجال الدين في هذه الجهود، وكذلك تجاوباً أكبر مع جهود اجتثاث الفكر المتطرف، بما في ذلك من خلال نشر الفكر المضاد. كما أن العلاقات الصحية مع جميع المكونات تنطوي على أهمية استثنائية بالنسبة للحكومة والمجتمع على حد سواء. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر المكونات المحلية مؤهلة بشكل فريد. كما يمكن للشيوخ والآباء التأثير بشكل كبير في الأطفال والشباب ممّن لديهم ميل للقيام بالأنشطة المتطرفة. فلا ينبغي أن تكون الحكومة هي الطرف الوحيد الذي ينخرط في المناقشات التي تدعو إلى نبذ التطرف. فعند وجود شخص ما يعاني من فراغ فكري يجعله عرضة لتقبل أفكار التطرف العنيف، يجب أن يكون هناك شخص ما لملء ذلك الفراغ بالفكر والآراء البديلة. ومن الضروري أن يشمل هذا التوجه المجتمع برمّته. فالمجتمع بأكمله في وضع أفضل لفهم عوامل الخطر المرافقة للسلوك المتطرف وكيفية التدخل ابتداء "من المدرسين، مروراً بالقائمين على إنفاذ القانون انتهاء بالشخصيات الدينية. وفي الوقت ذاته، ستكون العملية أسهل بكثير لو قدمت الحكومة دعماً أكبر لائقاً.
ويتعين على رجال الدين المسلمين أن يعملوا على تحصين الإسلام الوسطي ضد تنظيم داعش، وهو ما بدأ يحصل بالفعل. فالرسائل التي يرسلها الشيوخ المعتدلون الذين يمتكلون الجرأة على التحدث يمكن أن يكون لها تأثير كبير، ولكنهم بحاجة إلى التحدث بصوت أعلى عن تلك الأفكار وإلى استهداف شريحة أوسع من الجمهور. وأود في هذا الخصوص أن أرحب بالجهود الدؤوبة للشيخ عبد اللطيف الهميم والشيخ محمود العيساوي وغيرهما من الداعين للأعتدال والوسطية.
سيداتي وسادتي،
أود أن أحث جميع الحاضرين على التفكير سوياً من أجل التوصل إلى سبل جديدة للتصدي للمهمة الصعبة المتمثلة في مكافحة الإرهاب التكفيري، وهو الصراع الذي يحظى العراق فيه بدعم واسع النطاق من المجتمع الدولي، والتزام راسخ من الأمم المتحدة بذلك الدعم. وليكن هذا المؤتمر بمثابة المدخل إلى عقد مزيد من اللقاءات المستقبلية، التي تمهد الطريق لتنسيق أفضل فيما بيننا، وتقرّبنا أكثر من تحقيق هدفنا، ألا وهو عراق خالٍ من الإرهاب.