كلمة الأمم المتحدة في العراق من SRSG، جينين هينيس-بلاسخارت، خلال إطلاق حملة الـ 16 يوماً من النشاط لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، والتي ألقتها نيابة عنها ساندرا لطوف، المسؤولة المكلفة نيابة عن المنسق المقيم للأمم المتحدة
بغداد، العراق
22 تشرين الثاني 2023
أصحاب المعالي
السيدات والسادة
الضيوف الأفاضل
إنه لمن دواعي سروري أن أشارك في إطلاق حملة 16 يوماً من النشاط لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات.
أعتقد أن الموضوع العام لحملة هذا العام، الذي يركز على الاستثمار في منع العنف ضد النساء والفتيات، يكتسب صدى خاصاً في أرجاء المعمورة، بما في ذلك هنا في العراق.
إن الحقيقة المرة الماثلة أمامنا هي أن واحدة من كل ثلاث نساء تتعرض لعنف جسدي أو جنسي لمرة واحدة على الأقل في حياتها، وإن ثمن ذلك باهظ جداً من أوجه عدة، ومن هنا يكتسب منع مثل ذلك العنف أهميته.
إن لذلك أهميته أوّلاً وقبل كل شيء للنساء والفتيات، حيث إن معاناتهن لا يمكن تصورها، ولكن لذلك أهميته للأُسر والمجتمعات المحلية والمجتمع على نطاق أوسع.
سيداتي وسادتي،
في أواخر العام الماضي تبنت الحكومة العراقية، بقيادة دولة رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني، برنامجاً طموحاً. وكما أوردت في إحاطتي الأخيرة لمجلس الأمن الدولي: فقد شهد البلد خلال المدة التي تلت ذلك اتخاذ خطوات مهمة وظهور مبادرات واعدة تهدف إلى تحسين تقديم الخدمات وتعزيز النمو الاقتصادي وتعزيز الرفاه لكافة قطاعات المجتمع.
وآمل بصدق أن ينهض كافة العراقيين- بمن فيهم النساء والفتيات العراقيات- للاستفادة من الإمكانيات المتاحة في المستقبل، وعلى وجه الخصوص لأن البرنامج الحكومي يضم على نحو جلي أهدافاً تعنى بتمكينهن وحمايتهن.
ومع ذلك، وكما نعلم جميعاً، فأن ذلك لن يكون عملاً سهلاً – ناهيك عن كونه امراً مفروغاً منه. وفي بيئة معقدة وسريعة التغير، فأن مثل هذه الالتزامات في كثير من الأحيان يتم ركنها جانباً بفعل وجود أولويات منافسة.
لذا، بالتأكيد، فأن حدثاً كهذا يمكن ان يكون بمثابة تذكير ضروري بالعمل الذي يجب ان ننجزه جميعاً. ان العنف ضد النساء والفتيات لن يعالج نفسه بنفسه. هناك حاجة لبذل جهود حثيثة لمنع العنف ضد النساء والفتيات ومعالجته. عبر مختلف الوسائل. وفي نهاية المطاف، فإن استئصال مثل هذا العنف يتمحور حول الاستثمار في إرادتنا الجماعية والموارد والوقت من أجل تحقيق تغيير دائم.
الآن، عندما نتحدث عن العنف ضد النساء والفتيات، فما الذي نتحدث عنه فعلاً؟
- بالطبع، لا يزال التهديد الحقيقي للعنف الجسدي والجنسي ينتظر العديد من النساء في المجتمع.
- وهذه حقيقة، كذلك، بالنسبة لباقي أشكال العنف، مثل الإيذاء العاطفي، الذي يمكن ان يتجلى في جهود التحقير أو التسلط أو الإهانة أو الإذلال.
- التهديدات والتخويف والمضايقة هي من ضمنها ايضاً.
فكل ما تقدم غالباً ما يكون جزء لا يتجزأ من حياة مرأة ما... وبينما يمكن أن يكون الإقصاء والتهميش عاملان محفزين، فإن النساء في مواقع السلطة لا يتمتعن بالحصانة دونما شك.
وللأسف، فأن أعمال العنف هذه يمكن ان تحدث في أي مكان. في المنازل والمجتمعات المحلية وأماكن العمل وهياكل الحوكمة – إذ لا يوجد حيز أو مساحة مستثناة.
وعند التهيئة لعقد هذه الفعالية، غمرني السرور عندما أحطت علماً بالتركيز على تعزيز دور المرأة في عمليات صنع القرار. ان العلاقة بين العنف ضد المرأة ومشاركة المرأة ليست واضحة على الدوام. ولكن، دعونا نفكر في ذلك للحظة.
ولنأخذ على سبيل المثال، امرأة تتعرض للعنف في بيتها – سواء كان عنف جسدي أو عاطفي. فليس من الصعب أن نرى لماذا قد يكون لديها وقت أصعب من الأخريات في الإدلاء بصوتها في الانتخابات أو في المشاركة في الإدارة المستندة الى المجتمعات المحلية.
ومثال آخر على ذلك: امرأة تفكر في الترشح لخوض انتخابات محلية أو عامة. فإذا كانت تعتقد ان هذا الترشح قد ينطوي على مخاطر تتعلق بالحماية، سواء كان بالإساءة عبر الإنترنت أو التهديد من خلال المضايقات أو التخويف، فربما تفكر ملياً في ذلك. ويجب علينا الا ننسى ان للعنف أشكالا بنيوية أيضاً – تتمثل في الطرق التي يتم فيها إقصاء النساء بصورة ممنهجة من المحافل التي تتخذ فيها القرارات الهامة.
ومن الواضح تماماً أنه لا يمكن لأي بلد أن يحقق أهدافه - سواء كانت أهدافاً سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية - دون مشاركة وقيادة المرأة في ذلك البلد. ومن الواضح بالقدرِ نفسه أن الجهود الرامية إلى دعم المرأة لتولي دورها كصانع قرار يجب أن تتم جنباً إلى جنب مع المبادرات الرامية إلى التصدي لجميع أشكال العنف ضدها.
الآن - ما الذي يجب فعله؟ أدناه، على سبيل المثال لا الحصر، بعض الخطوات:
- أولاً وقبل كل شيء، لا بد من تغيير القوانين. على سبيل المثال، حان الوقت لاعتماد قانون ضد العنف الاسري. فالمساءلة والدعم الكافي للناجيات هو أقل ما تستحقه النساء والفتيات العراقيات.
- سوف تكون السياسات والاستراتيجيات المصممة خصيصاً حاسمة الأهمية أيضاً. وهنا، كان من دواعي سرور الأمم المتحدة في العراق أن تشارك مع الحكومة العراقية في اعداد استراتيجية لمناهضة خطاب الكراهية، والتي ستشمل عناصر تستهدف العنف ضد المرأة.
وهذا أحد الأمثلة على تغيير السياسات الذي سيساعد على تقليل خطر العنف الذي يواجه النساء اللاتي يتوليّن في مناصب قيادية.
- ثالثاً، بالحديث مرة أخرى عن موضوع الاستثمار: فنحن في حاجة، كما يقولون، إلى وضع أموالنا في مكانها الصحيح. فمجرد الكلام لا يكفي. بل يجب أن يكون هناك استثمار في المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني التي لديها الخبرة اللازمة للنهوض بحقوق المرأة ومشاركتها وتمكينها. ويجب أن يشمل ذلك توفير الخدمات الحيوية للناجيات من العنف، بما في ذلك الدعم النفسي والاجتماعي ودعم سبل العيش.
- رابعاً، يتعين علينا أن نضمن أن رسائلنا اليوم لا تقتصر ببساطة على أحداث مثل حدث اليوم. وبعبارة أخرى: التوعية أمر أساسي لمنع العنف ضد النساء والفتيات. وكانت هناك العديد من الأمثلة الناجحة لحملات التوعية التي قادتها الجهات الفاعلة الحكومية والمجتمع المدني، والتي تفخر الأمم المتحدة بتقديم الدعم لها. ولكن يتعين علينا أن نرى المزيد ــ عبر القنوات والوسائط كافة، من الأخبار المطبوعة إلى الاجتماعات العامة إلى البرامج التلفزيونية. ودور وسائل الإعلام حاسم في هذا الصدد.
سيداتي وسادتي،
وكما قلت: الفرص في العراق اليوم كثيرة. وينطبق هذا على النساء والفتيات، كما ينطبق على الرجال والفتيان.
ولكن الفرص لا تكون قوية إلا بقدر الجهود المبذولة لاستغلالها.
لذا، دعونا نستلهم من بعضنا البعض اليوم ونجدد الالتزام بمنع العنف ضد النساء والفتيات والقضاء عليه.
شكرًا لكم.