كلمة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس-بلاسخارت في مؤتمر حوار بغداد السادس
٢٤ فبراير ٢٠٢٤
٢٤ شباط/فبراير ٢٠٢٤
أصحاب السعادة،
السيدات والسادة،
يسعدني أن أكون جزءاً من هذا الحوار الذي يستعرض فرص تعزيز التواصل والتكامل الإقليميين. وأستطيع القول بأنه تجمع يأتي في الوقت المناسب. وكما هو الحال دائماً، إنه لشرف عظيم أن أكون هنا في بغداد. مدينة ذات جذور عميقة في التاريخ والتقاليد. مدينة كانت موطناً لي لأكثر من خمس سنوات حتى الآن.
السيدات والسادة، لا يمكن المبالغة في تقدير مركزية العراق في الاستقرار الإقليمي. لأسباب عديدة. وهذه نقطة أشرت إليها عدة مرات.
والآن، أعتقد أنه لا توجد حاجة لتوضيح العديد من الأوقات المشجعة وتلك المحبطة التي واجهت العراق على مدى العقود الماضية. فأنتم جميعاً على علم بذلك، خاصة أصدقائنا وزملائنا العراقيين.
وبدلاً من ذلك، أود أن أغتنم هذه الفرصة للتأكيد على أن العراق اليوم يحتل موقعاً جيداً بشكل متزايد كساحة للحوار والاستثمار.
وفي هذا السياق، فإن الاستقرار الداخلي (بالطبع) أمر أساسي. أمر أساسي للشعب العراقي، في المقام الأول. ولكنه أيضاً أساسي لشعوب المنطقة وخارجها، وكذلك أساسي للمستثمرين الأجانب والقطاع الخاص (على سبيل المثال).
فلكي تتقدم أية دولة على الساحة العالمية أو الإقليمية، يجب الوثوق بها. وبنفس القدر من الأهمية، يجب أن تكون قادرة على الثقة بالآخرين. نعم، إن قول ذلك أسهل من فعله. فكما نعرف جميعاً: من الصعب كسب الثقة، ولكن من السهل خسارتها. ولا يمكن لأحد إنكار أن موروثات الماضي لا تزال قادرة على التأثير على الحاضر. وبعبارة أخرى: يتطلب بناء الثقة العمل المستمر والشاق. ويشمل ذلك القدرة على التأمل الذاتي.
هناك أمر واحد مؤكد: تستفيد كل دولة من كونها شريكاً يعتمد عليه. لماذا؟ لأنه، في نهاية الأمر، كل شيء مترابط.
السيدات والسادة، إن عراق اليوم مختلف تماماً عما كان عليه قبل عقدين من الزمن. بل إنه تطور حتى عن العراق الذي شهدته في عام 2018 عندما توليت مهامي. وبالتأكيد، تغير العراق اليوم مقارنة بما كان عليه قبل حوالي 18 شهراً عندما كان البلد يقف على شفا الفوضى المطلقة، عندما أججت التوترات السياسية في ذلك الوقت تصعيداً انتهى باشتباكات مسلحة في قلب العاصمة وأماكن أخرى.
لكن عراق اليوم قد تغير.
وما أقوله في الأساس هو أن الخطوات التي اتخذت منذ تشكيل الحكومة في تشرين الأول 2022 تشير إلى زخم إيجابي، مما يسلط الضوء على إمكانات العراق الهائلة للعمل كقوة من أجل الخير - داخل المنطقة وخارجها على حد سواء.
وبطبيعة الحال، وكما قلت في آخر إحاطة قدمتها إلى مجلس الأمن، لكي يحدث ذلك، فإن توفر بيئة مواتية أمر أساسي.
وتتطلب مثل هذه البيئة مشاركة كل الأطراف الفاعلة، سواء داخل العراق أو خارجه. إن الأمر بسيط للغاية: لا يمكن لأي حكومة أن تقوم بذلك بمفردها. وبالتالي، يتوقع من الجميع دعم هذا الهدف، بدلاً من إحباطه.
الآن، بالعودة إلى موضوع اليوم. كثيراً ما شددت على أهمية التعاون الإقليمي بوصفه أداة لا غنى عنها للتصدي للتحديات العديدة التي تواجهنا اليوم. ونعم، حتى عندما تكون البيئة الجيوسياسية محفوفة بالتعقيدات، فإن التعاون الإقليمي سيكون بمثابة ميسر ضروري للاستقرار، مع إطلاق العنان للإمكانات للجميع.
واليوم، ونحن نبدأ يومين من استكشاف الترابط والتكامل الإقليميين، يجب علينا، للأسف، أن نفعل ذلك في وقت يحتدم فيه الصراع في غزة. وبينما سنعترف جميعاً بحقيقة أن العديد من الأطراف الفاعلة تسعى إلى الحد من التصعيد الأوسع نطاقاً، إلا أنه من الواضح أيضاً أن الوضع الأمني في المنطقة بأسرها لا يزال مضطرباً للغاية.
لذا، حرصاً على الاستقرار المحلي والإقليمي، لا يسعني إلا أن أكرر النداء الذي وجهه عدد لا يحصى من ممثلي الأمم المتحدة.
وهو أن تمارس جميع الأطراف أقصى درجات ضبط النفس. وبالطبع، أن تحترم مبادئ السيادة وسلامة الأراضي وحسن الجوار.
ونقطة أخرى جديرة بالتأكيد: في أوقات التوترات المتصاعدة أو عندما تواجه الدول مخاوف تتعلق بالأمن القومي، تكون الأدوات الدبلوماسية القائمة تحت تصرف الجميع - بما في ذلك المساعي الحميدة للأمم المتحدة.
السيدات والسادة، في كانون الأول 2022، وفي كلمة ألقيتها في النسخة الثانية من مؤتمر بغداد في الأردن، أعربت عن أملي في أن يؤدي هذا التعبير عن "الشراكة الإقليمية" إلى عدد من الخطوات الملموسة.
خطوات من شأنها توطيد التعاون والتنسيق والتآزر على الصعيد الإقليمي. خطوات يمكن أن تؤدي حتى إلى إطار للتكامل الإقليمي كوسيلة فعالة لتحقيق الرخاء والسلام والأمن. وقد شاهدنا أمثلة ناجحة في مناطق أخرى في العالم. وأنا مقتنعة بأن هذه الفرص تستحق المزيد من الاستكشاف هنا.
والحقيقة البسيطة هي أن التكامل الإقليمي يعتبر على نحو متزايد، في جميع أنحاء العالم، أمراً لا غنى عنه. ويمكنه أن يكون بمثابة ميسر مهم على الساحة العالمية، مما يضيف المزيد من الوزن إلى صوت دولة واحدة. وعلاوة على ذلك، فإن معظم تحديات اليوم تتجاوز السياسة الداخلية وحدود الدولة.
وسواء كنا نتحدث عن تغير المناخ أو ندرة المياه أو الكوارث الطبيعية أو نقص الطاقة أو الأوبئة أو الصدمات المالية أو الفساد أو الفقر أو انعدام الأمن الغذائي أو الإرهاب، من بين أمور أخرى، فالاستنتاج دائماً هو: أننا بحاجة إلى بعضنا البعض للتوصل إلى حلول مستدامة. نحن بحاجة إلى بعضنا البعض لنكون في أفضل حالاتنا.
والخبر السار هو أن جدول أعمال اليوم يتضمن موضوعات حيوية تحمل المفتاح لمعالجة عدد من التحديات الجماعية الملحة. والآن، بدلاً من رسم صورة كئيبة للعواقب إذا تُركت هذه التحديات دون معالجة، أود أن أؤكد بدلاً من ذلك على الفرص الثمينة التي يمكن أن تساعد في تشكيل المسار المستقبلي لهذه المنطقة.
سأقولها مرة أخرى: نحن بحاجة إلى بعضنا البعض لنكون في أفضل حالاتنا. وأعتقد أن الحوار الصريح يمكن أن يؤدي إلى حلول في بيئة من الثقة، كما لدينا هنا اليوم. لذلك آمل أن يتفاعل جميع المشاركين، بطريقة منفتحة وبناءة، وأن يتبادلوا خبراتهم ورؤاهم من أجل الصالح الجماعي للمنطقة.
السيدات والسادة، اسمحوا لي أن أختتم حديثي بالتأكيد مرة أخرى على مركزية العراق بالنسبة للاستقرار في المنطقة. وعلى حد تعبير رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، "يجب أن تقوم العلاقات على المصالح المشتركة". إن وضع العراق كساحة للاستثمار والحوار، وليس ساحة لتصادم مساعي السيطرة، على سبيل المثال، سيعود بلا شك بالنفع على الجميع.
وبالطبع، في أي علاقة ينبغي أن يكون هناك أخذ وعطاء من كلا الجانبين. وهذا صحيح أيضاً في سياق التعاون والتنسيق والتآزر الإقليمي الراسخ. وبصفتي برلمانية ووزيرة سابقة، أعرف كل شيء عن تذبذب هذه الديناميكيات.
ولكن مرة أخرى، أنا مقتنعة بأن وضع إطار لتعزيز التكامل الإقليمي كوسيلة فعالة لتحقيق الرخاء والسلام والأمن سيحقق الكثير.
شكراً لكم.
صاحب الخطاب
جينين هينيس-بلاسخارت
بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق
الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق