لليوم الدولي للمرأة، فريق يونيتاد يسلط الضوء على الخبرات العراقية النسائية
عن سارة: رحلة في بناء الأمل والعدالة مع فريق المراجعة الاستكشافية الإلكتروني في يونيتاد
" كنت أعتقد أنها نهاية المسيحية في العراق"، هذا ما قالته سارة عن الوضع أثناء صعود تنظيم داعش في العراق.
سارة، المصلاوية الأصل، نشأت في بغداد، ولطالما كانت شغوفة بخدمة مجتمعها، من أجل إيصال صوت أبناء الطائفة المسيحية في العراق، ما حفزها للتفوق في دراستها. وما أن أنهت سارة دراستها الجامعية وحصلت على درجة البكالوريوس، عملت كمعاونة مديرة في مدرسة محلية. إلا أنها كانت تشعر دائماً أن هناك المزيد الذي يمكن أن تفعله لتحقيق طموحها.
اتخذت حياتها وحياة عائلتها منعطفًا حاسماً في عام 2014، عندما بدأ تنظيم داعش في استهداف المجتمع المسيحي في الموصل والمناطق المحيطة بها بشكل منهجي. عبّرت سارة قائلة: "لقد كانت حملة ممنهجة غايتها إفراغ العراق من مسيحييها"، مضيفة: "بين عشية وضحاها، تم تهديد أقاربي إما بالمغادرة أو القتل، فغادروا دون أن يحملوا معهم أي شيء. خسروا كل شيء. رحل بعض منهم إلى مناطق في أربيل ودهوك، بينما جاء البعض إلى بغداد. وحتى نحن في قلب بغداد، شعرنا بالخوف من أن نواجه نحن أيضا ما حل بهم."
كانت تلك أوقاتاً عصيبة بالنسبة لسارة وعائلتها وجميع المسيحيين في العراق. "شعرنا بحالة من الخوف غير المسبوق مما يمكن أن يحدث، وكانت تدور في خاطري الكثير من التساؤلات، فهل يمكنني ترك زوجي وأولادي والذهاب إلى العمل؟ هل الفرصة متاحة لإرسال أطفالي إلى المدرسة؟ هل سيتمكن زوجي من العودة الليلة إلى المنزل بعد خروجه صباحاً؟ وغيرها من التساؤلات المخيفة -بل والأسوأ منها- كل يوم."
بالنسبة لسارة وأبناء المجتمع المسيحي، تلقي الصدمة بظلالها على شتى جوانب حياتهم ، حتى بعد التحرير. فكما تذكر سارة "ما زلنا نعاني من الصدمة وحالة عدم التصديقٍ لكل ما حدث لنا في غمضة عين. لكننا أيضا نؤمن إيماناً راسخاً بأهمية إعادة بناء مجتمعنا، وبالعدالة والتعافي."
في السنوات التي أعقبت هزيمة تنظيم داعش، تعرفت سارة على فريق يونيتاد الذي يعمل مع جميع المجتمعات العراقية المتضررة من فظائع تنظيم داعش. تقول: "ارتأيت أن العمل مع الفريق سيمكنني من دعم أبناء مجتمعي ونقل أصواتهم، في مكان يعزز مهارات الخبراء العراقيين في مجموعة من التخصصات الفريدة وبشكل يتماشى مع المعايير الدولية." بعد ذلك، انضمت سارة إلى فريق يونيتاد كعضوة في فريق المراجعة الاستكشافية الإلكتروني الذي يعمل على تمكين الخبراء الوطنيين ذوي المهارات التقنية المتقدمة، وذلك من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة للبحث عن الأدلة وحفظها. يتكون الفريق حاليًا من 80% من النساء من مختلف المجتمعات المتضررة من جرائم تنظيم داعش.
حصلت سارة وزملاؤها منذ انضمامها إلى فريق المراجعة الاستكشافية الإلكتروني على تدريبات مكثفة بما في ذلك في أساسيات الاستكشاف الإلكتروني، مع التركيز على المراجعة بمساعدة التعلم الآلي والبحث، وفحوصات مراقبة الجودة. وكان لهذه التدريبات أثر بارز على تمكين الفريق من تحليل الأدلة بجودة عالية، والتحقق من الكم الهائل من الأدلة لمساعدة المحققين على بناء تحليلات وملفات قضايا وفق المعايير الدولية.
في وصفه للمشروع، أشار المستشار الخاص ورئيس فريق يونيتاد كريستيان ريتشر إلى أن: "فريق المراجعة الاستكشافية الإلكتروني هو جزء من نهج أوسع ليونيتاد في تعزيز القدرات الوطنية في التحقيقات وإدارة الأدلة. كما أنه يلعب دورًا محوريًا في تحسين كفاءة التحقيقات والالتزام بالمعايير الدولية اللازمة لمقبولية الأدلة أمام المحاكم المختصة، وكلها أمور مهمة لتحقيق المساءلة عن الجرائم الدولية التي ارتكبها تنظيم داعش في العراق."
تقول سارة: "في بداية عملي، اعتقدت أن هذا العمل سيكون صعباً للغاية، إلّا أنني، ومن خلال التدريبات المتخصصة وروح التعاون القيّمة بين الزملاء في الفريق، اكتسبت المزيد من المهارات وشعرت بأنني أكثر جهوزية للتغلب على التحديات في مجال العمل هذا، حيث وجدت في فريقي ضمن يونيتاد بيئة عمل داعمةٍ للتنوع وتمكين صوت الأقليات، ما يجعلني أمضي نحو التقدّم والازدهار."
إن ما حدث خلال فترة حكم تنظيم داعش الإرهابي هو في الحقيقة قاتم للغاية، تستطرد سارة: "هذا ما عايشته وما نجت منه عائلتي. وهو أمر يعدّ التعايش معه شاق على النفس في بعض الأحيان. ومع ذلك، وحتى في أصعب اللحظات، أتذكر مدى شجاعة الناجين، وكيف عملوا على إعادة بناء حياتهم من الصفر، ونضالهم من أجل العدالة. أتذكر أطفالي والأجيال القادمة التي تستحق العيش في سلام وأمن. أفكر في المستقبل الذي يجب أن أساعدهم في رسمه في أحضان بلدهم وأهلهم. ومن هنا أستمد قوتي للاستمرار، وأؤمن أن هذا هو دوري؛ أن أكون في مكان نكشف فيه عن الأدلة ونساهم في رواية الحقيقة."
وقدم فريق المراجعة الاستكشافية الإلكتروني فرصاً فريدة للخبراء الوطنيين، مثل سارة، للنمو على الصعيد المهني، وهو ما أشارت له سارة حين قالت "على الرغم من اختلاف خلفياتنا الأكاديمية، نجح خبراء يونيتاد في تصميم الدورات التدريبية لتعظيم الاستفادة من فرص التعلّم لنا جميعاً. لقد تعلمنا كيفية استخدام المهارات التي اكتسبناها لدعم التحقيقات بشكل مجدي. وهذا يفتح الآفاق لي وللزملاء لنتمكّن من أداء عملنا في فريق يونيتاد، وفي مؤسسات أخرى في المستقبل، بمجموعة المهارات التي طورناها ونستمر في إنمائها. أؤمن بالأثر الواعد لمشاركتي في هذا الفريق على مسيرتي المهنية مستقبلاً، كما آمل أن أتمكّن، عبر المزيد من المعرفة والخبرة، من تدريب متخصصين آخرين والمساعدة في تنمية قدراتنا الوطنية في مختلف الجهات."
تعمل سارة على خدمة مجتمعها في العراق، وتسعى لأن تكون قدوة لابنتها في اتباعها لشغفها وطموحها رغم الصعاب، تقول: "أشعر بقدرتي كامرأة على قيادة مسيرتي المهنية في مجال تحليلي عالي التقنية، مجال طالما هيمن عليه الذكور. يشكّل هذا المشروع خطوة عظيمة لي ولمساهمتنا جميعاً في نجاح التحقيقات في جرائم تنظيم داعش البشعة نحو إنجاز تقدّم كبير على طريق المساءلة." واختتمت سارة كلامها قائلة: "أنا أعتبر أن هذه مجرد البداية."