المؤتمر الوطني يمهد الطرق نحو تنظيم الاقتصاد غير المنظم في العراق
١٧ أكتوبر ٢٠٢٤
في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة، بدأ الاقتصاد غير المنظم في العراق، الذي يشمل أكثر من نصف القوى العاملة في البلاد، يبرز بوضوح أكبر. وكشف مسح القوى العاملة لعام 2021 أن 5.73 مليون عراقي – أي ثلثي العاملين في البلاد – يعملون في وظائف غير منظمة. وتظل قطاعات رئيسية مثل البناء والزراعة والتصنيع مهيمنة بشكل كبير على العمالة غير المنظمة، مما يترك العمال دون الحماية التي توفرها العقود الرسمية أو الضمان الاجتماعي. هذه الحالة من عدم التنظيم تعيق تطوير اقتصاد مستدام وقادر على الصمود، كما تهدد الجهود المبذولة لتحقيق النمو العادل.
في هذا السياق، يُعدّ المؤتمر الوطني حول "العمل غير المنظم والمسارات نحو العمل اللائق في العراق" الذي عُقد يوم الاربعاء خطوة حاسمة في مواجهة هذه التحديات. وقد نُظم المؤتمر من قبل منظمة العمل الدوليةبالتعاون مع حكومة العراق وبدعم من الاتحاد الأوروبي، وجمع العديد من الجهات الوطنية والدولية المعنية، بما في ذلك ممثلين عن الوزارات الاتحادية والسلطات المحلية ومنظمات العمال وأرباب العمل والأكاديميين ومنظمات المجتمع المدني والشركاء التنمويين، لتعزيز نهج موحد نحو تنظيم الاقتصاد العراقي.
وأتاح الحدث منصة لوضع استراتيجية وطنية طموحة تهدف إلى توسيع نطاق تغطية الحماية الاجتماعية وتنظيم العمالة عبر القطاعات خلال السنوات الخمس المقبلة. وأجمعت المناقشات على أن معالجة الاقتصاد غير المنظم ليست فقط مسألة ضمان حقوق العمال، بل هي أساسية أيضًا لدفع جهود الانتعاش الاقتصادي في العراق وتحقيق الازدهار المستقبلي.
وقد تناولت الكلمة الافتتاحية لوكيل وزارة العمل للشؤون الاجتماعية السيدة هدى سجاد الحاجة الماسة للتحرك لمعالجة العمل غير المنظم حيث اشارت في كلمتها الى " إن هذه الظاهرة تمثل نسبة كبيرة من القوى العاملة ، حيث يبلغ عدد العاملين في القطاع غير المنتظم بلغ نحو خمسة ملايين عامل في سوق العمل، الامر الذي يشكل تحديًا اقتصاديًا واجتماعيًا يتطلب منا جميعًا العمل على معالجته بجدية، بالتعاون مع شركائنا من النقابات، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، نهدف إلى تحويل هذا الواقع من خلال تنظيم العمل، وتوفير الحماية الاجتماعية للفئات العاملة غير المشمولة بها حاليًا، كما نسعى إلى تطوير سياسات وبرامج تساهم في إدماج هذه الفئات في الاقتصاد المنظم، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي."
وأكدت الدكتورة هناء اسماعيل الوكيل الإداري لوزارة التخطيط على أهمية الانتقال إلى العمل المنظم مشيرة الى “أن الاقتصاد غير المنظم يضم أنشطة عديدة لا تخضع للتنظيم القانوني، مما يجعل من الصعب الوصول إلى الفئات العاملة فيه. نهدف من خلال هذه الجهود إلى تمكين الفئات المتضررة، وتعزيز الانتقال إلى الاقتصاد المنظم، وخلق فرص عمل تضمن الاستقرار الاقتصادي والاجتماع."، وبدورها أكدت الدكتورة مهى قطاع منسقة منظمة العمل الدولية في العراق في كلمتها “ان اتساع حجم الاقتصاد غير المنظم يفرض تحديات كبيرة في العراق تتلخص بوجود أعداد كبيرة من العمال يصل عددهم إلى اكثر من خمس مليون عامل غير مشمولين بالضمان الاجتماعي ويعملون في ظروف عمل غير لائقة وبالمقابل هنالك مئات الآلاف من الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص غير منظمة مما يعني صعوبة الوصول لهؤلاء العمال والشركات وخصوصاً خلال الأزمات مثلما حصل خلال أزمة كوفيد-19." وكما اشارت الى ان "توصية منظمة العمل الدولية رقم 204 لعام 2015 بشأن الانتقال من الاقتصاد غير المنظم الى الاقتصاد المنظم وضعت مبادئ وسياسات توجيهية تساعد الدول في عملية الانتقال الى الاقتصاد المنظم وتعمل على توفير الدعم الفني والتقني للحكومة والشركاء الاجتماعيين من أجل ضمان عملية انتقال تدريجية وسلسة ".
وتناولت المناقشات خلال المؤتمر العوامل المعقدة التي تؤدي إلى انتشار العمالة غير المنظمة في العراق. ومن بين الحواجز التي تم تحديدها، التحديات البيروقراطية والإدارية التي تجعل تنظيم الأعمال مكلفًا ويستغرق وقتًا طويلًا، بالإضافة إلى الممارسات الثقافية التي تعزز استمرار العلاقات العمالية غير المنظمة. وتناول المشاركون كيفية تبسيط عمليات تسجيل الأعمال وتقديم حوافز لأصحاب العمل للمساعدة في تحويل العمالة إلى النظام المنظم مع توسيع وصولهم إلى الحماية الأساسية مثل الضمان الاجتماعي.
وكان من أبرز المواضيع التي تم تناولها في المؤتمر التقدم التشريعي الذي أحرزه العراق مؤخرًا، وخاصةً تصديق اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 102 بشأن المعايير الدنيا للضمان الاجتماعي وإصدار قانون رقم 18 لسنة 2023 بشأن التقاعد والضمان الاجتماعي. تمثل هذه الإصلاحات خطوة محورية نحو توسيع نطاق تغطية الضمان الاجتماعي، خاصةً للعمال غير المنظمين والعاملين لحسابهم الخاص. حيث انه من خلال توسيع تغطية الضمان الاجتماعي سيتم شمول ملايين الأشخاص الذين كانوا مستبعدين سابقًا، فيعد العراق قد اتخذ خطوة كبيرة نحو معالجة تحديات الاقتصاد غير المنظم.
كما استمع المشاركون إلى خبراء دوليين قدموا أمثلة ناجحة من مناطق أخرى، مثل آسيا وأمريكا اللاتينية، حيث ساعدت الأطر السياسية المتكاملة في انتقال ملايين العمال من الاقتصاد غير المنظم إلى الاقتصاد المنظم. وقدمت هذه الدراسات رؤى قيّمة حول الاستراتيجيات الممكنة التي يمكن للعراق تبنيها لدعم انتقاله الخاص.
وتناولت الجلسات الفنية للمؤتمر عدة محاور رئيسية، بما في ذلك الكلف الاجتماعية للعمل غير المنظم، والإصلاحات الاقتصادية والقانونية والمؤسسية اللازمة لتعزيز التنظيم. وبالاستناد إلى توصية منظمة العمل الدولية رقم 204، ناقش المشاركون كيفية تنفيذ نهج منظم ومتكامل على نحو تدريجي لتحفيز الانتقال نحو الاقتصاد المنظم، مما يساهم في تحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية معًا.
واختتم المؤتمر بتقديم مجموعة من التوصيات التي حددت إجراءات واضحة لتوسيع نطاق تغطية الحماية الاجتماعية وتبسيط إجراءات تنظيم الأعمال وبناء اقتصاد شامل يتمتع فيه جميع العمال بفرص العمل اللائق. وستواصل منظمة العمل الدولية العمل عن كثب مع حكومة العراق والشركاء الوطنيين لتحويل هذه التوصيات إلى نتائج ملموسة تضمن إحداث تغيير إيجابي ومستدام في حياة العمال العراقيين.
يأتي هذا المؤتمر ضمن نشاطات برنامج إصلاح نظام الحماية الاجتماعية الذي تنفذه منظمة العمل الدولية بالتعاون مع اليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي وبدعم من الاتحاد الأوروبي.