تصريحاتٌ للصحافة من الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق ورئيس بعثة يونامي الدكتور محمد الحسّان في مركز الجدعة للتأهيل
نينوى، 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024
تحياتي لكم جميعاً،
هذه أولُ زيارة لي إلى مركز الجَدعة للتأهيل، لأطلع وبشكل مباشر على الجهود المبذولة لدعم العائدين إلى العراق بعد فترةٍ طويلةٍ من النزوح والمعاناة من مخيم الهول في شمال شرق سوريا، ولألتقيَ كذلك بالناس هنا وأستمعَ إلى شواغلهم وملاحظاتهم وتطلعاتهم.
كما ذكرتُ سابقاً، أبدأ بالثناء على الجهود التي تبذلها الحكومة العراقية، وبالتحديد، وزارةُ الهجرة والمهجرين، ومستشاريةُ الأمن القومي، ووزارة الداخلية وجميعُ الشركاء الحكوميين والدوليين الآخرين الذين قدّموا المساعدات، ولا يزالوا، والدعمَ والحمايةَ للنازحين. هذه جهودٌ مُقدّرةٌ والكلُّ يشكرهم عليها.
أودّ كذلك أن أُعربَ، باسم الأمم المتحدة، عن دعمنا الكامل للجهود التي يبذلها العراق، ونؤكد على أهمية استمرار مشروع العودة من مخيم الهول، ونحُثّ سائر الدول الأُخرى والمجتمع الدولي على تحمل المسؤولية والعمل في هذا الاتجاه ضمن طموحٍ ومبتغىً دوليّ لاستعادة جميع الفئات من مخيم الهول.
إن النهج الاستباقي الذي سجّله العراق يُعدُّ مثالاً إيجابياً ينبغي التوقف عنده، حيث أثبت العراقُ من خلال هذا البرنامج بأن عملياتِ الإعادةِ المسؤولةِ والآمنة ممكنةٌ، ومن خلال إجراءاتٍ وتدابير ترتكز على مبادئ المساءلة وإعادة الإدماج وتوفير الحماية والاندماج الكريم في المجتمع واحترام حقوق الإنسان.
النقطةُ الأساسيةُ التي أودُّ أن أُشدّد عليها هنا هي كرامةُ الإنسان ... وحماية المجتمعات ... وتجاوز الماضي بكل سلبياته وآلامه، العراق قادرٌ على ذلك، ومُقبلٌ على وضعِ تجربةٍ عالميةٍ فريدة، ونحن من جانبنا، في الأمم المتحدة، نعمل سوياً، يا معالي الوزيرة، مع الحكومة العراقية ومعكم لتحقيق ذلك.
حينما زار الأمينُ العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش هذا المركز في آذار/ مارس 2023، أطلق مناشدةً من هنا لجميع الدول التي لديها مواطنون في مخيم الهول بأن تفعل الشيء نفسه كما فعل العراق، وأن تعمل جاهدةً على استعادة مواطنيها من ذلك المخيم، وإعادة توطينِهم بطرق آمنةٍ كريمة، وبما يتماشى وينسجم مع القانون الدولي، ويحفظ كرامة الإنسان، وبالاسترشاد، في حال وجود أطفالٍ، بمبادئ مصالح الأطفال الفُضلى.
وأنا أُجدّدُ هذه الدعوة اليوم ... وأودّ الإشارة إلى أنه ليس هناك مجالٌ للتقاعُس. فذلك ما تُمليه الكرامةُ الإنسانيةُ – بل وتُمليه أيضاً المتطلباتُ الأمنية، كلّما تركنا هذا الوضعَ العصيَّ عن التبرير فهو يتفاقم، وكلّما ازداد الشعورُ بالاستياءِ واليأس، ازدادت مخاطر استغلالِ مثل هكذا وضعٍ وظروف، بل واشتدّت المخاطرُ المحدقة بالأمن والاستقرار، ليس للعراق فحسب، بل لسائر دول المنطقة.
زيارتُنا اليوم، رفقةَ مُضيّفتنا معالي الدكتورة إيفان، تُذكّرُنا بالدور الحيويّ الذي يلعبه التعاونُ الدوليّ والمتعدد الأطراف في تلبيةِ احتياجاتِ المجتمعاتِ الضعيفة، وتقف الأمم المتحدة بقوةٍ إلى جانب الحكومة العراقية في التزامنا المشترك بتوفير حلولٍ آمنةٍ، كريمةٍ ومستدامةٍ، لمن؟ لأولئك الذين عانوا من تبعات النزوح ومن تركات الماضي الأليم، من الضروري أن نواصل العمل معاً لضمان أن تكون عمليةُ الإدماج شاملةً ومستدامةً وآمنة، لنعمل معاً على مستقبلٍ واعدٍ ومُشرق.
عودةُ العراقيين إلى ديارهم ليست مجرد عودة إلى مكانٍ - إنها عودةٌ إلى مستقبل. مستقبلٌ يُمكّنهم من إعادة بناء حياتهم من جديد، والمساهمةِ الإيجابية في مجتمعاتهم، وضمانِ أن يحصُل أطفالهم (والذين هم عراقيون أولاً وآخراً) على الفُرص التي يستحقونها. حتماً عملية الإدماج ليست خالية من تحديات، ويجب أن نكون حذرين من العوائق التي يواجهها العائدون فيما يتعلق بأمنهم، وسُبُل العيش الكريم، وفرص التعليم، والقبول الاجتماعي، والحماية. نحن في الأمم المتحدة لا نقبل بأن تتعرض كرامة الإنسان إلى الإساءة أو إلى الإهانة، لابد من سلطة القانون، لابد من تفعيل المؤسسات النزيهة الحريصة على الوطن والمواطن ... لابد من احترام حقوق الإنسان، لا بد من رعاية كرامة الإنسان، نحن نعمل مع الحكومة والسلطات العراقية على ضمان كل ذلك.
لقد أصبح مركز التأهيل التابع لوزارة الهجرة والمهجرين مرفقَ العبور وبوابة العبور الآمن إلى حياةٍ جديدةٍ لأكثرِ من 10,000 شخصٍ منذ أيّار/ مايو 2021، أملُنا وهدفُنا أن يتوسع ذلك، ضمن خدماتٍ ومرافق شاملةٍ على مستوى عالٍ، تليق بالعراق وكرامة الإنسان العراقي.
لقد أُتيحت لي ولزملائي الفرصةُ لزيارة هذا المرفق إلى جانب مضيّفتنا الغالية، معالي وزيرة الهجرة والمهجرين، والاستماعِ إلى زملائي العاملين في وكالات الأمم المتحدة، والذين أُحيّيهم جميعاً على ما يقومون به من جهود، والذين جميعاً لن يألوا جهداً، بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، لتوفير الأمل لأولئك الذين لم يكُن لديهم أيُّ أملٍ منذ سنواتٍ قليلةٍ فقط، هذه هي رسالة العراق للعالم ... هذه هي رسالتنا من خلال هذه الزيارة اليوم.
لا تفوتني الفرصةُ أن أُشير هنا إلى أن من جُملة الخدمات التي يقدمها المركز دعمُ التأهيل وإعادة الإدماج، المساعدة القانونية للحصول على الوثائق المدنية، بما في ذلك الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي، والتعليم، والصحة، وبرامج التمكين الاقتصادي وسُبُل العيش الكريم لتعزيز المهارات الحياتية، والجهود الرامية إلى إعادة ربط العائدين بأُسرهم ومجتمعاتهم.
أودّ التأكيد كذلك على أهمية عملية الإعادة والعودة إلى حضن الوطن، الوطن الذي يتّسعُ للجميع، الوطن الذي يصفح، نظراً لعدم الاستقرار الإقليمي والصعوبات التي يواجهها سكان مخيم الهول. وتُعتبر هذه الحاجةُ مُلِحّةً بشكلٍ خاص خصوصاً للفئات الضعيفة كالأطفال غير المصحوبين بذويهم، والنساء الناجيات من العنف، وضحايا الاتجار بالبشر.
ستظل الأمم المتحدة ملتزمةً بشكلٍ عميقٍ بدعم العراق في جهوده لإعادة الإدماج ومعالجة الاحتياجات المتعددة للعائدين، بما في ذلك الدعم الصحي الجسدي والنفسي، والتدريب المهني، والوصول إلى التعليم الجيد وفرص العمل. علاوةً على ذلك، نعملُ عن كثبٍ مع الحكومة العراقية والشركاء الدوليين لتعزيز قدرات المؤسسات المحلية، وضمان التنسيق الأفضل على الأرض، والتأكُّد من أن أصوات المجتمعات المتأثرة مسموعةٌ ويتم اتخاذ الإجراءات بناءً عليها.
بينما تم إحرازُ تقدمٍ كبير، حتماً لا يزال الطريق طويلاً، إذ ما زالت العديد من التحديات قائمةً، ويجب أن نضمن استدامةَ جهودنا وتوسيعَ نطاقها لمواكبة الأعداد الكبيرة من العائدين. ونتطلع إلى عودةِ كل العراقيين الذين هم خارج الوطن وفي، تحديداً، مخيم الهول
الجدعة هي مجرد البداية وليست النهاية. الوضع قد لا يكون مثالياً، ولا نسعى إلى الكمال، لكن إذا كانت هناك حالاتُ سوءِ معاملةٍ تتعارض مع القانون والقانون الدولي فنحنُ على ثقةٍ أن السلطات المختصة في هذا البلد العزيز الغالي ستحقق فيها بشكلٍ شاملٍ، وتتصرفُ بشأنها بطرق شفافةٍ وسريعة، وتتخذ كافة التدابير لمنع وقوعها أو تكرارها. نحن في الأمم المتحدة نتابع جُلّ هذه الأمور بكلّ حرصٍ بالتنسيق مع السلطات العراقية المختصة لتفادي وقوعها، حتى لو كانت حالاتٍ وتصرفاتٍ فردية فهي تظلّ غيرَ مقبولةٍ ولا تليق بالعراق ولا يقبلها العراق. لا ينبغي أن يتعرض أي شخصٍ من الذين عاشوا في خوفٍ لسنواتٍ لأية مصاعب إضافية، علينا أن نضمن سلامتهم، وثقتنا في العراق وحكومة العراق عاليةٌ وراسخة. أؤكد لكم مجدداً بأن المجتمع الدولي ملتزمٌ بالبقاء متفاعلاً وداعماً، جنباً إلى جنبٍ مع الحكومة العراقية، فيما نواصل العمل معاً على توفير حلولٍ فعّالةٍ ومستقبلٍ أفضلَ للعائدين، وأقصد هنا جميع العائدين دون استثناء.
أختمُ بالتأكيد على أن الأمم المتحدة تقف بحزمٍ وثباتٍ وبشكلٍ متواصلٍ ومستدامٍ إلى جانب الحكومة العراقية في جهودها المخلصة لتعزيز الاستقرار والسلام والتعافي. معاً، يمكننا خلق بيئةٍ يستطيع فيها جميع العراقيين أن يزدهروا ويعيدوا بناء حياتهم بكرامة وأمل.
أشكركم