في يوم المرأة العالمي، نحتفي بنساء العراق اللاتي تجاوزن التحديات، وأصبحن رموزًا للإرادة والنجاح.

في يوم المرأة العالمي، نحتفي بنساء العراق اللاتي تجاوزن التحديات، وأصبحن رموزًا للإرادة والنجاح.
بداية مريم لم تكن مختلفة عن الكثير من النساء الريفيات العراقيات، لكنها اختارت أن تجعل قصتها استثنائية. في مواجهة تحديات الحياة، رسمت طريقها بنفسها، مستعيدة حلمًا بدأ في طفولتها بين مياه الأهوار جنوب العراق، حيث نشأت وسط عائلتها، وتشبعت بموروث الأهوار، فاكتسبت مهارات الحياة الريفية، بما في ذلك تربية الجاموس وصناعة الألبان.
بعد زواجها وانتقالها إلى قضاء المدينة، واجهت تحديات معيشية صعبة، لكن شغفها بقي حيًا. ومع تضاؤل الخيارات أمامها، اختارت العودة إلى القرى القريبة، ليس هروبًا بل انطلاقة جديدة، حاملةً معها حلمًا أعادت تشكيله بعزيمة أقوى.
عملت مريم في بداياتها بأبسط الموارد، حيث كانت تصنع خمسة كيلوغرامات فقط من منتجات الألبان، وبيعها في الأسواق المجاورة. ومع مرور الوقت، توسعت أعمالها وارتفع إنتاجها اليومي[BK1] ، مما أكسبها قاعدة من الزبائن الذين وثقوا بها وبجودة منتجاتها.

لم تخلُ رحلتها من التحديات. فعندما زارها فريق خبراء منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو، اكتشف أن أكبر العقبات أمام تطوير عملها كانت عدم امتلاكها محل عمل ثابت، حيث كانت تعمل من منزل مستأجر، مما جعل التوسع شبه مستحيل. ومع ذلك، لم يكن التراجع خيارًا مطروحًا.
بتشجيع ودعم من فريق منظمة الفاو ومساندة من عائلتها، اتخذت خطوة بشراء قطعة أرض في قرية نهر الساكية لتكون مركزًا دائمًا لعملها، ، كجزء من مشاركتها لإنشاء المركز القروي، وتابع فريق المنظمة جميع مراحل العمل حتى اكتمل بناء وتجهيز المركز بالمعدات الحديثة، وذلك ضمن المشروع الممول من الاتحاد الأوروبي لتعزيز صمود النظم الغذائية الزراعية في جنوب العراق، وينفذ بالتعاون مع وزارة الزراعة. مما ساعدها على زيادة الإنتاجية وتحسين جودة المنتجات ، ليصبح الحلم حقيقة ملموسة.
بالتزامن مع بناء و تجهيز المركز، شاركت مريم في سلسلة من التدريبات العملية التي قدمها خبراء منظمة الفاو حول تقنيات فحص ونقل وحفظ الحليب وتصنيع تسويق منتجات الالبان ، إضافةً إلى تدريبات على تصنيع أصناف جديدة من منتجات الألبان لم تكن متداولة في العراق، مثل جبن الموزاريلا والريكوتا، فضلًا عن تطوير طرق إنتاج الأصناف التقليدية.
لم يكن افتتاح المركز مجرد إنجاز شخصي، بل محطة جديدة للنمو وتعزيز تأثيرها في المجتمع. ازدهرت أعمال مريم، وباتت اليوم تنتج 500 كيلوغرام من منتجات الألبان يوميًا، مما يمثل تطورًا كبيرًا مقارنة ببداياتها المتواضعة.
ووصلت منتجاتها إلى مختلف مناطق البصرة، وحتى إلى زبائن في الكويت. وبفضل الجودة العالية لمنتجاتها، الناتجة عن عمليات الفحص الدقيق للحليب، تلقت مريم عروضًا من بعض مصنّعي المثلجات المحليين لتزويدهم بكميات من الحليب، مما يفتح أمامها آفاقًا جديدة للنمو والتوسع.
هذا ولم يتوقف نجاحها عند الإنتاج فقط، بل حرصت على تمكين النساء الأخريات من خلال تدريبهن على صناعة الألبان وخلق فرص عمل داخل مجتمعها. اليوم، تدير مركزها بمساعدة زوجها، وتشرف على فريق من ١١ عاملة مع طموح مستمر لتطوير نشاطها وتوسيع نطاق انتشارها.
وقد حظي هذا النجاح باهتمام واسع، حيث تم تكريم مريم في المعرض الزراعي الدولي في بغداد – النسخة الخامسة عشرة، كما وقع عليها الاختيار لتمثيل العراق في يوم الأغذية العالمي الذي نظمه المكتب الإقليمي للشرق الأدنى وشمال إفريقيا لمنظمة الفاو في تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٤ في القاهرة، حيث روت أمام الحضور كيف حولت التحديات إلى فرص، وعرضت نماذج من منتجاتها.

"شكل تدخل منظمة الفاو بالنسبة لي دعما متكاملا على كافة المستويات مما ساعدني على تحقيق النجاح.
في يوم المرأة العالمي 2025: تسريع التقدم من أجل جميع النساء والفتيات
تجسد قصة مريم جواد روح شعار اليوم العالمي للمرأة 2025: "من أجل جميع النساء والفتيات: تسريع التقدم. الحقوق. المساواة. التمكين." نجاحها يتجاوز حدود مشروعها الشخصي، ليشكل خطوة نحو تحقيق نجاحات كبيرة وعلى مستويات مختلفة حقيقية للنساء في العراق وخارجه.
اليوم، بات مركز مريم القروي رمزًا للنجاح والإصرار، ودليلًا على أن الأحلام لا تموت، بل تحتاج إلى من يعيد إحياءها بشغف وإرادة لا تعرف المستحيل.