المساواة بين الجنسين واستراتيجيات تمكين المرأة، كلمة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة السيدة جينين هينيس- بلاسخارت | الأحد 28 تشرين الثاني 2021
أصحاب المعالي،
السيدات والسادة،
الضيوف الكرام،
لي الشرف أن أخاطبكم اليوم، وأتقدم بالشكر للجامعات الأربع لإتاحتهم الفرصة لمشاركة بعض الأفكار والتوصيات حول هذه الأولوية البالغة الأهمية بشأن السياسات.
في البداية، ومن منظور الانتخابات البرلمانية الأخيرة، اسمحوا لي أن أبدأ بإطلاعكم على بعض التطورات بشأن مشاركة المرأة السياسية في العراق والتي تلقيناها بقدر من الارتياح.
بلغت نسبة النساء من المرشحين (في انتخابات تشرين الأول) 30% تقريباً، وقد أشارت النتائج الأولية إلى أن مجلس النواب القادم سيضم عدداً غير مسبوق من النساء البرلمانيات، وهو رقم أعلى من النسبة الدنيا المطلوبة وهي 25%، بل ويتخطاها.
ولا تعد رغبة المرأة وقدرتها على المشاركة في هذه الانتخابات -سواء أكانت تقوم بدور في الحملات الانتخابية أو بوصفها ناشطة أو مرشحة، وبالطبع، ناخبة- علامة جيدة فحسب، بل هناك حاجة ماسة لذلك.
هناك حاجة ماسة لذلك لأنه -وهنا أقتبس من السيدة ميشيل أوباما- لا يمكن لأي بلد أن يزدهر حقًا وهو يكبح إمكانات نسائه ويحرم نفسه من مساهمة نصف مواطنيه.
سيداتي وسادتي،
وأنا أتحدث في إقليم كردستان اليوم، سأكون مقصرةً (بالطبع) إذا لم أشر إلى الدور الرائد الذي تلعبه النساء السياسيات في الإقليم، والذي طالما كان في الطليعة على مستوى البلد من حيث كمية ونوعية التمثيل السياسي للمرأة.
وبصفتي امرأة شقّت كذلك مسارًا سياسيًا في بلدها الأم، فأنا أعلم مدى أهمية أن يكون لدى الشابات والفتيات نماذج يحتذين بها عندما يطمحن إلى تبوؤ مناصب قيادية، بما في ذلك في مجال السياسة. وأنا مؤمنة حقاً أن النساء ممن يشغلن مناصب رسمية في الوقت الحاضر يمثلن نماذج يحتذى بها لجيل الغد من القياديات.
وكذلك فقد تم إنجاز الكثير في إقليم كردستان في مجال السياسات والمجال التشريعي، بدءاً من عمل ما هو واضح من خلال مأسسة قضايا النوع الاجتماعي، على سبيل المثال، إلى كافة أنواع الإصلاحات القانونية كالإصلاح الذي يتناول تعدد الزوجات.
لكن دعونا نقر: إن الإصرار المتزايد للمرأة العراقية في الحياة السياسية العراقية لا يعد أمراً مسلماً به بعد، بل على العكس، فالتجارب السابقة والحالية على الأرض تنبئ أن بانتظارنا الكثير من العمل.
ولا يقتصر ذلك العمل على التأكد من إزالة كافة العقبات الحالية التي تحول دون حصول النساء على حقوقهن السياسية، بل أيضاً العمل على تحقيق التوازن في النوع الاجتماعي على صعيد مناصب صنع القرار.
أعني: أن من بين كل الأسماء التي يتم تداولها لمنصب رئيس الوزراء أو رئيس مجلس النواب أو رئيس الجمهورية...ربما فاتني شيء ما...، ولكني لم أسمع لغاية الآن أسم امرأة واحدة.
لكن ما نلاحظه هو، ولأقولها بشكل ملطّف، وجود بيئة حافلة بالتحديات.
الأمر هو: عندما نتحدث عن بيئة حافلة بالتحديات وعندما نتحدث عن الترهيب أو العنف القائم على النوع الاجتماعي- يخطر على بالنا فورا استخدام العنف الجسدي وهو أمر مفهوم.
ولكن كما قلت في عدة من مناسبات: يتخذ العنف والترهيب القائم على النوع الاجتماعي اشكالاً خفية عديدة.
بالتأكيد هناك تهديدات واضحة وصريحة، ولكن هناك أيضاً تهديدات خفية، على سبيل المثال: الاقصاء والرفض الاجتماعيين. وكل هذا بقصد الحط من قدر المرأة أو اضعافها أو وصفها بالعار. ويحدث هذا في المنزل والمجتمع والعلن وعلى صفحات الانترنت.
ومن هذا المنطلق، لا أبالغ إذ أقول بأن مثل هذه الأعمال غالباً ما يتم التقليل من شأنها أو حتى إنكارها تماماً: الأمر ليس بهذا السوء، "مو مشكلة" ، "كوي بي مادا".
لكن دعونا نوضح الأمر: لن تثني مثل هذه الأفعال النساء عن التفكير بالترشح للمناصب الرسمية أو السعي لتولي مناصب قيادية.
ناهيك عن المغازلة وإبداء الملاحظات البعيدة عن الذوق: حول مظهرها وطول تنورتها أو الطريقة التي تمشي أو تتحدث بها، وغني عن القول إن مثل هذه التعليقات لن يتم ابداؤها بشأن الرجال.
وسواء أعجبنا ذلك أم لا، فإن التحيز الجنساني يتخذ أشكالاً خفية عديدة، مرة أخرى، ردع المرأة عن تحقيق طموحاتها المهنية والعامة.
وهناك شيء تعلمته بالطريقة الصعبة: على النساء الطموحات أن يتمتعن بالصلابة و"الجلد السميك" وهذا ينطبق على النساء في كافة أنحاء العالم، بما في ذلك العراق.
ومؤخراً، وفي محاولة وضيعة للإهانة، تمت الإشارة لي بالمرأة "العجوز"، حيث يظهر التمييز ضد المسنين والتحيز الجنساني كضربتين متلاحقتين. دعونا لا نخدع أنفسنا: أي رجل في عمري سيشار إليه على أنه شاب أو على أقل تقدير أنه حكيم وذو خبرة. وأيضا، تجاهل الذين حاولوا توجيه تلك الإهانة بأن معظم نظرائي ومن حاورتهم من الرجال أكبر مني بعشر سنوات على الأقل.
سيداتي وسادتي، بالنظر لوجود لائحة طويلة من المتحدثين الموقرين اليوم، لا أود أن أُسهب في موضوع السياسات والمعالم والتشريعات.
وبدلا عن ذلك أود أن أؤكد على أهمية مثل هذه الفعاليات. هذا أمر مرحب به على نحو خاص، حيث لا تزال هناك حاجة حقيقية للاعتراف بمحنة وحقوق المرأة من نواح كثيرة وفي الكثير من البلدان.
كما تأتي هذه الفعالية في وقتها حيث نحن الآن في منتصف موسم (16 يوماً من الأنشطة لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي) الذي بدأ قبل ثلاثة أيام وسوف يصل ذروته يوم 10 كانون الأول، يوم حقوق الإنسان. وشعار هذا العام "لوّن العالم باللون البرتقالي! انهوا العنف ضد المرأة الآن"، والذي يجعلني سعيدة بصفة شخصية، حيث إن اللون البرتقالي هو اللون الوطني لبلدي هولندا.
ولكن في الوقت نفسه أود أن أحذر من المؤتمرات والخطابات والتقارير التي لا تعدو أن تكون واجهة فقط، ففي نهاية المطاف يتعلق الأمر بالإنجاز وإحداث فارق حقيقي في حياة النساء والفتيات.
على سبيل المثال، كل النساء والفتيات العراقيات اللاتي يعانين من الايذاء الجسدي والنفسي ما زلن في انتظار تشريع قانون مناهضة العنف الأسري، ناهيك عن تطبيقه، وهنا يجب الاعتراف والاشادة بالتشريع المتقدم بالمقارنة والموجود في إقليم كردستان.
سيداتي وسادتي، لدي ايضاً رسالة الى جميع النساء الطموحات هناك: اياكن والشعور بالإحباط من جيل الرجال الذين يتولون زمام السلطة في الوقت الراهن.
صحيح، إن شبكتهم "الأولاد الكبار" يمكن ان ينظر اليها باعتبارها أكبر تكتل احتكاري في العالم والموزعة في انحاء المعمورة. وبالطبع، الكثير من هؤلاء الرجال بحاجة إلى بعض التواضع والنزاهة والوعي الذاتي. واتفق ايضاً أن النوع الاجتماعي، في كثير من الأحيان، يبدو أكثر أهمية من الموهبة والاستحقاق.
لكن أتعلمن امراً: لقد عهدنا الرجال وهم يقولون لنا " نحن اعرف بمصلحتكن ايتها النسوة"؛ إن هذا العهد سوف ينتهي إذا قمتن بإنهائه بأنفسكن. ولذلك لا يسعني إلا ان أحث كل امرأة منكن بلا استثناء على التعبير عن رأيها بحرية.
اظهرن مشاعركن على نحو صادق ومعلن بدلاً من اخفائها، وتطلعن علناً الى الأدوار القيادية، واذهبن الى حيث لم تصل النساء من قبل. لا تخفن، بل ليكن لديكن ذلك "الجلد السميك" الذي ذكرته سابقاً. ولا يسعني الا ان أؤكد أهمية أن تشعرن بالفخر بالنساء والفتيات اللواتي تقدمن للمطالبة بمكانتهن اللائقة في المجتمع.
وكما تعلمن، لقد كنت اول وزيرة للدفاع في هولندا، وحالياً اشغل منصب اول ممثلة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق. وفي كلتا الحالتين، اعترف الكثير من الرجال (ليس على الفور، ولكن لاحقاً) بأن اول ما فكروا به هو: بالله عليكم، لِمَ يحدث لنا كل هذا ؟!
ولكن بمرور الوقت، اعتادوا عليَ. لم انتظر إذن أو موافقة الرجال، واليوم، فإن القيادة النسوية هي حقيقة راسخة في أوساط الأمم المتحدة في العراق. ليس بخصوصي فحسب، بل يتعدى الامر ذلك ليشمل نائبتيَّ، بالإضافة الى الكثير من القياديات في صناديق الأمم المتحدة وبرامجها ووكالاتها، حيث كن نساء موهوبات وفي المناصب العليا لصنع القرار.
سيداتي وسادتي، في الختام، اسمحوا لي ان اقول التالي: الرجال والنساء يختلفون في تركيبتهم، ولا سبيل لإنكار ذلك، وليس ثمة حاجة لإنكاره.
الحقيقة ان لدى الرجال والنساء قدرات مختلفة وكلاهما يُظهر صفاتٍ ويطرح حلولاً مختلفة. بإمكانهم ان يكمل أحدهم الاخر، بل يجب عليهم ان يفعوا ذلك.
لذلك، حان الوقت للتغلب على المفاهيم البالية للقيادة. لقد حان الوقت بالنسبة للقطاعين العام والخاص للتوسع وإعادة الهيكلة من اجل استقطاب النساء والاحتفاظ بهن وتمكينهن.
أقول لكم بكل تأكيد انه بالإمكان تحقيق بذلك. في الحقيقة، علينا الا ننظر أبعد مما حولنا هنا، الآن: بالنظر الى مقدار سلطة اتخاذ القرار في هذه القاعة، رجالاً ونساءً، يمكننا النهوض بشكل كبير في هذه القضية بكل عزم وتصميم وبالالتزام المشترك منا جميعاً.
شكرا لكم.