كلمة السيد جورجي بوستين، نائب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بمناسبة إحياء ذكرى الاعتداءات على الأيزيديين بغداد
بغداد 3 آب 2017
أصحاب المعالي،
السيدات والسادة،
قبل ثلاث سنواتٍ مضت، وتحديداً في الثالث من آب 2014، اجتاح تنظيم "داعش" الإرهابي التكفيري منطقة سنجار، مستهدفاً وبشكل مباشر المدنيين، تقتيلاً واستعباداً، ومتسبباً في نزوحهم بأعداد هائلة؛ حتى أنه خلال المدة من 4 إلى 8 آب 2014 بلغ عدد الفارّين بحثاً عن ملاذات آمنة ما يقرب من 200,000 شخصاُ؛ بينما احتمى عشرات الآلاف منهم بجبل سنجار حيث حاصرهم تنظيم "داعش" تحت ظروف بالغة الصعوبة تتمثل في نقص خطير في الماء والغذاء والمأوى والخدمات الصحية.
وأشارت المعلومات في ذلك الوقت الى أن من بين الضحايا العديد من الأطفال الذين ربما يكونوا قد ماتوا فوق الجبل نتيجة التعرض للظروف المناخية القاسية وانعدام الرعاية الطبية.
وترسم الشهادات التي أدلى بها الناجون صورة حية توضح بجلاء الأسلوب الممنهج والواسع النطاق الذي اتبعه التنظيم في ارتكاب جرائمه الفظيعة ضد الأيزيديين وغيرهم من المكونات العرقية والدينية في العراق.
وقد تأكد للأمم المتحدة من خلال رصدها المستمر، أن الجرائم التي ارتكبها التنظيم تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وقد ترقى الى مستوى الإبادة الجماعية؛ ويبقى تحديد ذلك الأمر متوقفاً على رأي محكمة مستقلة مختصة في هذا الشأن.
ونيابة عن بعثة الأمم المتحدة في العراق، أود أن أعبر عن تعاطفي العميق مع أسر الضحايا، والمفقودين، والناجين من العنف المأسوي والأعمال الشنيعة التي أعقبت هجوم داعش. أما على الصعيد الإنساني، فتواجه الناس تحديات جسام، وستظل هناك الكثير من الاحتياجات التي ينبغي تلبيتها.
وعندما أتذكر الأحداث المروّعة التي جرت قبل ثلاث سنوات، والنزوح الجماعي الذي تسببت فيه، يطيب لي أن أعرب عن امتناني العميق لحكومة كردستان والمجتمعات المضيفة في إقليم كردستان العراق لاستضافتهما بسخاء كبير –على مدى سنوات الصراع الثلاث – واستمرارهما في استضافة الأعداد الضخمة من النازحين، وسعيهما للتخفيف من محنتهم وتوفير البيئة الآمنة والمواتية لعيش الناجين والضحايا. إن هذه التضحية النبيلة سوف لن تنسى أبداً.
إن الوحشية المفرطة التي مارسها تنظيم داعش بحق المكونات العرقية والدينية المتنوعة في العراق، وخاصة الأيزيديين إلى جانب المسيحيين، والتركمان، والشبك والأقليات العراقية الأخرى، بعد استيلائه على منطقة سنجار في الثالث من آب 2014 تمثل فترة حالكة الظلام في تاريخ العراق ويجب ألا ننساها أبداً.
وكان الإيزيديون مستهدفين بشكل خاص، حيث ابدى تنظيم داعش عزمه ونيته على تدميرهم كليا أو جزئيا. وقدرت المصادر أن ما بين 2000 و5500 شخصا من المكون الإيزيدي قد قتلوا على يد تنظيم داعش منذ 3 آب 2014. وفي الفترة ما بين 3 آب 2014 و2 تموز 2017، اختطف داعش ما يقرب من 6417 شخصا من المكون الإيزيدي، ولا يزال نحو 3369 شخصا في أسر داعش، بما فيهم 1636 امرأة وفتاة و1733 رجلا وفتى.
وكانت النساء والفتيات الخاضعات لسيطرة داعش ولا سيما النساء الإيزيديات ونساء الأقليات الأخرى، معرضات بشكل خاص للانتهاكات والتجاوزات التي نص عليها القانون الدولي لحقوق الإنسان وانتهاك القانون الإنساني الدولي.
وأقتبس: ((أتذكر كلمات الناجية الإيزيدية بالكثير من الألم: عشت مع أطفالي الأربعة في الجحيم لمدة عام وثمانية أشهر، فقد وضعني الوحوش تحت الأرض في مكان مياه الصرف الصحي في الموصل لمدة خمسة أشهر بدون أي ضوء مباشر، وطعام قليل جدا ودون مياه للشرب. وقد أخذوا ابنتي البالغة من العمر 12 عاما. أتذكر صراخها عندما فصلونا عن بعضنا، أتذكر عينيها، أتمنى أن أراها مرة أخرى. اغتصبوني باستمرار أمام أطفالي، الذين تتراوح أعمارهم بين أربع وست سنوات. أنا بحاجة إلى الاعتقاد بأن هذا سوف لن يحدث مرة أخرى))
هذه الناجية هي صوت كل ضحية عاشت في أسر داعش.
ولا تزال الأمم المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء الإيزيديين ووضعهم ومصير أحبابهم المفقودين وسلامة الآلاف من أولئك الذين ما زالوا في أسر داعش وما زالوا يعانون من فظائع لا توصف على يد الجماعة الإرهابية كل يوم.
أصحاب المعالي
السيدات والسادة
إن استعادة الموصل، ثاني أكبر مدن العراق من السيطرة الإرهابية، هو حدث ذي أهمية كبيرة بالنسبة للعراق والمنطقة، حيث أنه يشير إلى هزيمة لا رجعة فيها لإرهاب داعش. وينبغي تأمين هذه اللحظة النادرة للوحدة الوطنية من خلال عملية طويلة الأجل لتحسين الادارة وتقديم خدمات أفضل وبسط الأمن ووضع ترتيبات أمنية مناسبة لجميع الطوائف وتكفل العدالة والمساءلة وتعزز المصالحة. وكجزء من الجهود الرامية إلى كسر دائرة العنف، ينبغي السماح لجميع النازحين بالعودة إلى أماكنهم الأصلية طوعيا وبكرامة. ويجب ألا يُدخر أي جهد لتقديم المساعدة والخدمات التي تشتد الحاجة إليها إلى الناجين من عنف داعش وأسرهم ومجتمعاتهم المحلية.
أصحاب المعالي،
السيدات والسادة،
يواجه العراق فترة صعبة للغاية في المستقبل اذ أن العنف لا ينتهي بتحرير الاراضي.
ويجب على الحكومة العراقية أن تعيد الإدارة المدنية للعدالة وأن تقدم الدعم لسلطات إنفاذ القانون والسلطات القضائية من اجل إجراء التحقيقات كما ينبغي وتوثيق ومحاكمة مرتكبي الجرائم وخروقات حقوق الانسان والتجاوز عليها وفقا للقانون وحيثما أمكن ذلك. وكجزء من هذه العملية الحيوية، يجب الحفاظ على الأدلة بما في ذلك حوالي 70 مقبرة جماعية اكتشفت حتى الآن مع الرعاية المناسبة والتدابير اللازمة لحفر مثل هذه المواقع واستخراج وتحديد الرفات.
كما أن الحكومة العراقية ملزمه بضمان أن تتمتع محاكمها بالولاية القضائية اللازمة لمحاكمة الأفراد عن الجرائم الدولية التي تم ارتكابها على أراضيها وضد شعبها. وتقدم بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) في الوقت الحالي المشورة بشأن صياغة مشروع قانون يكمّل الإطار القانوني الجنائي العراقي بغية إنشاء محكمة متخصصة لمحاكمة مرتكبي أشد الجرائم خطورة على الصعيد المحلي ولكن وفقا للمعايير الجنائية الدولية.
وفي الوقت الذي يتم فيه السعي إلى ذلك، نحث الحكومة العراقية على أن تصبح طرفا في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أو أن تحيل الحالة الراهنة في العراق إلى المحكمة الجنائية الدولية بعد قبول العراق للولاية القضائية للمحكمة الدولية وفقا للمادة 12 (3) من قانونها.
أصحاب المعالي،
السيدات والسادة،
علينا أن نستخدم جميع الوسائل المتاحة لمعالجة الأسباب الجذرية للعنف لتجنب إرتكاب المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان ومعاناة المدنيين.
كما يتوجب علينا أن نتكاتف في مكافحة الإفلات من العقاب وأن نقول بصوت واحد وواضح أننا سنتمسك بحقوق الإنسان والدفاع عنها ولن ندع مجالا للممارسات الوحشية والفظائع والكراهية والتطرف والتعصب الديني والثقافي.
إن مأساة الأيزيديين هي تذكار صارخ لشعب العراق والمنطقة والعالم أجمع بأن إيديولوجيات الكراهية التي تركت دون مكافحه قد تطلق العنان لعنف لا يمكن تصوره ولوحشية بربرية ضد الضعفاء وغير المحميين-والأكثر ضعفا من بينهم هم الأقليات.
ونحن نستذكر الضحايا هذا اليوم، فلنتعهد جميعا بعدم التخلي عن الايزيديين والأقليات الأخرى العزل وتركهم تحت رحمة قوى الظلام والوحشية التي تتحين الفرص. ويتمثل الضمان النهائي لذلك في عراق ديمقراطي متصالح قائم على سيادة القانون.
شكرا لكم.