إحاطة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق السيد يان كوبيش إلى مجلس الأمن (ترجمة غير رسمية)
نيويورك، 16شباط 2016
السيد كوبيش (تكلم بالإنكليزية): في الفترة الماضية التي يشملها التقرير، حقق شعب العراق البطل تقدما مطردا ضد ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (تنظيم داعش)، الذي أخذ يفقد تدريجيا مكانته لدى السكان المغلوب على أمرهم. فتحرير بيجي وسنجار، والأهم من ذلك كله الرمادي، والسيطرة عليها، واستمرار تطهير المناطق المحيطة بمقاتلي تنظيم داعش، هي أمور غرست في شعب العراق الأمل في أن البلد يمكن تحريره من تنظيم داعش، وسوف يتحرر منه. كما وثّقت مدى أهمية الاعتماد على المقاتلين المحليين ومقاتلي القبائل الموجودين في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش، بغية مشاركتهم في التحرير وتحمّل مسؤولية الأمن في مدنهم ومحافظاتهم.
إن هذا النجاح يبيّن أيضا التصميم المتزايد والدعم الفعّال اللذين يحظى بهما العراق من التحالف العالمي لمكافحة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام خلال حربه ضد هذا التنظيم، ويوفّر دروسا حول الاستعدادات لتحرير الأراضي المتبقية، وأبرزها مدينة الموصل. وهو بمثابة تشجيع للأعضاء الآخرين في المجتمع الدولي على مساعدة العراق في محاربة تنظيم داعش.
إن التنظيم الإرهابي داعش، بما يعتنق من أيديولوجية متطرفة، وينتهج من سياسات طائفية، ويمارس من تطرف عنيف وإرهاب، يشكّل تهديدا عالميا غير مسبوق للسلم والأمن الدوليين. ومحاربة تنظيم داعش بجميع الوسائل هي أولوية للمجتمع الدولي بأسره، والدول الأعضاء مدعوة إلى مضاعفة جهودها والتنسيق في ما بينها.
عقب الجلسة التي عقدها مجلس الأمن في 18 كانون الأول/ديسمبر 2015 (أنظر S/PV.7589)، ما فتئت الجهود الثنائية والدبلوماسية، بمساعدة الشركاء الدوليين والأمم المتحدة، تعمل على حل المسائل المتعلقة بوجود قوات تركية في معسكر بعشيقة، دون التوصل حتى الآن إلى نتائج مقبولة لدى الطرفين.
وأكرر النداءات التي وجّهها الأمين العام للتوصل إلى حل وفقا لميثاق الأمم المتحدة، وفي إطار الاحترام الكامل لسيادة العراق ووحدة أراضيه. وأحث أيضا كلا الجانبين على اتخاذ الخطوات التي تمكّن من تعميق التعاون في ميدان الأمن والدعم المستمر للعراق في محاربة تنظيم داعش، استنادا إلى مشاورات تجرى مع حكومة العراق وموافقتها الكاملة.
وبصرف النظر عن تلك النجاحات، يبقى تنظيم داعش عدوا كبيرا وعنيدا يعمل باستمرار على تغيير أساليبه وأنماط الهجمات التي يشنها، آخذا في الاعتبار أيضا التطورات في سوريا. فإلحاق الهزيمة بتنظيم داعش غير ممكن بالوسائل العسكرية وحدها دون التصدي للأسباب الجذرية للعنف وأيديولوجيته الكامنة؛ وإلاّ فإن أثرها لن يكون مستداما وثابتا. والانتصارات العسكرية بحاجة إلى أن تُستكمل من خلال بذل جهود مكثفة ترمي إلى تحقيق الاستقرار، وإعادة التأهيل، وتحديد الأولويات، والسماح بالعودة الآمنة للأشخاص المشردين داخليا إلى بلداتهم الأصلية. وفي الوقت نفسه، يجب على العراقيين إعطاء الأولوية للمصالحة السياسية والمجتمعية.
إن عدم إحراز تقدم في تنفيذ الاتفاق السياسي الوطني يُظهر غياب توافق في الآراء السياسية، ومواصلة السعي إلى تحقيق مصالح حزبية. فتحقيق الاستقرار والأمن ووحدة العراق يتوقف على نظام سياسي فعّال وشامل، والمساواة في صنع القرار على الصعيدين الاتحادي والمحلي. ويتعين على الحلول الملموسة لمنع الإقصاء السياسي والطائفي أن تشمل تعديل أو اعتماد قوانين ذات أولوية، يعقبها التنفيذ العاجل، من قبيل قانون العدل والمساءلة، وقانون الحرس الوطني، وقانون العفو العام. ومن الضروري على حد سواء قيام القوى السياسية السنيّة وزعمائها ببذل الجهود لتوحيد موقفهم إزاء المصالحة الوطنية، والفيدرالية الفعالة، واللامركزية، وكيفية مواجهة تنظيم داعش بنجاح أكبر. وأرحب بهذه الخطوات شريطة أن تضيف إلى توطيد الوضع الداخلي وليس إلى إحداث انقسامات فيه، بينما أحث قوى السنّة وزعماءها على مواصلة هذه الأنشطة بالطريقة الممكنة التي تشمل الجميع على نحو أكثر شمولا.
وفي أوائل كانون الثاني/يناير، أدّت الهجمات القاتلة التي شنها تنظيم داعش في بغداد وفي المقدادية، وفي محافظة ديالى، والأعمال الانتقامية التي ارتكبتها عناصر من الميليشيات المارقة والجماعات الإجرامية، إلى الشعور بالقلق مرة أخرى تجاه أن الدولة لا تزال في حالة انحدار نتيجة العنف الطائفي، تفاقمها الانقسامات السياسية الداخلية على خلفية طائفية، فضلا عن التوترات والسياقات الإقليمية. وكانت تلك الهجمات محاولة لزيادة تأجيج التوترات الطائفية والاستقطاب السياسي في العراق، وإضعاف وحدة العراق وشعبه. وهي أبرزت أيضا الحاجة الملحة إلى إحراز تقدم في العلاقات بين الطائفتين، واستعادة سلطة الدولة والسلطات المحلية بسرعة، وسيادة القانون، والحكم الرشيد، والعدالة، وتوفير الخدمات للمناطق المحررة حديثا، وممارسة السيطرة القوية على جميع المقاتلين والأسلحة. أمّا إصلاح قطاع الأمن لمواجهة مسألة الجماعات المسلحة غير المنضبطة ووجودها في المدن، لا سيما في المناطق المحررة، فهو يتصف بالأولوية.
وتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة والعودة الآمنة للمشردين داخليا أمران يتصفان بأهمية سياسية كبيرة. ويسعدني أن أبلغكم بأن مرحلة تحقيق الاستقرار في تكريت اكتملت تقريبا. وعلى العموم، لقد أعطت الحكومة أولوية عالية جدا للعائدين، فعاد منهم حتى الآن أكثر من 500000 من المشردين العراقيين إلى مجتمعاتهم المحلية الأصلية. وتتوقع الحكومة أن يصل عدد العائدين منهم إلى 900000 في عام 2016.
ومع ذلك، هناك عدد من العوامل المعقدة التي تؤثر على وتيرة العودة. وهذه العوامل تشمل عددا كبيرا من الأجهزة المتفجرة المرتجلة التي زرعها تنظيم داعش ويجب إزالتها قبل أن يتمكن السكان من العودة إلى ديارهم، فضلا عن التدمير الشديد الذي طال البنية التحتية والمنازل. ونحن نشهد ذلك الآن في الرمادي. وإنني أدعو شركاء العراق الإقليميين والدوليين إلى تعزيز دعمهم للجهود التي تبذلها حكومة العراق في سبيل إحكام السيطرة على مناطق استعادتها من تنظيم داعش وتحقيق الاستقرار فيها. وينبغي أيضا لتلك الجهود أن تركز على بناء قدرات قوات الأمن المحلية وقوات الشرطة، من خلال التدريب وتوفير الدعم المادي لها.
ولا تزال الاستقطابات والانقسامات السياسية تعوق قدرة رئيس الوزراء العبادي على النهوض بجدول أعمال الإصلاح، بما في ذلك تحقيق اللامركزية ومكافحة الفساد. والإعلان الأخير لرئيس الوزراء بهدف إنشاء مجلس وزراء أكثر مهنية مع أعضاء يتم اختيارهم على أساس الجدارة، وليس على أساس حصص طائفية أو سياسية، ينبغي أن يترافق مع التنفيذ العاجل لحزمة تتضمن الإصلاح السياسي والأمني والاقتصادي الحقيقي. ومجموعة التحديات المعقدة والعميقة التي تواجه البلد وشعبه تقتضي من الكتل السياسية أن تعمل معا في نهاية المطاف لدعم إصلاحات شاملة وعميقة، كما فعلت عند اعتماد الميزانية لعام 2016.
إن أزمة العراق المالية المستمرة وتفاقمها بسرعة، وتزايد العجز في الميزانية، ومضاعفتها بسبب الحالة الإنسانية والأمنية، والانخفاض الحاد في أسعار النفط العالمية، أمور أدت إلى انخفاض الإيرادات المقررة للدولة إلى النصف تقريبا منذ ذلك الحين، ويواجه إقليم كردستان حالة خطيرة على الأقل مثل الحالة التي تواجهها بغداد. ومن المحتمل أيضا أن تؤثر الصعوبات المالية على محاربة تنظيم داعش، لأن عددا كبيرا من المقاتلين، لا سيما البشمركة، لم يتلقوا معاشاتهم منذ عدة أشهر.
وأنا أدرك أن هذه الحالة التي لا يمكن تحمّلها، إذا تُركت من دون معالجة، قد تقوّض على نحو خطير الروح المعنوية المتجددة للقوات الموالية للحكومة، وثقة الشعب – بما في ذلك الشباب، والمجتمعات المحلية، والأقليات، والمشردون داخليا – بأن لديه مستقبلا في العراق. وفي حين يجب على الحكومتين في بغداد وأربيل أن تحدّدا بسرعة الأولويات المالية والاصلاحية للدولة مع ملكيتها بالكامل، فإنني أحث المجتمع الدولي على مساعدة العراق في التغلب على هذه الصعوبات، من خلال زيادة الدعم التقني والتمويل، بما في ذلك توفير القروض من المؤسسات المالية الدولية والإقليمية. والاصلاحات الاقتصادية الحقيقية التي تقوم بها الحكومتان في بغداد وأربيل يمكنها أن تمهد الطريق لمثل هذا الدعم المالي والمتعلق بالميزانية.
والأزمة الاقتصادية الحادة لها أثر واقعي على العلاقة بين بغداد وأربيل، مع أن كلا الجانبين يظهران إرادة متجددة للعمل معا عسكريا واقتصاديا، بما في ذلك تحقيق الإصلاحات. لذلك، يحدوني الأمل في أن تسود الواقعية والبراغماتية، وأن تساعدا في تعزيز الجهود الرامية إلى كفالة الاستقرار والازدهار في العراق، بما في ذلك إقليم كردستان، اللذين يلزمان لاستمرار المعركة الوجودية معا ضد تنظيم داعش.
والأزمة الإنسانية في العراق معقدة للغاية، ومن المتوقع أن تتوسع وتزداد سوءا هذا العام. واليوم، ليس هناك 3,3 مليون من المشردين داخليا فحسب، ولكن هناك ما مجموعه حوالى 10 ملايين عراقي- قرابة ثلث السكان – يتطلبون على نحو عاجل شكلا من أشكال المساعدة الإنسانية. ودعونا لا ننسى أنه من دون الدعم اللازم، المشردون داخليا اليوم سيصبحون لاجئين في الغد. فالاحتياجات الإنسانية الآن كبيرة جدا بحيث تفوق القدرات الوطنية. والواضح أن حكومة العراق وحكومة كردستان الإقليمية لا تمتلكان الموارد لمواصلة تقديم المساعدة، ليس بسبب نقص الإرادة أو التردد في تحمل المسؤولية، ولكن بسبب الحالة الاقتصادية والمالية الخطيرة.
وفي 31 كانون الثاني/يناير، أطلقت الأمم المتحدة، بمشاركة حكومة العراق، نداء إنسانيا لتوفير مبلغ 861 مليون دولار بغية المساعدة في كفالة أن يحصل الأشخاص الأكثر ضعفا على المساعدة التي يحتاجونها. علاوة على ذلك، إن الكارثة المحتمل أن تنجم عن التطورات في الموصل تضيف تحديات وضغوطا جديدة خطيرة، وتتطلب إجراءات عاجلة من جانب حكومة العراق والمجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، فضلا عن حملات التوعية العامة وخطط الاستجابة للكوارث، بما فيها إخلاء السكان المتضررين في حالة حدوث هذه الكارثة.
واسمحوا لي أن أنتقل الآن إلى التقرير التاسع للأمين العام (S/2016/87) عن مسألة المفقودين الكويتيين ورعايا البلدان الثالثة، والممتلكات الكويتية المفقودة، بما في ذلك المحفوظات الوطنية. وكجزء من برنامج حكومة العراق للإصلاح، وافق مجلس الوزراء على توزيع الملفات التي كانت سابقا تحت سلطة وزارة حقوق الإنسان، وقرر إحالة الجوانب التقنية لملف الأشخاص الكويتيين المفقودين إلى وزارة الدفاع.
وفي حين أن ذلك يمثل خطوة إيجابية، يجب على حكومة العراق الآن تنفيذ القرار وتخصيص الموارد المالية اللازمة للتأكد من أن العمل لا يزال مستمراً بلا كلل.
ويستمر التعاون بين العراق والكويت في بلوغ مستويات جديدة. ففي كانون الأول/ديسمبر، وخلال الدورة الخامسة للجنة الوزارية المشتركة بين العراق والكويت، وقّع الطرفان اتفاقات تشمل عدة ميادين، بما في ذلك الشباب والرياضة والتفتيش والمراقبة والاتصالات. ومع ذلك، فإن حكومة العراق لا تزال تخضع لالتزام دولي بكفالة إحراز التقدم.
وتواصل الأمم المتحدة العمل في ظروف صعبة وغالباً ما تكون محفوفة بالمخاطر في العراق. ومن دواعي أسفي العميق أن أبلغ أعضاء مجلس الأمن بأننا تلقينا بالأمس أنباء عن العثور على جثة الموظف في بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى العراق الذي اختطف في ديالى في نيسان/أبريل 2015، السيد القيسي. وإنني أشعر بالصدمة والحزن لهذه الأنباء. وأحث بقوة السلطات العراقية على إجراء تحقيق شامل وشفاف في هذا الاختطاف والقتل على الفور ومحاسبة الجناة. وأود أن أذكّر حكومة العراق بأن السلطات الوطنية تتحمّل المسؤولية الكاملة عن تحقيق العدالة في هذه القضية، تماماً كما تفعل من أجل تأمين وحماية جميع موظفي الأمم المتحدة العاملين في البلد.