اجتماع: "رؤية العراق فيما يخص مخيم الهول السوري"
12 حزيران 2023
بغداد
أصحاب المعالي،
السيدات والسادة،
صباح الخير.
منذ أن توليت منصبي في كانون الأول عام 2018، كانت المخيمات والسجون في شمال شرق سوريا في صدارة مشاركاتي. لماذا؟ لأن ترك الوضع دون معالجة لم يكن (وليس) خياراً.
والآن - إن إرث معركة الأمس ضد داعش هو بلا شك إرث معقد. ولكنه أمر يجب أن نتصدى له معاً. فلدينا واجب جماعي لمنعه من التحول إلى حرب الغد.
وقد سمعتموني على مدار الأربع سنوات الماضية أكرر أننا يجب ألا ننتظر أن يبلغ الأطفال الصغار سن الرشد في مخيم مثل الهول.
إن هؤلاء الأطفال لم يطلبوا أن يكونوا جزءاً من هذه الفوضى. ولكن الحقيقة القاسية هي أنهم يجدون أنفسهم محرومين من حقوقهم. كما يجدون أنفسهم معرضين لخطر التجنيد القسري وأن يصبح التطرف العنيف وضعهم "الطبيعي".
السيدات والسادة،
إنها مسألة إنسانية. إنها مسألة أمنية.
ويدرك مستشار الأمن القومي العراقي، السيد قاسم الأعرجي، كما لا يمكن لأي شخص آخر - أن إبقاء الناس إلى أجل غير مسمى في هذه الظروف المقيدة والسيئة للغاية يؤدي في نهاية المطاف إلى مخاطر أكبر على الحماية والأمن من إعادتهم بطريقة مدروسة.
وفي شهر نيسان من العام الماضي، وكما أشار مستشار الأمن القومي العراقي، ألقيت كلمة في نفس هذا المركز. وفي ذلك الوقت كانت 449 عائلة قد عادت من مخيم الهول. ومنذ ذلك الوقت، تمكن العراق من تحقيق أكثر من 3 أضعاف هذا الرقم، حيث عادت 1382 عائلة إلى مركز الجدعة. وفي نفس الوقت، غادرت 837 عائلة إلى مناطقهم الأصلية أو مناطق العودة.
ولم تكن جهود العراق خلال العام الماضي سهلة. بل أبعد ما تكون عن ذلك. واستلزمت الكثير من "التعلم بالممارسة". وكما هو الحال مع أي دولة لها مواطنين في الهول، فإن المعارضة أيضاً جزء من واقع العراق.
ومع ذلك، فإن عملية عودة المواطنين هي الأمر الصحيح الذي يجب القيام به – للعراق، ولكل بلدٍ يوجد مواطنوه في مخيم الهول. ولا يسعني إلا أن أكرر أن ترك الوضع دون معالجة ليس خياراً. وبغض النظر عن التحديات، ينبغي القيام بذلك.
إن المخاطر المرتبطة بالقيام بالقليل أو بعدم القيام بأي شيء واضحة تماماً. كما أن مخيماً مثل الهول لا يزال يؤجج الاستياء ويمثل مصدر إلهام للإرهابيين.
والآن، وكما أظهر لنا العراق: من الممكن التوصل إلى حلول كريمة ترتكز على مبادئ المساءلة وإعادة الإدماج. وليس لدينا وقت نضيعه. ما أقوله هو أن الحل الأفضل والدائم الوحيد هو السيطرة على الوضع، وبالتالي إدارة عمليات العودة بسرعة وحسم - بروح الشراكة.
وفي العام الماضي، يوم 5 حزيران بالتحديد، زرت مخيم الهول بنفسي. إنه مجمع مقفر مترامي الأطراف من الخيام تحت أشعة الشمس الحارقة.
وستظل محادثة مع صبي عراقي يبلغ من العمر 11 عاماً محفورة في ذاكرتي إلى الأبد. فقد توفي والده قبل عدة سنوات، على الأرجح في ساحة المعركة. وتوفيت والدته بسبب المرض. وكان هو وأشقاؤه الستة بمفردهم، يحاولون البقاء على قيد الحياة في مخيم مثل مخيم الهول.
وكان لدى هذا الصبي حلم واحد: العودة إلى العراق. العودة إلى الأماكن التي أخبرته والدته عنها. وأن يكون لديه حياة تستحق العيش. لقد صدمت من طموحه المتواضع ومن تصميمه. إنه في الحادية عشرة من عمره. قال لي أفضل ألا تكون لدي حياة عن هذه الحياة، وكان على حق.
وفي أوائل كانون الثاني من هذا العام، أبلغتني مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) بمغادرة هذا الصبي وأشقائه من الهول إلى العراق. لقد تمكنوا من الخروج. ولكن كما نعلم جميعاً: آلاف العراقيين وغيرهم من جنسيات أخرى لا يزالون هناك.
والآن - تدرك السلطات العراقية أنها لا تستطيع التوقف هنا. لقد أوضحوا ذلك بجلاء عدة مرات. بما في ذلك خلال زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في أوائل آذار.
كما نعلم أيضاً أنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي ينبغي القيام به. وكما قلت، لا يزال الآلاف من العراقيين هناك. ودعونا نواجه الأمر، إن التصريح بالعودة إلى العراق ليس سوى بداية رحلة. من الوصول إلى مركز الجدعة إلى المغادرة إلى مناطق العودة، ينتظرهم طريق طويل آخر مليء بالتحديات أيضاً.
في حين أن الخطاب قد لا يكون أفضل لحظة للدخول في التفاصيل، اسمحوا لي أن أذكر بعض القضايا التي ينبغي أخذها في الاعتبار:
- هناك حاجة ملحة للتنسيق السلس بين جميع الكيانات الحكومية العراقية المعنية، خاصة بين النظراء المدنيين والأمنيين، بما في ذلك في إدارة المخيمات وتنسيقها، وتصاريح المغادرين من مركز الجدعة ، وكذلك في تعزيز إعادة الإدماج.
- يجب الأخذ في الاعتبار أوجه الضعف الفريدة للكثير من العائدين، خاصة النساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة. فمثلاً، وكما أشرت سابقاً، هناك أطفال غير مصحوبين أو منفصلين عن ذويهم ينبغي تلبية احتياجاتهم المحددة. ويتطلب ذلك نهجاً مستنيراً مدفوعاً بالاحتياجات والحقوق ذات الصلة.
- ولأن إعادة الإدماج هي الهدف النهائي، فإن الخدمات الانتقالية الملائمة هي شرط أساسي في مركز الجدعة وخارجه. وتشمل الرعاية الصحية والعقلية أو التعليم والتدريب المهني – إضافة إلى الأساسيات، من معدات الطهي إلى الملابس.
- يجب أن يكون لدى العائدين مسارات يسهل الوصول إليها للحصول على الهوية القانونية وغيرها من الوثائق المدنية. فبدون أوراق رسمية، لن ينجح العائدون في بناء حياتهم وإعادة الاندماج.
- وينبغي تطبيع وضعية العائدين في نظام الحماية الاجتماعية للحكومة شأنهم شأن أي عراقيين ضعفاء آخرين. وإلا فإنهم سيكونون معرضين لخطر الوقوع في براثن الفقر المدقع ويجدون أنفسهم معرضين لآفات اجتماعية أخرى.
- وبالطبع، يعتبر الحفاظ على وحدة الأسرة أمراً أساسياً.
- كما أن التماسك الاجتماعي، وبالتالي الحاجة إلى التواصل بشكل واضح وشامل مع المجتمعات المحلية في مناطق العودة، شرط مسبق لإعادة الإدماج الناجحة. ولا بد من بذل جهود لتفنيد ومنع حملات تشويه الحقائق والتضليل.
- ويجب علينا كذلك أن نضمن ألا تؤدي المطالبات بالعدالة التي لم تتم تلبيتها إلى إثارة موجة من الغضب. لذلك، نعم، أود أيضاً أن أشير إلى الحاجة إلى المساءلة والعدالة. إن ضحايا داعش لا يستحقون أقل من ذلك. كما أن المساءلة والعدالة آليتان رئيسيتان للوقاية.
السيدات والسادة،
إن العراق لديه رؤية طموحة. رؤية تتضمن استكمال العودة الكريمة والسعي لتحقيق المساءلة وتضميد الجراح العميقة التي أصابت المجتمعات المحلية.
ويمكن لهذه الرؤية أن تتحقق إذا كان جميع المعنيين يتحدثون مع بعضهم البعض، وإذا كان الجميع يعملون معاً لسد الثغرات، وإذا تم تجميع كافة الموارد والخبرات. وبعبارة أخرى، يتطلب ذلك جهود العراق بأكمله.
ولهذا السبب بالتحديد، نحن الأمم المتحدة في العراق، بصدد وضع نهج شامل للأمم المتحدة لدعم قيادة الحكومة وجهودها في هذا المسعى.
وكما نعلم جميعا: إن عبء في العراق هائل. وبينما نتوقع من السلطات العراقية أن تقود هذه الجهود وتقوم بما هو صحيح، لدينا (كما قلت) واجب جماعي - لمنع إرث قتال الأمس من التحول إلى حرب الغد.
ومن ثم، أعرب عن أملي في أن يظل المجتمع الدولي ملتزماً بدعم العراق عن طريق إعادة مواطنيه. ليس ذلك فحسب، بل أيضاً وفي المقام الأول وكما قلنا هنا، دعم العراق في المهمة الهائلة التي تنتظره. إن الأمر في الواقع بسيط للغاية: إذا نجح العراق، فسوف نستفيد جميعاً.
شكراً لكم.