إحاطة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق السيدة جينين هينيس-بلاسخارت المقدمة الى مجلس الأمن
فيما يخص الاقتصاد، فقد كشف الوضع الاقتصادي الحالي، مرة أخرى، ضعف العراق نتيجة للافتقار الحاد إلى التنوع الاقتصادي.
السيد الرئيس،
السيدات والسادة أعضاء مجلس الأمن الموقرون،
أعتقد أنه لا يمكن للمرء أن يكون مغالياً في حجم التحديات التي تواجه العراق في الوقت الراهن، حيث فاقم تفشي جائحة فيروس كورونا (COVID-19) عالمياً والهبوط الحاد في أسعار النفط من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية العميقة الموجودة أصلاً.
وحيث أن النظام الصحي في العراق كان أساساً على شفا الانهيار قبل تفشي فيروس كورونا، فقد احتل (ولا يزال) منع تفشي الفيروس على نحو سريع أعلى سلم الأولويات.
وفي هذا السياق، أود أن أؤكد مجدداً دعمنا للسلطات العراقية، وأن أعيد التأكيد أنه لا يمكن لأي قدر من التصدي الحكومي أن ينجح بدون المشاركة الفعالة لكافة السكان.
السيد الرئيس،
لقد ضممت صوتي مؤخراً إلى أصوات زملائي من الممثلين الخاصين للأمين العام في منطقة الشرق الأوسط في تكرار دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لوقف عالمي لإطلاق النار، وهو وقف لإطلاق النار بأوسع مفاهيمه: العسكرية وكذلك السياسية. ومن المؤكد أن التحزب والمصالح الضيقة لا بد أن تتراجع أمام القضية الوطنية الأكبر ومصلحة الشعب العراقي في هذه المرحلة التي تشهد أزمات حادة.
وللأسف، بينما يتدهور الوضع الاقتصادي للعراق يومياً، شهدنا تناحراً سياسياً متواصلاً وتكليف ثلاثة أشخاص بمنصب رئيس الوزراء في مدة لا تتجاوز العشرة أسابيع.
ولكن أخيراً، وبعد طول انتظار، تشكلت حكومة جديدة الأسبوع الماضي، حيث أقر مجلس النواب تعيين مصطفى الكاظمي رئيساً جديداً لمجلس الوزراء ووافق على برنامجه الحكومي بالإضافة إلى 15 من 22 وزيراً في الحكومة، في تطور طال انتظاره ولكنه كان موضع ترحيب بالغ. وقد أصبح من الضروري الآن إتمام إسناد المناصب الوزارية الشاغرة بشكل سريع، بما في ذلك تعيين المزيد من النساء وممثلي الأقليات.
وقد تضمنت الأولويات التي أعلن عنها رئيس الوزراء الجديد ما يلي:
• التصدي للأزمة الصحية المتمثلة في جائحة فيروس كورونا (COVID-19).
• تطوير القطاع الأمني وإصلاحه.
• حصر السلاح بيد الدولة.
• تعزيز الاقتصاد.
• مكافحة الفساد.
• الارتقاء بالمساءلة والعدالة.
• إطلاق حوار وطني.
• التوازن في العلاقات الخارجية.
• صون السيادة العراقية.
• تعزيز عودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية.
• العمل على إجراء انتخابات مبكرة.
ويتوجب تحويل هذه التطلعات الهامة وعلى نحو عاجل إلى أفعال، واسمحوا لي أن أؤكد لكم: أن العراق ليس لديه رفاهية الوقت وليس بمقدوره تحمل ممارسات سياسة ضيق الأفق المدمرة.
ومع تسلم الحكومة الجديدة مهامها منذ أيام قليلة فعلي القول بأن أول قراراتها تبعث على التفاؤل. ولكننا لسنا بحاجة إلى بلورة سحرية لندرك أن الطريق أمامها محفوف بالعديد من التحديات المعقدة. وكما ذكرت وأطلعت المجلس عدة مرات: لم تظهر تحديات العراق بين ليلة وضحاها. إضافة إلى ذلك فإنها أكبر من أي حكومة بمفردها.
لذلك فمن الأهمية بمكان إدارة توقعات الجمهور. فلن يكون هناك معجزات مفاجئة. وتحمل الاستجابة واسعة النطاق ذات الأهمية. استجابة تشمل الطبقة السياسية بأكملها وكافة المجتمعات المحلية والعمل بحس واضح من الوحدة والشعور بالحاجة الملحة والتركيز على بناء القوة المحلية وإعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية.
والآن، سيادة الرئيس،
لقد أجبرت جائحة فيروس كورونا (COVID-19) الشارع على الهدوء، ولكن مع هبوط ثقة الجماهير إلى أدنى مستوياتها، لن يستسلم العراقيون الذين يطالبون بعراق أكثر رخاء وشمولاً للجميع.
ويواجه العراق قائمة طويلة من الأعمال الداخلية العاجلة غير المكتملة، ولكي تستعيد الحكومة ثقة الجمهور يجب عليها أن تثبت أنها قادرة على إنجاز تلك المهام الضرورية مثل حفظ النظام والقانون وتقديم الخدمات العامة.
وفيما يتعلق بمسألة الانتخابات المبكرة: على الرغم من أنها أولوية قصوى للكثيرين، إلا أن البرلمان لم يكمل عمله المتعلق بالإطار الانتخابي – خاصة القضايا الخلافية ذات الصلة بتحديد الدوائر الانتخابية وتخصيص المقاعد.
وأود أيضاً أن أكرر الحاجة الملحة للمساءلة والعدالة فيما يخص العديد والعديد من القتلى والجرحى بين المتظاهرين الأبرياء.
واسمح لي أن أقول بأننا نشعر بالارتياح حيال الإجراءات المبكرة التي اتخذها رئيس الوزراء الجديد والتي تدل على حرصه على المضي قدماً في هذه الملفات المهمة.
السيد الرئيس،
فيما يخص الاقتصاد، فقد كشف الوضع الاقتصادي الحالي، مرة أخرى، ضعف العراق نتيجة للافتقار الحاد إلى التنوع الاقتصادي.
فقد انخفضت عائدات العراق الشهرية من النفط من 6 مليار دولار إلى 1.4 مليار دولار خلال الفترة ما بين شباط ونيسان. وفي الوقت الذي يتم فيه استنزاف النظام المالي العالمي من كافة الجوانب، سيكون الحصول على التمويل الدولي أصعب من أي وقت مضى.
وعلاوة على ذلك، تسبب حظر التجول الضروري (الضروري من أجل احتواء جائحة فيروس كورونا COVID-19) فيما يشبه التوقف الكامل للنشاط التجاري، مهدداً سبل العيش الحافلة بالمشاكل أصلاً للعديد من العراقيين الذين يعتمدون على الأجر اليومي لتوفير الغذاء لهم ولأسرهم.
إن الحاجة إلى توسيع قاعدة الإيرادات العراقية لا يمكن أن تكون أكثر وضوحاً مما هي عليه الآن. فقد تم الإعلان بوضوح مراراً وتكراراً، أنه يتعين على العراق:
• تقليل الاعتماد على النفط.
• إصلاح البنية التحتية الأساسية وتطويرها.
• معالجة تضخم الخدمات العامة وعدم كفاءتها.
• بناء مؤسسات دولة تمتلك مقومات البقاء وتلبي احتياجات السكان.
• محاربة المحسوبية والمحاباة.
• محاربة الفساد.
• تحفيز القطاع الخاص المحلي، وفي ذات الوقت جذب الاستثمارات الأجنبية.
لقد تم تشجيع العراق بوضوح وتكرار على بناء بيئة صحية تفضي إلى نمو واسع النطاق وموزع بعدالة وإيجاد فرص عمل بمساعدة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة وشركاء آخرين، وليس بمعزل عنهم. ولكن في غياب المتابعة الكافية، يبقى البلد، للأسف، غير مستعد لمعالجة هذه الصدمات الحادة.
ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 9.7 في المئة خلال عام 2020، مع ازدياد معدلات الفقر إلى ما يقارب 40 في المئة. كما يتوقع وقوع خسائر كبيرة في دخل العمالة فضلاً عن تضاؤل الفرص الاقتصادية.
والآن، من المهم إعادة التأكيد على أن الفساد ربما يكون هو أكبر مصدر للخلل في العراق، فهو يعمل ضد عامة الشعب من العراقيات والعراقيين، وكذلك يفضي إلى إبعاد الجهات المانحة والمستثمرين المحتملين الذين يضيقون ذرعاً، وعلى نحو متزايد، بمجابهة "المنظومة" من أجل فرصة لمساعدة البلد.
السيد الرئيس، بالانتقال إلى الأمن: لا تزال التطورات الأمنية المحلية والإقليمية والدولية تؤثر سلباً على البلاد.
فمن الواضح أن الخطاب التحريضي ونمط الهجمات والهجمات المضادة على الأراضي العراقية أفعال عقيمة ومؤسفة تماماً. وعلى الرغم من أن هذه الأحداث تناقصت تدريجياً، لحسن الحظ، في الأسابيع الأخيرة، بيد أنها لا تزال تشكل تهديداً مستمراً لاستقرار البلاد.
ولا يسعني إلا أن أؤكد أن الطريقة التي تختارها العناصر المسلحة، الكيانات المسلحة، التي لها ارتباطات متباينة بالدولة، للتصرف في هذه المرحلة ستحدد الكيفية التي سينظر بها العراقيون، بل والعديد من الآخرين، إليهم. وأكرر مرة أخرى: ليس بوسع العراق تحمُّل استخدامه كساحة للتنافس و/أو الحروب بالوكالة بين القوى المختلفة.
ومن المهم للغاية أيضاً منع أي محاولة لعودة ظهور التطرف العنيف. ويجب عدم إفساح المجال أمام تنظيم داعش لزيادة أنشطته. وجميعنا نعلم أن أفضل شكل من أشكال مكافحة الإرهاب هو أن توفر الحكومة كل ما يحتاجه المواطن وتعالج الأسباب الجذرية التي لا تزال تسمح بوجود جماعات مثل تنظيم داعش.
السيد الرئيس، انتقل الآن الى الشواغل الإنسانية:
نرحب ترحيباً حذراً بالجهود الجارية لتحسين إجراءات إصدار تصاريح المرور للعاملين في المجال الإنساني، وبالأخص المنظمات غير الحكومية في العراق والتي تقدم خدمات منقذة للحياة.
ويحتاج الشركاء في مجال المساعدة الإنسانية إلى الحصول على تصاريح للمرور عبر نقاط التفتيش الأمنية المتعددة في المناطق التي يعملون فيها. وللأسف، حتى الآن لم تتم الموافقة بعد على العديد من الطلبات للحصول على التصاريح.
وفي الوقت الراهن، باتت عملية الوصول أكثر تقييداً بسبب القيود المفروضة على التنقل بسبب تفشي فيروس كورونا (COVID-19) مما زاد الأمور تعقيداً.
هناك حاجة ملحة إلى حل عملي طويل الأمد، بوجود منسق مخول للتواصل بشكل منتظم مع الشركاء في المجال الإنساني بشأن مسائل الوصول. وأرجو بإخلاص أن تبادر السلطات العراقية الآن بالعمل دون مزيد من التأخير.
السيد الرئيس، فيما يتعلق بالعلاقات بين بغداد وأربيل، لا نستطيع حتى الآن أن نشير الى اتفاق نهائي متفق عليه ومنفذ بشكل كامل بشأن المسائل الحاسمة مثل الميزانية الإتحادية والنفط وتقاسم العوائد.
وعلى العكس من ذلك، علي القول بأننا شهدنا في الآونة الأخيرة تحركاً في الاتجاه المعاكس، حيث أعلنت الحكومة الاتحادية السابقة أنها ستوقف المدفوعات لإقليم كردستان، مما يؤثر على رواتب الموظفين الحكوميين. وبغض النظر عن الرأي في هذا القرار، فإن التوقيت لم يكن مناسباً على الإطلاق.
وما زالت المفاوضات بين بغداد وأربيل جارية. ولا يسعني إلا أن أؤكد الحاجة الماسة الى نهج طويل الأمد ومستدام. وبطبيعة الحال، ومن أجل التوصل الى أي حل مستدام، فلا بد أن تتضافر جهود الطرفين.
وحول سنجار: هناك العديد من الوعود، ولكن حتى الآن: لا توقيعات، ناهيك عن التنفيذ، ومن يدفع الثمن بشكل ملحوظ هم الأيزيديون.
وفي إقليم كردستان كما هو الحال في أي مكان آخر في العراق: تكتسب الشفافية وحرية التعبير والإصلاح الجذري ومحاربة الفساد أهمية بالغة وكذلك الوحدة السياسية. فالتوترات الداخلية الأخيرة لا تخدم مصلحة الشعب الكردي بل هي أبعد ما يكون عن ذلك.
والآن أنتقل إلى قضية المفقودين الكويتيين ورعايا الدول الأخرى والممتلكات الكويتية المفقودة بما في ذلك الأرشيف الوطني:
على الرغم من التقدم الكبير الذي تم إحرازه مؤخراً، وآخره اكتشاف رفات بشرية في مقبرة ثالثة في موقع السماوة في شهر كانون الثاني، فقد أثّرت جائحة فيروس كورونا (COVID-19) أيضاً على هذا الملف. وكان لابُدَّ من تأجيل اجتماع اللجنة الفرعية الفنية الذي كان من المُزمع عقده في 20 نيسان وكذلك الأنشطة الأخرى.
ومع ذلك، تمكنت السلطات الكويتية من القيام بأعمال الحفر في مواقع الدفن في الكويت كما تم التخطيط له في اللجنة الفرعية الفنية الأخيرة في شهر شباط.
وأود أن أشجع جميع أعضاء اللجنة الثلاثية على أن تحذو حذوها والعمل معاً للوقوف على طرق مبتكرة أخرى للتغلب على المعوقات الحالية والتكيف مع الواقع الجديد.
وفي الختام، سيادة الرئيس، أود أن أعود إلى القناعة الشجاعة التي عبر عنها عدد لا يُحصى من العراقيين في الأشهر الأخيرة. إذْ لاتَزال آمالهم ومطالبهم قضايا مُلِحّة وأتمنى أن تسترشد بها الحكومة الجديدة.
وإني آمَلُ وبصدق ألا يُسمَحَ لأي طرف أو شخص أو كيان باختطاف المطالب المشروعة للشعب العراقي.
وبناء على ذلك، أود أن أحيّي آيةَ الله العظمى السيد السيستاني الذي تعتبر حكمته الهادئة مثالاً يحتذى لنا جميعاً.
ومازلت مقتنعة بأن عراقاً أكثر عدلاً وازدهاراً وقدرة على مواجهة الأزمات يمكن أن يولد من رحم الأزمات الحالية المتفاقمة. ولكن لتحقيق ذلك فإن الإرادة السياسية أمر جوهري.
وكما ذكرت في المرة السابقة: يجب على العراق أن يتحرك بعيداً عن إدارة الأزمات التي لا تنتهي باتجاه نهج مثمر وبناء القدرة على مواجهة الأزمات على مستوى الدولة والمجتمع. فالحسابات السياسية والخاصة قصيرة المدى لا تخدم مصالح العراق على المدى الطويل. بل على العكس.
نعم، إنَّ التحدياتِ وإن كَثُرَتْ فالفرص كثيرة أيضاً. وأود أن أجدد التأكيد على دعم الأمم المتحدة المستمر، دعمنا لشعب العراق ولحكومة العراق الجديدة.